العراق تايمز: د. فوزي العلي
يجري مسلسل الاحداث في العراق بخطى متسارعة، وتتطور الازمات الامنية بمرور الايام للتحول من اغتيالات وتفجيرات الى سقوط المدن والمحافظات العراقية بايدي الارهابيين والجماعات المسلحة بمختلف اصنافها ومسمياتها.
الحكومة العراقية التي يرعاها الاحتلال الثلاثي (البريطاني الامريكي الايراني) بقيادة زعيم حزب الدعوة نوري المالكي عاجزة عن تدارك الاوضاع الامنية المتأزمة، فمن فشل الى فشل اكبر واخطر منه، رغم ان الملف الامني يكبد العراق اكثر من ٢٠ بالمائة من موازنته العامة، يضيع نصفه في ملفات يحيطها الفساد من كل جانب.
استأثر المالكي بجميع المناصب الامنية في ولايته الثانية، فهو رئيس الوزراء، وهو القائد العام للقوات المسلحة، وهو وزير الدفاع، وهو وزير الداخلية، وهو مدير الاستخبارات والمخابرات، وهو رئيس مجلس الامن الوطني، فهو لم يرتضي تسمية اي شخصية لشغل هذه المناصب، فهو وقياداته الامنية (والتي غالبيتها من البعثيين الذين استثناهم من الاجتثاث) يتحملون هذا الفشل والانهيار الامني، يتحملون وزر اهدار دماء الاف الضحايا من الابرياء الذين يسقطون شهريا، وجيش من اليتامي والارامل والمعاقين، والذين تتكفل الامم المتحدة ومؤسسات حكومية وغير حكومية باحصائهم فقط دون تقديم المساعدة اللازمة او ايجاد حل لوقف نزيف الدم هذا.
بعد احتلال الموصل من قبل ما يسمى بـ "داعش" وفصائل ارهابية مسلحة اخرى وهروب جميع القيادات الامنية، ادار المالكي وجهه باتجاه البيت الابيض ليستجدي منهم التدخل العسكري لانقاذه مما هو فيه ولحفظ ماء وجهه الذي اريق ولم يبقى منه شيئا بسبب الفشل بجميع الملفات "السياسية والاقتصادية والخدمية والامنية".
طلب المساعدة من امريكا امر لم ينفيه وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري عندما سألته "الشرق الاوسط" عن ذلك، حيث قال "التعاون الأمني الأميركي موجود بالفعل، وخاصة في تقديم الذخيرة والسلاح ومكافحة الإرهاب والتدريب. وعلى أي حال، العراق طلب مساعدة كل الدول الصديقة والعربية ودول مهتمة بالوضع الأمني واستقرار العراق وليس امريكا فقط"، معترفا في الوقت ذاته "بوجود تنسيق عسكري وأمني وتعاون مع الولايات المتحدة على المستوى الاستخباراتي واللوجيستي والتدريب والتسليح وهو مطبق على الأرض بالفعل".
وجاء الرد الامريكي على طلب المالكي بتدخلها العسكري، على لسان الرئيس اوباما والذي مثل صفعة قوية واهانة عالية المستوى للمالكي وحكومته وقياداته الامنية، حيث قال الرئيس اوباما في بيان القاه، امس الجمعة، بالحديقة الجنوبية بالبيت الأبيض حول الوضع في العراق، "إن "الولايات المتحدة الاميركية لم ترسل اي قوات للقتال في العراق"، مشيراً الى أنه "طلب من الامن القومي الاميركي اعداد مجموعة من الخيارات وسأراجع هذه الخيارات في الايام المقبلة".
وأضاف اوباما أن "هذا جرس انذار وان على القادة ان يبرهنوا حلول توافقية للم شمل البلاد"، مشدداً على أن "التدخل العسكري في ظل غياب الحلول التوافقية لن يؤدي الى الاستقرار وحل المشاكل".
