كثيرا ما استمعنا الى السيد نوري المالكي وهو يشتكي من تعطيل البرلمان لعمل حكومته لانه يخصص له أموالا قليلة , ولطالما سمعناه يوجه اتهامات قاسية لكتل برلمانية محددة لانها تربك عمل حكومته من خلال إصرارها على تقليص الموازنة المالية .
وفي زمن اختلط الأبيض فيه الأسود , وكانت الغلبة دوما لمن يملك أعلاما أكثر , ولمن يتحكم بالموارد التي توصل المعلومة الى الجمهور , وفي وقت ظلت طيبة شعبنا تستصعب ان يقدم الحاكم معلومات مظللة , بل ظل حسن الظن الذي يلتزم به شعبنا الكريم , والطيبة التي يتسم بها في تقبل المعلومة , وفي وقت ظلت الرغبة في تهمة الأخر في تحمل المشاكل وعدم توجيه النقد للذات والنأي بها عن المسؤولية والعيش في ظل عقلية المؤامرة والتأمر التي يلتزم بها الحكام لتصوير المشاكل التي تنجم عن حكمهم , فهم دائما مظلومون وهناك دائما من يظلمهم !!
في مثل هذا الوقت والذي يرتفع به الضجيج الانتخابي وتختلط الأمور حتى يكاد المرء لا يبصر اي المتكلمين يتكلم بحق , خاصة وان البعض يغلف نفسه بالغلاف الديني , نجد من واجبنا ان نضع الحقيقة كاملة أمام جمهورنا الكريم , كي لا تمر عليه الخديعة الكبرى التي مررت عليه في انتخابات مجالس المحافظات , علما ان كل ما نذكره موثق بشكل رسمي .
في البداية نشير ان مجلس النواب قد اقر الموازنات التالية في الأعوام 2006-2009 وهي مجموع الفترة التي حكم بها السيد المالكي :
1- في عام 2006 صوت المجلس على موازنة مقدارها 50 تريليون و900 مليار دينار عراقي , مع العلم ان التريليون يساوي ألف مليار, والمليار يساوي ألف مليون .
2- في عام 2007 صوت المجلس على موازنة (51,7) تريليون دينار .
3- في عام 2008 صوت المجلس على مبلغ أجمالي مع التكميلية مقداره (86,6) تريليون دينار .
4- في عام 2009 صوت المجلس على موازنة قدرها (69,1) تريليون , عدا ما أتاح المجلس للحكومة من الاقتراض بنظام سندات الخزينة .
أي بما مجموعة للسنوات الأربعة (258,3) تريليون دينار .
ولو استقطعنا من كل المبالغ المصاريف التي لا علاقة لها بحكومة السيد المالكي وهو مبالغ اقليم كردستان ورئاسة الجمهورية ومجلس القضاء الأعلى ومجلس النواب وغيرها من الدوائر غير المرتبطة بالحكومة , فان مجموع المنتقي هو ما يقرب من (228) تريليون دينار اي بما يزيد على 194,8 مليار دولار .
وهذا المبلغ لو قسناه بالكثير من موازنات الدول خاصة دول المنطقة ماعدا بعض دول الخليج , فانه يبقى مبلغا خياليا جدا , وهو قطعا لم يعط لاي حكومة سابقة من حكومات العراق , وهنا يشعر مجلس النواب انه ادى مسؤوليته بشكل كبير ووفق الإمكانات المتاحة تجاه قاعدته الشعبية , اذ ان مجلس النواب ليس كما يتوهم الكثير من الناس مسئولا تنفيذيا عن الخدمات التي تعطى للمواطن , كما كان يحاول الإعلام الحكومي ان يزرع ذلك في عقول المواطنين منذ اكثر من 3 سنوات مضت وبشكل متعمد , فهذه المسؤوليات كلها مسؤوليات الوزراء والمحافظين وفي مقدمة الجميع رئيس الوزراء , اما مجلس النواب فواحدة من مسؤولياته الأساسية والكبرى هو اقرار الموازنة المالية العامة بعد ان تأتيه من رئاسة الوزراء , وتوفير صلاحية أنفاق المال من الموارد الحكومية المتجمعة لدى وزارة المالية , ثم مراقبة عمل الحكومة في أعمالها , وهذا هو الذي أداه طوال هذه الفترة .
