بسم الله الرحمن الرحيم
من اهم المشاكل التي تواجه البلاد والتي تحجز عليها طريق التطور هو عدم التمييز بين اقتصاد الدولة والاقتصاد الوطني. فالقاعدة الصحيحة ان اقتصاد الدولة هو جزء من الاقتصاد الوطني.. فالثاني الاساس والاول فرع منه وليس العكس، كما هي الممارسة اليوم. فاقتصاد الدولة لا ينظر سوى الى خزينة الدولة ساعياً الى تعظيمها وزيادة مبالغها، ولو كان ذلك على حساب الاقتصاد الوطني. واقتصاد الدولة لا ينظر عموماً سوى الى موظف الدولة ولا ينظر اساساً الى المواطن ومنهم الموظف.. فتعطى التخصيصات والرواتب وتمنح المكافئات وترسل الايفادات وتوزع الاراضي وعدد لا يحصى من الحقوق والاستثناءات والامتيازات الى العاملين في الدولة، والتي قد تكون كلها حقوق او ضرورات لا غبار عليها، لكن كثيراً ما يكون ذلك على حساب الاغلبية الساحقة من المواطنين والعاملين خارج الدولة.
نقول ذلك دون ان نقصد ان العاملين في الدولة يحصلون على كامل حقوقهم، بل لنشير الى حالة خطيرة تطورت بسبب التوجهات المركزية واحتكار الدولة التي جعلت الدولة هي المجتمع.. فصار الاستيلاء عليها هو استيلاء على المجتمع.. ووضع اليد على ثرواتها هو وضع اليد على ثروات المجتمع.. وتعظيم مواردها وكأنه تعظيم موارد المجتمع. فالاملاك والاصول والاراضي والاموال في جلها الاعظم ملك الدولة.. لذلك انحسرت مساحات المجتمع وضاقت على الناس الذين لا يجدون مخرجاً لحياتهم واوضاعهم الا بالانتماء الى نادي الدولة.. والا فهم عاطلون عن العمل في حالة الملايين التي تبحث عن عمل.. او محتكرون ومتجاوزن على اموال الدولة في حالة رجال الاعمال والتجار واصحاب المهن والمصالح الخاصة.. او هامشيون يعيشون العشوائيات ومدن الانقاض الرثة والاوساخ والفوضى العارمة.
ومما يؤسف له ان عدم اعطاء المجتمع الاولوية واعتباره الاساس الذي تتفرع منه الدولة.. والتخلص من اعتبار الدولة هي الاساس ولها الاولوية هي ثقافة قد اخترقت عقول الاغلبية الساحقة من رجالات الدولة والقوى السياسية، بل افراد المجتمع ايضاً. وهي ثقافة الفراعنة والسلاطين والدكتاتوريين، اي النظم المستبدة التي تستولي على كل شيء باسم الدولة.
لا اصلاح حقيقي في البلاد دون قلب هذه الثقافة والممارسة لتصبح الاولوية للمجتمع ومنه الى الدولة.. فالاقتصاد الوطني اهم من اقتصاد الدولة بل هو الاساس ليكون اقتصاد الدولة قوياً.. والناتج الوطني الاجمالي اهم من موازنة الدولة بل هو الاساس لتعظيم موازنة الدولة.. والرأسمال الاجتماعي اهم من رأسمال الدولة، بل هو الاساس لتعظيم رأسمال الدولة.. وملكية وحقوق المجتمع كأفراد وهيئات وجماعات أهم من ملكية الدولة، بل هي الاساس لتكون للدولة ملكية، وقس على ذلك.
مقالات اخرى للكاتب