وتابع الرئيس الاميركي "اريد ان يفهم الجميع باننا لن نتورط بأي عمل عسكري في غياب خطة سياسية تعطينا تطمينات".
وأشار اوباما الى أن "قواتنا اعطت تضحيات كبيرة لاستعادة العراقيين مستقبلهم، لكن القادة لم يتمكنوا من التغلب على خلافاتهم الطائفية"، مؤكداً بالقول "لا نقوم باي عمل نيابة عن العراقيين".
هذا الخطاب عده مراقبون للشأن العراقي، بمثابة صفعة قوية للسياسيين العراقيين على رأسهم المالكي وحكومته، وهو يمثل بداية تحول جديد بالمواقف الامريكية والبريطانية تجاه الاوضاع في العراق وضرورة اجراء تغيير جوهري في الحكومة المقبلة ممثلا بتغيير المالكي بشخصية تكون اكثر مقبولية لدى اغلب الجهات السياسية.
هذا الامر لم يخفيه وزير الخارجية الامريكي جون كيري الذي قال ان الاوضاع الامنية المتأزمة في العراق هو بسبب سياسة المالكي الفاشلة في ادارة الملفات ، حيث عزى السبب الى السياسة الطائفية التي ينتهجها رئيس الوزراء في ادارة جميع الملفات السياسية والامنية.
لم يكتفي الرئيس الامريكي بتوجيه هذه الصفعات للمالكي ، وانما زاد عليه برد قاسي على ملف يبدوا ان المالكي حاول ان يساوم عليه الدول المتحكمة بالعراق، وهو ملف "النفط والاسعار العالمية" التي قد تتاثر بسيطرة المجاميع المسلحة على مكامن النفط العراقي. فرغم ان اوباما لم يخفي قلقه من احتمالية سيطرة الجماعات المسلحة على النفط العراقي و إنه "لو تمكنت داعش من السيطرة على مصافي هامة للنفط فان ذلك سيشكل قلقاً في سوق النفط وقد يحدث زعزعة في الشرق الاوسط. الا انه استدرك قائلا "لو حصلت انقطاعات فان بعض دول الخليج ستتمكن من سد ذلك"، في اشارة الى انه لا توجد لدينا مشكلة في توقف النفط العراقي ، وعلى سياسيي العراق حل ازماتهم بانفسهم.
واختتم الرئيس الامريكي بيانه في تذكير المالكي وحكومته بان "واشنطن صبت الكثير من الاموال في القوات الامنية العراقية، وغير مستعدة للوقوف والقتال ضد ارهابيين اشداء .لكن اعدادهم ليست كثيرة مما يدل على ان هناك مشكلة في المعنويات.
من جانبها اعلنت ايران على لسان احد مسؤوليها الكبار عن استعدادها للتعاون مع واشنطن في مساعدة بغداد على التصدي للارهاب، وافادت تقارير ان طهران قد اتفقت مع واشنطن ولندن حول تسوية الامور في العراق، وانه سيتم ايكال الملف العراقي من جانبها الى حزب الله لبنان باشراف قائد فيلق القدس الايراني قاسم سليماني، على ان يتم تشكيل حكومة عراقية جديدة باسرع وقت ممكن يكون فيها الدكتور احمد الجلبي رئيسا للوزراء بعد ان تم رفض التجديد للمالكي لولاية ثالثة.
وتجدر الاشارة الى، ان الفرقة الثانية والثالثة للجيش العراقي المتواجدة في الموصل، بالاضافة الى فرقة من الشرطة الاتحادية، ولوائين من حرس الحدود وعدد كبير من الشرطة المحلية وجهاز مكافحة الارهاب يبلغ عددهم جميعا اكثر من ٨٠ الف عنصر امني، قد انهزموا وتركوا جميع اسلحتهم ومعداتهم العسكرية امام ١٥٠٠ مسلح من ما يعرف بداعش.