يجدر بنا أن ندرس شخصية الفرد لما ندرس مفهوم الشخصية بوجه عام . فللشخصية مفهوم لدى ألعلمه يختلف عن مفهومها لدى العلماء فقد تعود الناس خطأ ان يقولوا عن احدهم بان له شخصية وعن انه لا شخصية له . كأن الشخصية في عرفهم كالجمال موجود عند بعض الناس ومفقود لدى الآخرين . الواقع إن كلا منا له شخصية الخاصة به ولا يخلوا احد منا من الشخصية . إنما الفرق بين بعض الناس وبعضهم الأخر هو في قوة الشخصية وضعفها وليس وجودها وعدمها . وننأ لانفصد إن نبحث في موضوع من حيث تحتها أو ضعفها , فهذا أمر لعلنا نخصص له يوم أخر نبحث فيه . إن بحثنا يدور الآن عن ماهية الشخصية بصورة عامة وعن خصائص الشخصية العراقية بصورة خاصة . ليس من السهل علينا إن نحدد الشخصية أو نعرفها تعريفا جامعا مانع فهي كالكهرباء أو الأثير أو المغناطيس لا تعرف إلا بآثارها من الصعب تحليل الشخصية إلى عناصر ها الأولية . فهي أذا حللت وفصلت عناصر ها بعضها عن البعض فقدت ارتباطها العضوي وقيمتها الكلية أنها إذن كالمركب الكيماوية يحتوي على صفات خاصة به تختلف عن صفات العناصر المكونة له كل الاختلاف , وعلى كل حال يمكن تعريف الشخصية بإيجاز فيقال بأنها,,مجموعة منظمة من الأفكار والسجايا والميول والعادات التي يتميز حركي ومحاولة مستمر ة في سبيل التوفيق بين رغبات الإنسان الطبيعية وقواعد المجتمع المفروضة عليه أن الإنسان يولد وقد ورث ميولا أو اندفاعات بهيمة غير مهذبه فتوضع هذه الاندفاعات العارمة تحت تأثير القيم الحضارية والقيود الاجتماعية حيث يبدأ الطفل ساعيا في سبيل التوفيق بين ما يشتهي من حاجات أتيه وما يفرضه عليه التجميع من إصلاحات وقيم . أنها صراع متواصل بين قوتين متعاكستين قوة بهيمة لا تفهم قيدا ولا تدرك معنى وقوة أخرى اجتماعية تحاول أن تسيطر على تلك القوة الغاشمة وتسكبها في قوالب حضارية مقبولة إن الشخصية كما يقول فرويد: نزاع بين ذاتيين : بين الذات السفلى والذات العليا. فمن الناس من ينجح في المصافحة والتوفيق بين القوتين المتنازعتين فيصبح أذن شخصا سعيا ومنهم من يفشل فيصبح مجنونا أو مجرما أو منطويا على نفسه أو مستهزأ أو معتديا حقودا ومن الملاحظ أن رجال الدين ورجال الفكر قديما أحسوا بهذه الحقيقة واعتبروا النفس الإنسانية ميدانا لنزاع مرير بين هدى الله ونزعات الشيطان أو كما قال الفلاسفة. بين وحي العقل واندفاع العاطفة اجل إدراك القدماء هذه الحقيقة بشأن الشخصية . ولكنهم فشلوا رغم ذالك في دراسة شخصية الفرد العراقي الشخصية , دراسة واقعة . فقد كان دأبهم الموعظة والإرشاد وان ينصحوا الإنسان بان يكون عاقلا أو خيرا من نجد إن يقفوا اللحظة يبحثون فيها عن السبب الذي جعل كثيرا من الناس منحرفين مع تيار العاطفة متنكبين عن طريق العقل أو بعبارة أخرى متبعين لأوامر الشيطان تاركين أوامر الرحمن . يحكى إن أعربيا مر ذات يوم بمكتبة مملوءة بالكتب فهتف قائلا : إني اعرف جميع ما في هذه الكتب وخلاصة ما فيها : يا أيها الإنسان كن خيرا أو كما نطق هو بلهجه الإعرابية :يا ابن ادم صير خوش ادمي . كلمة هذا الإعرابي , والحق يقال ,تنطبق كل الانطباق على ما كان القدماء يكتبون فيه ويخطبون . لقد أخفقوا حقا في العثور على الحقيقة الكبرى يخص الشخصية البشرية وهي إن أو أمر الله ما هي في حقيقتها إلا أوامر المجتمع وتقاليده ومثله العليا, وان هذه الإنسانية حتى نرى الإنسان يحترف وراء شهواته البهيمة قدمالا يلوى على شيء . فالمشكلة إذن ليست هي مشكلة نزاع بين العقل والعاطفة كما كان القدماء