التظاهرات الجماهيرية الكبرى التي عمت جميع المحافظات مطالبةً العبادي بتحقيق ما وعد به الشعب من إصلاحات واسعة في العملية السياسية ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وسراق المال العام و خونة الشعب والوطن الذين باعوا وطنهم وشعبهم لداعش وسببوا الكوارث والمآسي لأبناء هذا الوطن وإنصاف الشعب العراقي المحروم والمظلوم وتقديم الخدمات الأساسية له وتحسين أوضاعه المعيشية والصحية ومحاربة الفقر والقضاء على البطالة من خلال تشكيل حكومة تكنوقراط من الأكاديميين والمهنيين والمتخصصين والاهم من ذلك النزيهين والوطنين لكن العبادي لم يحرك ساكناٌ بسبب ضغوط المقربين منه من أعضاء حزبه وائتلافه الذين تحول حولهم شبهات فساد كبرى والذين تسلطوا على رقاب الشعب طيلة السنين الماضية ففسدوا وسرقوا أموال الشعب والدولة وفشلوا في كل شئ ودمروا البلاد حتى تحولت تظاهرات الشعب الى اعتصامات أمام بوابات المنطقة الخضراء مطالبة العبادي بتنفيذ وعوده وإجراء إصلاحاته ومن أولويات هذه الإصلاحات تشكيل حكومة تكنوقراط تنقذ البلد والشعب من الحالة المأساوية التي يعيشها وتعمل على إصلاح ما أفسده الفاسدون وسراق المال العام طيلة السنين الماضية , وتحت هذه الضغوط الشعبية قدم العبادي الى مجلس النواب كابينته الوزارية من التكنوقراط برئاسته اختارتها لجنة من الخبراء وحضر العبادي الى مجلس النواب وسلم أسماء مرشحي حكومته الموعودة الى رئيس المجلس داعياٌ المجلس للمصادقة عليها أو إدخال أية تعديلات يرتئيها عليها وما أن انفضت جلست مجلس النواب حتى تسربت أسما حكومة العبادي وبدأت الكتل والأحزاب التي ستتضرر في حالة تشكيل حكومة تكنوقراط من غير السياسيين التابعين لها لأنها ستخسر نفوذها ومكاسبها ومنافعها المالية باعتراضها على إجراء العبادي وعلى أسماء المرشحين تحت حجج وذرائع عديدة منها إن بعض مرشحي العبادي ليسوا من أهل الخبرة والتجربة أوان بعضهم فشل في تجارب وظيفية سابقة وآخرون قالوا إن الأسماء لم تعرض لحد الآن على أعضاء مجلس النواب حتى يقوموا بتدقيقها وتمحيصها فيما أعترض رئيس المجلس الإسلامي عمار الحكيم على طريقة عرض العبادي لحكومته وأن كتلته لا توافق على مرشحي العبادي لأنها تريد إصلاحات شاملة وأنهم سيقدِمون على سحب الثقة عن العبادي في حالة فشله في الإصلاحات فيما أعلن التحالف الكردستاني إن العبادي سحب الأسماء التي قدمها لمجلس النواب وانه قدم للأكراد صفقة جديدة , والمشكلة الأهم التي واجهت حكومة العبادي المقترحة أن كل اللجان البرلمانية رفضت مرشحي العبادي كاللجنة المالية والقانونية والعلاقات الخارجية والتعليم والهجرة وغيرها في إشارة واضحة الى بقاء الأوضاع على ما هي عليه أي العودة للمحاصصة وتقاسم المناصب وتعيين الوزراء من قبل الأحزاب والكتل السياسية وهذا ما حصل في الاجتماع الذي عقد في مقر رئيس الجمهورية وبدعوة منه والذي حضرته أغلب الكتل السياسية باستثناء الصدريين والقائمة الوطنية وخلال هذا الاجتماع اختار رؤساء الكتل وزراء من كتلهم في عملية محاصصة حزبية وطائفية جديدة وقبل عرض أسماء هذه الكابينة على التصويت انتفض مجموعة من أعضاء مجلس النواب واعتصموا داخل قبة البرلمان داعين الى إلغاء ما سمي ( بوثيقة الشرف ) التي وزعت فيها المناصب محاصصةً وعندما أصرت الكتل السياسية على موقفها عقد المعتصمون من النواب جلسة لمجلس النواب اختاروا فيها رئيس مؤقت للمجلس بعد أن أقالوا رئيس المجلس السابق ونائبيه لتوقيعه على وثيقة المحاصصة خلافاُ لمطالب الشعب وخروجاً عن مسؤوليته كرئيس مجلس النواب وليس رئيس كتلة , هذه الجلسة أحدثت انقسام بين أعضاء مجلس النواب فسليم الجبوري و الكتل السياسية التي وقعت (وثيقة الشرف) اعتبروا إن جلسة مجلس النواب التي تم فيها إقالته ونائبيه غير قانونية فيما اعتبر النواب المعتصمين إن الجلسة قانونية ودستورية, هذه الخلافات والتجاذبات السياسية أدخلت البلد في أزمة سياسية جديدة تضاف الى أزماته الأخرى, فإذا كانت خطوة العبادي الأولى في الإصلاح وهي التغيير الوزاري قد واجهت هذا الكم من الانتقادات والاعتراضات وتسببت في أزمة سياسية خطيرة فهل ينجح العبادي في تشكيل حكومة تكنوقراط ؟ وكم سيحتاج من وقت حتى تتوافق الكتل السياسية كلها على حكومته الموعودة ؟ ومتى سيبدأ بإصلاحاته الأخرى كتبديل رؤساء الهيئات المستقلة والمدراء العامون وأعضاء الدرجات الخاصة والقادة الأمنيين وإنهاء التعيين بالوكالة ؟ ومتى سيبدأ بمحاسبة الفاسدين وسراق المال العام وتقديمهم للقضاء ؟ ومتى يباشر بتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية والصحية والخدمية لأبناء الشعب ؟ ومتى يتم إصلاح القضاء ؟ والمشكلة الأهم كيف ومتى يتم حل مشكلة انقسام مجلس النواب بين رئاسة مؤقتة جديدة تريد عقد جلسة أخرى لانتخاب رئاسة جديدة لمجلس النواب بعيداً عن المحاصصة ومن ثم تباشر هذه الرئاسة بدعم من النواب المعتصمين باستجواب رئيس الوزراء تمهيداً لإقالته وإقالة رئيس الجمهورية بعد ذلك ,فهل تنجح هذه الكتلة الجديدة في مساعيها أم أن الرئاسة المقالة ومعها الكتل السياسية التي وقعت على وثيقة المحاصصة هي التي ستعود للواجهة ثانيةً تحت دعم منتظر من المحكمة الاتحادية التي قدم لها رئيس المجلس السابق طعنه في الجلسة التي أقيل فيها ,الشعب العراقي ينتظر ويترقب بحذر ما ستحمل إليه الأيام المقبلة من مفاجئات فهل ستتمخض الصفقات والتوافقات السياسية المتوقعة عن حلاً لهذه الأزمة أنم أنها سندخل البلاد في أزمة كبرى ونفق مظلم لا بصيـــص لنور فيه .
مقالات اخرى للكاتب