ولو حللنا هذه المبالغ فسنجد وفقا لقوانين الموازنة الاتحادية ان المحافظات كلها فيما عدا محافظات كردستان قد خصصت لها مبالغ بمقدار (16,9) تريليون لم يطلق منها مبلغ ( 5 تريليون دينارا) فقط في عام 2008, وكل هذه الأموال كانت بيد السيد المالكي قبل ان يسلم قسم منها الى مجالس المحافظات .
اما بقية المبالغ فهي كالتالي :
قطاع الكهرباء والنفط فقد خصص لهما ما يقرب من (24,98) تريليون ديناراً له من أموال الموازنات الأربع !
قطاع الأمن ( اي وزارة الدفاع والداخلية والأمن الوطني والمخابرات ومكتب القائد العام للقوات المسلحة ) فقط تم تخصيص مبلغ (42,7) تريليون دينار له !.
قطاع وزارة التربية فقد خصص لها مبلغ (11,3) تريليون دينار له .
البطاقة التموينية وقد خصص لها مبلغ (22,1) تريليون دينار فقط .
قطاع التعليم العالي خصص له مبلغ (5,4) تريليونا دينارا فقط .
قطاع الصحة خصص له مبلغ مقداره (10,7) تريليون دينار .
قطاع البلديات ( وزارة البلديات ) فقد خصص له مبلغ (3,2) تريليون دينار .
وهكذا بقية القطاعات الخدمية والعامة .
ونحن نتساءل : هل كانت هذه المبالغ قليلة لكي يشكو السيد المالكي وباستمرار من تأمر مجلس النواب عليه ؟! او اتهامه لبعض النواب الذين استمروا ينادون بتحسين أداء الحكومة في خدماتها المقدمة للمواطنين بأنهم قذرون وأنهم عملاء لأجندات أجنبية !!
ونحن نعلم ان بعض هؤلاء النواب كانوا من المعروفين بشدة صرامتهم في المطالبة بحقوق المواطنين , ولم يستسلموا رغم شن حملات دعائية شعواء عليهم , بل لم يأبهوا بها أصلا , وظلوا يطالبون الحكومة بان تبذل عنايتها بالمواطنين , وهم يتحدثون كانهم في اول أيامهم في البرلمان .
وهل يا ترى ان هذه المبالغ لم تك لتكفي ما يمكنه تحسين أوضاع الكهرباء او الصحة او البطاقة التموينية او النفط او الأمن او التعليم او قطاع شبكة الحماية الاجتماعية او التربية او تحقيق فرص عمل اكثر للعراقيين ؟
وكم هو مبلغ المنح الدولية التي دخلت في مجال مساعدة المؤسسات الحكومية لتكون أموالا رديفة للموازنات المذكورة سلفا ؟ والذي يجب ان تضاف لها .
يمكن للمواطن ان يسمع من السياسيين الكثير من التصريحات التي يشرق بعضها ويغرب بعضها الأخر ولكنه معني اليوم في ان يدقق اي السياسيين يقدم معلومات مضللة وايهم يتحدث بصدق ومرارة عن الأم المواطن ومعاناته , بالرغم من ان الجميع يحاول ان يتحدث باسمه عن تلك المعاناة والحرمان !!! فللأسف الشديد بات الكذب سلعة رخيصة يتشدق بها بعض السياسيين وتردده من بعده قنوات التملق الحكومي بلا اي احترام للحقيقة , وبأدنى قدر من المسؤولية .
ونحن نقدم دليلا مرشدا لكي يستطيع المواطن ان يكون دقيقا في أحكامه , وذلك من خلال مطابقة الواقع مع هذه الأرقام , ومايؤلم جدا ان المواطن لو دقق هذه الأرقام بما حصل عليه في الواقع فانه لن يجد الا حقيقة مؤلمة واحدة , وهي ان هذا المال العظيم لم يدخل في عالم خدماته الا بمقدار ضئيل جدا .
فحينما يعلم المواطن ان اكثر من 21 مليار دولار قد تم تخصيصه خلال السنوات الأربعة لوزارة النفط ( الدكتور حسين الشهرستاني ) , ووزارة الكهرباء ( الدكتور كريم وحيد ) , ولم يتمكن الوزير الشهرستاني ان يحفر بئرا واحدا جديدا للعراق , بل تمكنت وزارته التي ظلت أمثولة في ابشع فساد شهده القطاع النفطي ان تطمر اكثر من 380 بئرا لغاية 2008 وحينما يعلم المواطن ان الوزارة لم تشيد اي مشروع استراتيجي , او نصف استراتيجي , فمن حق المواطن ان يتسأل اين المال الذي تم أنفاقه على وزارة النفط ؟
نعم الوزارة قالت بدأنا بمشاريع , ولكن غالبيتها كانت حبرا على ورق , او انها كانت من مشاريع الاستثمار وليس من المال الحكومي , اذا اين ذهبت الاموال ؟
اما الكهرباء التي حولت العراق الى اضحوكة العالم لعد وجود دولة انفقت على الكهرباء كل هذه المبالغ ولم يتمكن مواطنها ان يتنعم بنعمة الكهرباء في الصيف اللاهب او في الشتاء القارس لساعات قليلة , بل كانت برمتها قصة مترامية الاطراف عن الفساد المستشري في كل اروقة صرف المال الذي استلمه الوزير وحيد , ويكفي المواطن ان يحس بحجم الغصة حينما يعرف ان كل ميغا واط من الكهرباء في السوق العالمية تبلغ (850 الف دولار ) منصوبة وجاهزة , مما يعطي المواطن الحق في ان يتسأل اين الاحد عشر مليار دولار التي سلمت من البرلمان للحكومة ومنها للوزير , فعلى الاقل كان يمكن ان يتنعم بما لايقل عن 8000 ميغا واط , والحقيقة المرة التي يتعامل معها المواطن هي ان مجموع ما تم انجازه في وزارته هي ما لا يزيد على 650 ميغا واط فقط , وقسم منه استثمار اي لاعلاقة له باموال الحكومة , ولهذا فمن الطبيعي ان نعود مع المواطن لنسأل اين ذهبت الاموال ؟
واين هي الكهرباء ؟
وتعالو لكي نتساءل عن ذلك ... حينما يهجم علينا الحر في الصيف اللاهب ؟؟ ماذا سنحصل يا ترى ؟ هل حصلنا سابقا على اكثر من وعود و عهود لم تعطينا اية قدرة على التصديق ؟
اما في قطاع البطاقة التموينية فالامر يحكي فسادا مريعا , ومؤلما لا يكشفه ما جرى من فضائح وزير التجارة السابق فقط , كما كشف في البرلمان هو جانب محدود جدا منها , فهناك ماهو ادهى وأمر !! فمجلس النواب اعطى لوزارة التجارة خلال هذه الفترة ( اي سنوات حكومة المالكي ) ما يقرب من 19 مليار دولار على اساس ان يتمكن المواطن من استلام 12 مادة من مواد البطاقة التموينية في كل شهر , وهذه المواد هي : الطحين , الرز , الصابون , الشاي , العدس , الدهن , الزيت , السكر , الحليب , مسحوق الغسيل ( تايد ) , الفاصوليا , الحمص ...
