ان وظيفة المدعي العام في الدولة هي وظيفة مهمة تناط بها مهام عدة منها اقامة الدعوى بالحق العام مالم يتطلب تحريكها شكوى او اذنا من مرجع مختص , ومراقبة التحريات عن الجرائم وجمع الادلة التي تلزم للتحقيق فيها واتخاذ كل ما من شأنه التوصل الى كشف معالم الجريمة , وله الحق بالتحقيق في قضايا الفساد وهدر المال العام والجرائم التي تقوم بها اجهزة الدولة كالمخابرات والاستخبارات خارج نطاق صلاحياتها الدستورية , بالاضافة الى ذلك فان على الجهات المختصة اعلام الادعاء العام بتشكيل اللجان والهيئات والمجالس التي تتولى التحقيق والمحاكمة بالقضايا المهمة . وبناءا على ذلك نرى ان المدعي العام في الدول الاخرى غير العراق يؤدي دوره هذا بصورة كاملة تقريبا وباستقلالية وبدون تدخل الجهات الحكومية والتنفيذية , وسنذكر هنا بعض الامثلة والحوادث التي كان للمدعي العام دورا مهما فيها في الدول المجاورة للعراق وسنقارن هذه الادوار مع المدعي العام العراقي الذي فقد دوره بسبب المحاصصات الطائفية والسياسية وخضوعه لسيطرة السلطة التنفيذية.
ففي يوم الخميس 25\10\2012 قدم المدعي العام الجمهوري لمدينة اسطنبول طلبا الى رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان بالحصول على موافقة لفتح ملف تحقيق مع تسعة اشخاص عاملين بجهاز المخابرات على اثر احتيالهم على هيئة المحكمة في اسطنبول من خلا تقديم اسماء مستعارة بدلا من تقديم الاسماء الحقيقية للصحفيين لهدف التنصت على كافة مكالماتهم ومنهم كتاب اعمدة معروفين في صحف ميلليت وجمهوريت و وطن .وكذلك اصدر المدعي العام التركي (صدر الدين صاري قايا) في شهر شباط الماضي امرا للتحقيق مع رئيس الاستخبارات هاكان فيدان أو حقّان فيدان، الرجل الذكي والسياسي الأقرب إلى إردوغان وذراعه اليمنى، أن فيدان دُعي للإدلاء بأقواله، بصفته مشتبها به لا شاهد، في قضية الجناح المدني لـحزب العمّال "الكردستاني"، ولاتهامه بالتخابر سراً مع الزعيم المسجون للحزب الأنف، عبد الله أوجلان، وبأنه علم مسبقا بهجمات شنها الحزب سابقاً، من دون الإبلاغ عنها.
وفي ايران قام المدعي العام الايراني غلام حسين محسن باصدار قرار منع بموجبه الرئيس احمدي نجاد من زيارة سجن آيوين وذلك لزيارة مستشار نجاد الصحفي علي اكبر جوانفكر الذي يقضي عقوبة السجن لمدة 6 اشهر لنشره مقالا اعتبر منافيا للذوق العام , وقال له لابد من الاهتمام بالقضايا الرئيسية للبلد وزيارة السجن في هذه الظروف ليست بالملائمة. كما اصدر امرا بحل حزبين اصلاحيين لتورطهما باثارة الشغب على حد تعبيره, وبغض النظر عن هذه الاجراءات وصحتها الا انها تدل على الدور الفاعل للمدعي العام في ايران. وكذلك توليه لمهمة التحقيق مع 22 موظفا كبيرا في بنك ملي ايران بينهم محافظ البنك محمود رضا خاوري وذلك لاتهامهم بتسهيل الحصول على الاموال لرجال اعمال مثل امير منصور خسروي الذي قام بتزوير خطابات ضمان بمساعدة ميري البنوك , والكثير من القضايا الاخرى التي تخص المال العام.
وفي الكويت قام النائب العام ضرار المسعودي في شهر شباط الماضي بترأس هيئة قضائية خاصة للتحقيق في اتهامات حول قيام رئيس الوزراء السابق بتحويلات مالية ضخمة مقترضة الى حسابات في الخارج , وكذلك استجواب اعضاء سابقين في البرلمان بشأن مزاعم فساد ساعدت في اثارة اسوء ازمة سياسية تشهدها الدولة.
وهناك العديد من الامثلة في الاردن وسوريا ومصر وباقي الدول العربية, اما في الدول الغربية فدور المدعي العام اكبر واكثر استقلالية .
وبعد ان تخلص العراق من نظام الدولة العسكرية في الحقبة الماضية , يمر اليوم بمرحلة بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة ( حسب ادعاء رعاة العملية السياسية) الا انها مرحلة مليئة بالاخطاء والتشوهات بسبب المحاصصة السياسية والطائفية ومحاولة سيطرة الاحزاب الحاكمة وهيمنتها على جميع السلطات ومقدرات الدولة , وهنا يأتي دور السلطة القضائية والمدعي العام الذي يجب ان يتمتع بحيادية واستقلالية ويؤدي دوره على اكمل وجه, الا اننا ومع الاسف لم نسمع او نشاهد له اي دور يذكر لانه خاضع لاهواء السلطة التنفيذية وحزبها الحاكم. فأين المدعي العام من قضايا الفساد الاداري والمالي الكبيرة التي هدرت بها اموال الدولة ؟ واين المدعي العام من قضايا التصفيات السياسية والاتهامات الملفقة؟ اين المدعي العام من عمليات القتل المنظم على ايدي العصابات والمليشيات الحكومية ؟ اين المدعي العام من قضايا تهريب النفط الخام من قبل الاحزاب الحاكمة ؟ اين المدعي العام من قضايا فساد رجال الاعمال وتقديمهم الرشاوي لرجال السلطة؟ اين المدعي العام من جرائم الاجهزة المخابراتية السرية القمعية وعمليات تمويلها اللامشروعة؟ اين المدعي العام من تبني الحكومة و حزب الدعوة الحاكم لعصابات ومليشيات كانت تصفها بالارهابية والخارجة عن القانون؟ اين المدعي العام من حالات الاثراء الفاحش على حساب المال العام؟ اين المدعي العام من استغلال المنصب الوظيفي؟ اين المدعي العام من الفشل الحكومي في تقديم الخدمات رغم هدر وليس صرف عشرات المليارات من الدولارات على الكهرباء والماء والمجاري وغيرها من الخدمات؟ اين المدعي العام من تورط رجال اعمال كبارمن امثال عبدالله عويز الجبوري وعصام الاسدي وغيرهم تابعين لحزب الدعوة الحاكم في تمويل عمليات اغتيال وتصفيات سياسية لصالح رئيس الوزراء؟ اين المدعي العام من عمليات غسيل الاموال وتهريبها التي يقوم بها اشخاص متنفذون بالدولة وبمساعدة شركات ومصارف ورجال اعمال معروفين؟؟
هذه دعوة الى القضاة والمدعين العامين العاملين في مجلس القضاء الاعلى بأن يتحرروا من هيمنة حزب الدعوة وزعيمه المالكي بعد ان اصبح رئيس المجلس مدحت المحمود شرطي صغير ينفذ اجندات رئيس الوزراء التسلطية, وان يؤدوا دورهم الذي اتمنهم الناس عليه واقسموا امام الله بان يؤدوه بكل امانة وصدق بعيدا عن الاهواء , والله محاسبهم يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم.