اسمح لي أولاً أن أعبّر لك عن حقيقة مشاعري، فأنا أحبّك بصدق، وبإيمان. دع عنك الكثير من الخرافات، والمقولات، والشعارات، التي أرفعها بين الحين والآخر، وخذ الصدق مني في هذه اللحظة: أحبك جداً. انتهينا.
ولكن، يطالبني الطائفيون، من الصفحتين، بأن أكرّر في كل عمود أكتبه، في كلّ يوم، بل في كلّ ساعة، أن أقول جملتين: مفاد الأولى: أدين الميليشيات الشيعية، وقتلها للسنة. والجملة الثانية: أدين الميليشيات السنية، وقتلها للشيعة.
والله، يا أخوان، المسألة صارت متعبة. مملة. وتثير الكآبة.
في كلّ مرّة نحاول فيها أن نتقدم خطوة يظهر لك من يريد إعادتك إلى الوراء. كتب الأديب العراقي سفيان الخزرجي يقول: "اعتذر شديد الاعتذار ان الاوضاع جعلتنا نخوض نقاشات ساذجة وربما سخيفة، ولو كنت فتحت مثل هذه المواضيع ايام كنت في العراق لسخر مني اصدقائي وانفضّوا عني. فيا لمهزلة القدر ان المواضيع تحوّلت من فائض القيمة والمنتمي واللامنتمي الى العلاقة بين الرسول وزوجته وكسر ضلع فاطمة، انا اشعر حقا بالغثيان، وليس غثيان سارتر".
وبالطبع فإن الكثير من الأحداث تمرّ علينا يومياً وتستدعي التعليق. والتعليق يقودك لأن تشرح بديهيات في السلوك الانساني، ثم يأتيك من يريد أن يلوي مثل تلك البديهيات، بل ويحاول تبرير فعلته أمامك، تصمت؟
الأحداث التي جرت في الأسبوع الماضي، مثلاً، وجدتني أمامها لا أملك غير أن أفغر فمي استغراباً: هل يحدث ذلك حقاً في العام 2013؟ خذوا هذا السيناريو، العيّنة:
- شيعي متطرف، يترك جغرافيا العراق كلها، ويذهب إلى بقعة صغيرة في بغداد، معروفة بسنيتها، فيشتم فيها صحابة النبي وزوجاته على مرآى ومسمع من قبل القوات الأمنية، التي، ربما، كانت توفر له الحماية!
- رئيس الوزراء، بدوره، لا يجد ردّاً أقوى من استنكار الحدث!... مثقفون محسوبون على الطائفة الشيعية، أغلبهم على وجه أدق، استنكروا خرابيط ذاك المتطرف. وهم يطالبون، أكثرهم على وجه أدق، أن يستنكر المثقفون المحسوبون على الطائفة السنية، مذابح القاعدة، التي يحسبها الشيعة ممثلاً لأبناء السنة!...
- أما ابناء مناطق سنية في غير مكان فيخرجون في اعتصام مفتوح بسبب ذاك المتطرف اللعين. بالطبع، سيقوم متطرف آخر، من ابناء السنة، بردّ الصاع للأول، المحسوب على الشيعة، وعليك أن تتخيل ما سيحدث بعدها. سنترحّم على الاعتصام، ولا شك!
تتذكرون أن حرباً طائفية طاحنة جرت بين العامين 2006 – 2007، والسبب تفجير مرقد الامامين في سامراء. من الذي فجّر المرقدين؟ وقبل أن يشتمني أي طرف، لأنني مسست بمقدساته، أو بديهياته بلغة أكثر دقة، صدقاً أنا لا أعرف من الذي فجّر المرقدين، وأنا لا أعرف من الذي دفع الألوف إلى الموت في حادثة جسر الأئمة؟ ولا أعرف، قبلها، لم دخلنا الحرب مع إيران؟ ولم دخلنا الكويت؟ تريدون أمثلة أشدّ: أنا لا أعرف لم قرّر مجموعة الضباط الإطاحة بالنظام الملكي؟ ألم يكن نوري السعيد، على ما يقول الشهود، والمصادر التاريخية، يشرب العرق مساءً رفقة عدد من "المتآمرين"؟ من الذي يقف ضد من؟ ومن الذي يريد أن يخرّب العراق؟ بل قل: لماذا؟... بالنسبة لي: لا أدري!
لنترك ذلك كله، ولنعد لأصل الحكاية. على يقين أنا من أنهم يحبّونك مثلي، ولكن وسائلهم في التعبير عن هذا الحب عنيفة للغاية، ما يدفعهم دفعاً للإعلان المتكرر عن إصابتهم المميتة بالفايروس إياه.
قل لي الآن: هل سيرضى عنك السنّة والشيعة؟