ولكن ياترى ماذا يستلم المواطن ؟
وماذا استلم خلال هذه الفترة ؟
نعتقد ان المواطن حينما يقرا ذلك سيضحك بتهكم والم كبيرين , فهو يعرف ان الحصة التموينية لو وصلت , فهي في احسن حالاتها لن تتجاوز 4 او 5 مواد , هذا ان وصلت !! اما البقية فهو حديث خرافة يا ام عمرو !! والتي تصل فهي غالبا ما تكون من اسوأ النوعيات , وقصص الشاي الفاسد , والزيت المنتهي مدته , والحليب الاكسبايرد وامثال ذلك الكثير من القصص الواقعية الفتها غالبية البيوت واعتادت عليها .
والانكى والادهى والامر ان السيد المالكي يعلم ان وزارة التجارة في عام 2009 لم تمول البطاقة التموينية من اموال مجلس النواب , وانما مولتها باموال التجار العراقيين وغيرهم , وهي لحد الشهر العاشر من العام الماضي كانت مطلوبة مليار و300 مليون دولار لهؤلاء التجار بعد ان حبست اموالهم لمدة سنة كاملة وبعضهم اكثر من ذلك , ول كان تعرف ان مجلس النواب ووزارة المالية سلمت وزارة التجارة هذه الاموال بشكل كامل , فاين ذهبت الاموال ايها السادة ؟؟
ولماذا كلما رفع احد من النواب عقيرته على مثل هذه الامور ارتفعت اصوات التخوين له والصقت به صفات التامر والعمالة ؟
ولماذا دوما هناك تهم جاهزة اعلاميا وسياسيا لكل من يتكلم عن امور الفساد في الحكومة مع انها ابين من الشمس ؟
ولقد خصص البرلمان عبر السنوات الاربعة مبلغ (11,3 ) تريليون دينارا لقطاع التربية , اي مايقرب من (9,5 ) مليار دولار , ويفترض بمثل هذا المبلغ ان يكون كافيا ليغطي مساحة كبيرة من مدارسنا ومناهج التعليم لدينا ويتنعم ابنائنا بمدارس فارهة ومقاعد مريحة وكتب ووسائل تعليمية جميلة الاخراج , عالية المضمون , ولكن ماذا حصل بالواقع ؟
لو حذفنا المدارس التي بنتها مجالس المحافظات , ولو حذفنا اموال المساعدات الدولية لوزارة التربية , فان من اهم وقائع التربية في عهد السيد خضير الخزاعي انها لم تستطع ان تبني اكثر من 26 مدرسة فقط , نعم اصلحت بعض المدارس ورممت اخرى , ولكن كمدرسة صممت وبنيت واثثت كاملة من قبل الوزارة , فهذا لم تفلح الوزارة في تحقيقه الا بنحو ذلك العدد الضئيل , فها هو الواقع يكشف ان النسبة متدنية بشكل مريع جدا , وجميع العوائل يعرفون ان امكانات الرفاه البسيط في الغالبية العظمة من مدارس العراق لاوجود لها , ولو تحدثنا عن المرافق الصحية للطلاب وطبيعة الصفوف وامكانات التدفئة والتبريد ومستوى المعلمين ومدى العناية بالطالب وهي احاديث مهمة للغاية في كل قطاعات التربية في العالم .
