عرضت مؤسسة مدارك لدراسة آليات الرقي الفكري، في مؤتمر اقيم على قاعة المركز الثقافي النفطي في بغداد يوم الخميس الماضي ( 7/3/2013 )، بحضور عدد من المختصين والمهتمين والإعلاميين، دراستها حول اوضاع المهجرين وحقوقهم. اعتمدت الدراسة بشكل اساسي على معطيات استقتها من استطلاع رأي، شمل عينة بلغت 1000 عائلة من اربع محافظات، ذاقت مرارات التهجير الداخلي على اثر الصراع الطائفي، هي بغداد، ديالى، الأنبار، نينوى. وكشف الاستطلاع عن معلومات ميدانية في غاية الأهمية، استنتج من خلالها الباحثون نتائج كثيرة، لا يتسع المجال هنا لذكرها، ويتطلب من المختصين في علوم الاجتماع والنفس والسياسة دراستها ووضع تصورات لشفاء المجتمع منها. لكن استنتاجاً واحداً شغل بالي كثيرا، لخطورته المرعبة، ما يتطلب التوقف عنده على وجه السرعة، وهو دور الجار في تهجير جاره.
فهناك نسبة غير قليلة من مجتمع العينة اجاب بان سبب التهجير كان وشاية من جاره. وقد حزنت حينما اشار الباحث الى ذلك، مذكرا بأمثال وحكم طالما رددها اهلنا الطيبون على مسامعنا، مثل " الجار قبل الدار"، و"جارك ثم جارك ثم جارك ثم اخاك"، وان "الله اوصى بسابع جار." ويبدو ان الصراع الطائفي اتى على هذه من قيم المجتمع وأسهم في انتهاكها!
بغض النظر عن سعة العينة وعدد المستطلعين وما تشكله نسبة مصداقية مجتمع العينة موضوع البحث، فقد بيّن هذا الاستنتاج الى جانب امور أخرى، عمق الجرح الذي ولده الصراع الطائفي في مجتمعنا العراقي، وآثار فعله المشين في تفكيك النسيج الاجتماعي وتهديدهم الأمن الاجتماعي. ويبدو ان فرسان الصراع الطائفي لم يعيروا اهتماما الى تداعيات ذلك، ومخلفاته المريرة على المجتمع، فهاهم سائرون قدماً في تأجيج المشاعر الطائفية، واثارة المخاوف، وبث الكراهية.
عندما تأملت مليا في هذا الاستنتاج فكرت بصعوبة مهمة القوى التي تعتمد المشروع الوطني الديمقراطي الذي هو نقيض المشروع الطائفي. والصعوبة لا تكمن فقط في طبيعة اطراف الصراع الطائفي، وامتلاكهم للسلطة، وما يمنحه لهم ذلك من امكانيات في التأثير على مجرى الصراع، وإكسابه طابع الديمومة. نعم لا ينحصر تأثير ذلك في بث المخاوف وإثارة الكراهية وحسب، بل يمتد الى الضغط الهائل الذي يمارسونه على القوى المدنية الديمقراطية بهدف التأثير على مواقفها المستقلة، الرافضة للصراع الطائفي. هذه القوى التي لا تنظر للصراع من وجهة نظر طائفية، بل انها ترى ان الطائفيين بجميع ألوانهم وبمختلف اتجاهاتهم، انما يلجأون الى اصطناع الصراع الطائفي بهدف حرف انتباه المواطنين عن وجه الصراع الحقيقي، عن كونهم يتقاتلون من اجل مصالحهم الانانية الضيقة.
ان محور صراع المتنفذين ليس شعائر هذه الطائفة او تلك، فلا قيود على ممارسة الطقوس والشعائر الدينية، وهي تمارس دون مضايقة من احد، انما صراعهم يدور، في الواقع العملي، على السلطة والمال والنفوذ.
ويبقى رهان القوى الديمقراطية وسعيها لتوجيه الصراع نحو تحسين الاوضاع المعيشية والخدمية للمواطنين، ومحاربة الفساد، والوقوف بحزم في وجه الفاسدين، ومن اجل الاعمار والبناء وترسيخ الامن في عراق مدني ديمقراطي يتسع للجميع.
مقالات اخرى للكاتب