يعتقدون . انما هي في الواقع مشكلة تكتل والتفكك في النظام الاجتماعي الذي يعيش فيه الإنسان فإذا تفكك المجتمع نتيجة تحركه واتصاله بغيره من المجتمعات الأخرى ضعف سلطان المثل العليا الخاصة به وقل لذالك إيمان الإفراد بها فانسقوا إذن وراء ما يشتهون رغم الخطب والمواعظ . لقد كان القدماء بالإضافة إلى ذالك يعتقدون بان الإنسان وهو مخير يضعها فيما يعمل كل الخيار , إي :انه يستطيع أن يركب شخصية ويضعها كما يشاء ا وان يصبها بالقالب الذي يريد ,فهو قادر على زعمهم أن يجمع في نفسه جميع الخصال السيئة كان الشخصية قطعة من الشمع يكتفيها الإنسان حسب ما يريد ,غير داري بان الشخصية تنشا وتتنوع وتنضج حسب قواعد يصعب المحيد عنها ,وإنها تسير في الطريق المرسوم حسب تفاعل الطبيعة والمجتمع سواء اخطب الواعضون أم لم يخطبوا أو نصبح المفكرون ام لم ينصحوا. ان استقامة الشخصية لا تقاس بالمقاييس المنطقية المطلقة التي كان يتخيلها الحكماء .أنها بالأحرى نسبية ,فإذا ربى الإنسان في مجتمع معين واقتبس منه قيمة وتقاليده من السخف ات تطلب منه الإصغاء إلى نصائح الحكماء التي تخالف ما تعود عليه. إن من دواعي الفخار لنا حقا إن نجد إن الحضارة الإسلامية قد انتخبت مفكرا يختلف في هذا الصدد عن غير ه من القدماء , هو المفكر العربي المشهور عبد الرحمن بن خلدون فقد حاول هذا المفكران يدرس شخصية الإنسان ,لأعلى أساس الموعظة والإرشاد كدأب الناس قبله , بل على أساس الحقيقية ألرهنه التي لامحيص عنها . وجد ابن خلدون إن البدو كانوا موسومين في ذالك العهد بالتخريب وبالنقرة من العلم والصناعة ,فقام مدافعا عنهم بأسلوب علماء الاجتماع الحديث ,يقول إن خلدون :إن البدوي بطل شجاع وفاتح باسل وهو أبي للضيم وحام للجار, ومثل هذه الصفات لا تتلائم هي وصفات الصفات لا تتلائم هي وصفات طلب العلم أو الصبر على الصناعة وفنون العمران وفي راية إن الشخصية الإنسانية على أنماط شتى فان هي كانت من نمط معين صعب عليها إن تكون من النمط الأخر وعلى هذا استنتج ابن خلدون إن طلب العلم والبراعة الصناعية صفة الأمة المغلوبة الخائفة ذلك لأنها صفة تستدعي الخضوع والعمل الكادح ,وهذه مزايا لاتفق مع مزايا الإباء والبطولة والنجدة التي أنصف بها البدوي فالإنسان في نظرا بن خلدون لا يستطيع إن يكون محارباً باسلا وطالباً للعلم في نفس الوقت .وكذلك لا يقدر إن يكون بطلاً أبيا وصانعاً ماهراً في إن وكذلك اثبت ابن خلدون بأن العلوم والفنون لا تنشأ إلا في المجتمع المتفكك الذي ينشاً فيه الوقت الميل إلى الإجرام والسفه والخلاعة .فهو يرى بأن المجتمع البدوي الخالي من العلم والصناعة خال أيضا من مقتضيات التفسخ الشخصي وأسباب الرذيلة .في نظرة اسلم فطرة واقرب إلى روح الفضيلة من المدني .كان المجتمع المدينة الذي يشجع البغاء وأصحاب الفنون والعلوم يشجع أيضا أصحاب الجريمة والتهتك وسوء الأخلاق .إن هذه النظرية ،رغم ضعفها الظاهر بالنسبة للحضارة الحديثة ، تحتوي على دقة نظر في موضوع الشخصية بالنسبة للحضارة القديمة ، وهي تعبير ضربة قوية ضد التفكير القديم الذي كان يرى الإنسان قادرا على تكوين شخصية كما يهوى ويجمع فيها من الفضائل ما يشاء كانت نظرية بن خلدون هذه كالومضة تبزغ في حالك الظلام ثم تنطفئ سريعا , حيث كانت سابقة لأوانها بعدة قرون وما كاد صاحبها يموت حتى نسى العالم موضوع الشخصية كما نسى اسم أم خلدون ,وقد ظل المفكرون بعد ابن خلدون كما قبله قابعين في للبراجهم العاجية وقد بحث أصواتهم من خطب الوعظ ومؤلفات الإرشاد .