الا اننا متاكدون من ان الغالبية العظمى من عوائلنا سيعتبرون هذا حديثا مترفا , بل ربما بعضهم سيستغرب ان يكون في المدرسة مرافق صحية او ستائر او وسائل تدفئة وتبريد مهما كانت بسيطة , لانهم اعتادوا على ان تكون المدرسة بلا مرافق صحية لاولادهم , ولو كان ثمة شئ من هذا القبيل , فهي بلا ماء وبلا كهرباء , ولا يسالن احدا عن التبريد والتدفئة لفلذات اكبادهم وهم يرتادون مدارسهم , فهذه الاسئلة العبثية لاجدوى من طرحها , رغم انها حقهم البسيط والبسيط جدا على الحكومة , وها هي عقدة العوائل اليوم مع اولادها فهي اما ان يكون لديها مال لكي تؤمن المدرسين الخصوصيين بأسعارهم الباهضة , واما ان تضطر لكي يكون تعليم اولادهم بمستوى هابط جدا هذا , وان وزارة التربية لم تضع ازاء تلك الظواهر , كعدم مبالاة المعلمين بحجة هبوط المستوى التعليمي العام , ولم يبذلوا جهدا كافيا بغية الرجوع اليهم في الدروس الخصوصية , كما لم تول الوزارة اهتماما حقيقا في تطوير الكفاءات التربوية , فظلت مستويات الكثير من المعلمين منغلقة بحدود المناهج التي يتولون تعليمها بل واقل من ذلك .. وما زالت اجور المعلمين غير مجزية بما يليق مع رسالتهم الكبيرة , والانكى من كل ذلك الاجراءات الجائرة التي اخذتها وزارة التربية تجاه المعلمين الذين تم تنسيبهم لمناطق بعيدة عن سكانهم , فهؤلاء حرمتهم الوزارة من مخصصات النقل ولم توفر لهم وسائل نقل وتجبرهم على تحمل هذه المصاريف , وقد يصل في بعض الاحيان معدل مايصرفه المعلمون على ذلك مايوازي رواتبهم , وفي كل الاحوال يأكل من رواتبهم مقدارا كبيرا ويظل هؤلاء المساكين يعانون بقية ايام الشهر .
اما حديث المناهج التدريسية , فحدث ولا حرج فما زالت لا تدرس بشكل علمي , وبصورة متكاملة .. وقد تجد في بعض المحافظات لا تتورع من توزيع بعض نسخ الكتاب في طبعات سابقة ما زالت تحمل صور الطاغية صدام , وافكاره المبثوثة هنا او هناك , فدروس التاريخ و التربية الاسلامية لم تنق من الخطاء التاريخية , ولم يحذف منها ما يذكي الروح الطائفية فمواضيع كالصلاة وكيفية الوضوء مازالت هي هي لم يراع فيها خصوصيات كثيرة .. وبقي منحازا لفئة دون الاخرى .
والعجيب ان هذه الاسئلة كل ما طرحت على السيد الوزير يرفع عقيرته بشعار امامك : اعطني مالا اعطاك مدارساً !! ولكن الشيء الوحيد الذي اتقنه السيد الوزير وهو الذي يحسن القاء المحاضرات التي تدعو للكفاءة والمواطنة انه ملء الوزارة بمدراء عامين من حزبه تحديداً , وهو اكفأ الوزراء قاطبة في هذا المجال , وغالبية التوظيفات كانت مشروطة برضى الحزب , والا فعليك الانتظار في الصف ليأتي دورك الذي لن يأتي اطلاقا ما لم يتحرك المال الذي في جيب المواطن لكي ينفق على الموظف الفاسد , وهذا لمسؤولة الفاسد لكي يتم ترويج معاملة ما !!
اما قطاع التعليم العالي , فلقد خصص له مبلغ (5,4) تريليون ديناراً , اي مايقرب من (4,6) مليار دولاراً , ماعدا بعض الاعانات التي تلقتها الجامعات من بعض مجالس المحافظات في الدورات السابقة , الا اننا لا نجد تغيرا ملموسا وجادا , ولا زال الواقع يتردى في قطاع التعليم بشكل مؤلم جداً , فالعراق مهد الحضارات , يعاني غالبية طلابه من عدم وجود اماكن دراسية لهم , ولو وجدوها وتخلصوا من الواقع الطائفي الذي هيمن على الوزارة وشعبها , فلن يجدوا اماكن لهم في الاقسام الداخلية في الجامعات , ولو وجدوها فانهم سيحظون بادرا الخدمات وبعضها لا يليق بمستوى طالب في افقر البلدان , فما بالك ببلد غني كالعراق !!
