عندما شعر المالكي بأن الرياح الأمريكية قد اشتدت لاقتلاعه من منصبه، وعندما أيقن بان الايرانيين لم يعودوا متمسكين به، وعندما خاطبته المرجعية بالشدة منذرة ومحذرة إن لم يرحل ويترك رئاسة الحكومة لغيره فانها ستحرم اطاعة اوامره.. عندها التفت ليتدارك مالم يكن يضعه بالحسبان. وهو العقارات التابعة للدولة العراقية في مناطق الخضراء والقادسية والجادرية وغيرها في أرقى مناطق بغداد ومراكز المحافظات..ولكي لاتضيع منه الفرصة فقد بادر فوراً بتمليك المقربين منه لدور وشقق في المناطق المذكورة وتم بيعهم، أي -المقربون منه-، تلك العقارات الغالية بثمن بخس.
ولم تكن هذه أول خطوة يخطوها في هذا الاتجاه، بل كان قد وزع الشقق والدور الفخمة في الخضراء وأراضٍ في الكاظمية والعطيفية والكرادة(الداخل والخارج) على الحاشية، بعضها ملكت لهم كمكرمة وأخرى بأسعار رمزية، وتم اغفال قانون بيع وأيجار عقارات الدولة تماماً.
طيلة السنوات الثمان لولايتي المالكي ظل دولته يملك الأقارب والمحاسيب والتابعين له حتى لم يبق إلا القليل من املاك الدولة لم يملك. فجاء اجراءه الأخير قبل أن يرحل ليكمل مابدأه قبل سنوات.
وكان البغداديون يتوقعون من الحكومة التي خلفت حكومة المالكي أن تصحح الحال هذه وتعيد أملاك الدولة من مغتصبيها الى الدولة. إلا أن قرار مجلس الوزراء في جلسته قبل شهر لم يكن شافياً وافياً، إذ أقتصر على العقارات التي بيعت للأتباع والحاشية مؤخراً. ولم يشر إلى تلك الذي تم بيعها بدون وجه حق طوال اكثر من ثماني سنوات! وقد وصف العراقيون القرار الأخير بأنه ترقيعي وجاء لذر الرماد في العيون، وللتستر على ماهو اكبر سرقة لأملاك الدولة في تاريخ العراق الحديث.
كانت حكومة المالكي، ومجلس وزرائه، وقد اتخذت قراراً بأن يسكن المسؤولون الكبار في المنطقة الخضراء والقادسية والجادرية وغيرها عند اشغالهم لوظائف عامة. وبالطبع كان كل الوزراء-وهم تابعون للقوى الحاكمة المؤتلفة في حكومتي المالكي السابقتين. كانوا وافقوا على قرار أن يبقى المسؤول في الدار او الشقة التي يشغلها اثناء مهمته الرسمية(إن كان وزيراً أو نائباً أو من ذوي الدرجات الخاصة أو من القادة العسكريين) اثناء مدة اشغاله للوظيفة وبعد انتهاءها (يحق) له أشغالها لأربع سنوات وعند ذلك ينظر في تمليكها له أو تأجيرها.. أي هي أنها صارت ملكاً له! ولهذا لم يخل المالكي الدار التي شغلها، في حين أخذ نائب الرئيس خضير الخزاعي مفتاح الدار المخصصة لنائب الرئيس والتي شغلها لأربع سنوات، أخذ مفتاحها معه عندما سافر الى موطنه الاصلي كندا.
ويمكن ايجاز هذه الحالة بوصف دقيق هو أن من كلف بحماية أموال وأملاك الدولة قد(فرهدها) ووزعها على عائلته والمقربين منه واتباعه. وكان المفروض بمجلس الوزراء الجديد أن يراعي هذه ويتخذ قراراً بإعادة املاك الدولة المسلوبة خلال سنوات حكم المالكي .
إن الكثير من العراقين يعتقدون إن القرار الأخير كان ضحكاً على الذقون لا اكثر ، لأن الوزراء الحاليين يريدون أيضاً حصتهم من الفرهود وكثير منهم كانوا قد وافقوا على (وقفية) املاك الدولة لاتباع المالكي والاحزاب التي كانت مؤتلفة معه.
هناك حالة مماثلة لم ينبه إليها مجلس الوزراء، ولعله انتبه ولم يفعل شيئاً. وهذه الحالة هي أن عقارات الدولة خارج المناطق (السيادية)-الخضراء والقادسية والجادرية – قد تمت(فرهدتها) أيضاً من قبل مسؤولين كبار في المالية ودائرة عقارات الدولة. فالمالكي كان يمنح عقارات قائمة وأراضي أيضاً تعود ملكيتها لوزارة المالية (عقارات الدولة) للاقارب والمحاسيب والاتباع ممن يأتون في الدرجة الثانية . وقد برع مدير عام عقارات الدولة بتقديم النصح للأمانة العامة لمجلس الوزراء حيث عمل دليلاً يرشدها بأماكن هذه العقارات بجرد سنوي كي تسترشد به الأمانة وتأخذ موافقة المالكي لبيعها بـ(تفاليس) على المقربين ايضاً. ومازال مدير عام عقارات الدولة يقدم خدمات النصح والدلالة على هذه العقارات، وبالطبع لم يخرج بعد كل هذه الخدمات خالي الوفاض!
وكل مامطلوب من رئاسة الحكومة الجديدة أن تعود بالذاكرة الى سنوات ثمان سبقت وتراجع: لمن بيعت وبكم! وهل استحق الذي تملكها حق التملك وفقاً للقوانين المرعية . واذا لم تفعل رئاسة الحكومة ذلك فأنها تكون متواطئة مع المالكين في المناطق (السيادية) أو الاخرى التي استولى لها الاتباع من الدرجة الثانية
مقالات اخرى للكاتب