سكنت بعشيقة ليل ثمالة العشاق والشعراء وجنود اجازات الحروب ويوم استلام الراتب ، وكان مائها الحليبي يدور في نشوة الرؤوس ليلا من غرام الهوى والترنح في مغادرة البار جذلا ، فأما تأخذك النجدة ويكفلوك في الصباح ، وأما تصل بيتك في الفجر بعد ان تتوهم بطرق بيتك عشرات الجيران.وتقسم انك لاتعود الى بعشيقة وعرقها ثانية ، ولكن ما أن ياتي الليل حتى يسكتك لذة السماع في حنجرة ام كلثوم ( حكم علينا الهوى ) فيحكمكَ الشوق الى ماعون المزة اولا ، ومن ثم الى المناداة بصوت عال الى حسو اليزيدي هات نصف قنينة ، وما يتبقى اخبئه في جيب الجاكيت الى وقتٍ يسمى كسر
ذاك زمن لم يعد استعادة هواه واساطيره ليس مخافة من القاضي محمود الحسن ، بل لان الدنيا تغيرت ، والبعشيقون نصفهم هاجر الى اوربا وامريكا والنصف الاخر يسكنون اطراف اربيل في ضاحية عين كاوه ومن بقي في الناحية يصنع العرق لنفسه سرا او علانية لا اعرف ، ولكن بعد ان اتى داعش لم يعد للمعاصر واقبية البراميل المخمورة وجود ، حتى الباسطرمة اصبحت ممنوعة.تلك محنة التأريخ مع بعشيقة ، لقد كانت تمد مع كل مدن الوطن خيطا من رومانسية الليل . والآن لا ليل ولا ريل ولا منديل نطرز عليه خارطة تقول : أذا الشوق اضناني مددت يد الهوى ...الى الكأس والنديم.
بعشيقة التى يسير اليها الجنود والبيشمركة خفافا لتحريرها ستكون اكثر سعادة ليس لأن اقبية البراميل الخشبية ستعود ، بل لانها ستكتسب وطنيتها ثانية وربما هذا هو المهم ، ان تعود مريم تدق في اجراس كنائسها حنين الشوق الى نينوى القريبة ، الى برطلة وسنجار وقره قوش وتلكيف.
نعم كانت وحدة الجغرافية عندنا قد تصنع بعبارة ( في صحتك ) قبل ان تصنع بصولة حرب أو فوج مغامر يصعد الى الربايا محاربا الكرد او الايرانيين او الانصار الشيوعيين ، وحتى في تلك الازمنة كانت بعشيقة تحتفظ بخصوصيتين ، قداسات روح كنائسها الجميلة ، واقبية البيوت التي تصنع للروح نبيذا ، وحتما ليس لكل الارواح ، بل لتلك التي تحب الترنح والنوم في المقعد الخلفي لسيارات النجدة.
اليوم تم تحرير بعشيقة...
لاأدري ان كان نشيد الحانات سيعود . مختلطا بنشيد الجنود .بالرغم من هذا صدى النصر اجمل ترتيلة لمريم .واحلى ترنحا من مشية شاعر غادر البار ليكتب قصيدة يهديها الى حبيبته فوزية والى الممثلة الفرنسية برجيت باردو..!
مقالات اخرى للكاتب