اما الحديث عن القطاع الامني , فلو تجاوزنا مسألة الخرق الدستوري الهائل الذي ارتكبته حكومة الاستاذ المالكي بارجاعها للقيادات البعثية والاجهزة القمعية السابقة لتتحمل مسؤولية الامن وهو محرم دستورا وقانونا , ومع ثنائنا على اجواء التحسن الامني والتي ما كانت لتكون لولا تعاون القوى السياسية والمواطنين مع الاجهزة الامنية , فلنا ان نتحدث عن الفساد المالي والاداري الذي اشتملت عليه هذه الوزارات , ولو قدر للمواطن ان يلاحظ فضيحة اجهزة كشف المتفجرات التي مولت من دماء المواطنين لكي تحفظ هذه الدماء وتصونها , لا لكي تكون صماء خرساء امام مجازر الاربعاء والاحد والثلاثاء والاثنين الدامية , فان ما لم يره المواطن ويعلم به العديد من المسؤولين مقرف جدا , ومن الحق ان يوضع امام المواطنين صورا بسيطة عما يجري وعليه يتساءل عن السبب , فلقد تم اكتشاف فضيحة ان وكيل وزير الداخلية كانت شهادته مزورة , وقد كان السيد المالكي قد رقع درجة الوكيل عدنان الاسدي ( وهو من حزب المالكي ومرشح قائمته في السماوة ) الى درجة فريق ! , والسيد الاسدي يتحمل مسؤولية المال والادارة في الوزارة , ونقول: بعد اكتشاف هذه الفضيحة وبغية التستر عليها , قدم الوكيل استقالته في مطلع الشهر الثاني من هذا العام , ولكن لماذا تم احراق مكتبه في الوزارة في نفس الوقت ؟ على ماذا كان يتستر من احرق هذا المكتب ؟
ولو وصلنا الى الوزير البولاني فحدث ولا حرج , ويكفيه انه كان قد خالف عهده امام البرلمان في ان يكون مستقلاً , واذا به رئيسا لحزب ابلغ به السيد المالكي قبل انتخابات مجالس المحافظات ب8 اشهر ولكنه لم يتخذ اجراء يذكر , وهاهي سيارات الوزارة تستغل لخرق قانون الانتخابات عيانا جهارا دون ان يحرك احدا ساكنا , ومثله سيارات وزارة الدفاع , فسيارات الشرطة تمارس نشاطا انتخابيا لوزير الخارجية , وسيارات الدفاع وبعض ضباطها يمارسون نشاطا انتخابيا لقائمة ائتلاف دولة القانون ولوزيرهم عضو القائمة المذكورة , اما التلاعب بالتعيينات فحدث ولا حرج !!
وقس نفس الامور على قطاعات الصحة والاسكان والشؤون الاجتماعية والبلديات والرياضة والمهجرين , وماعدا الشعارات الفضفاضة والكلمات الطنانة لم يحصل المواطن على ما يستحقه من هذه الاموال .
ولا نريد ان نسهب بالحديث عن بقية القطاعات , كما لانريد ان ننسى او نتناسى التراكمات الهائلة من الخراب الذي اوجدته السياسات الظالمة في عهد هدام , ولكن من غير الصحيح ان نكتفي بتعليق الامور على هذه الشماعة , فارقام مالية هائلة قد خصصت لكي تنفق على قطاعات خدمية اساسية , ونحن لا نلاحظ اثارها في واقعنا العملي , فلا الماء و لا الكهرباء ولا البناء ولا الاعمار و لا الواقع الصحي ولا التربية والتعليم لها وقعها الجاد في عمليات الانفاق الحكومي .
ان كل هذا لا يعني بالضرورة ان نفس الوزراء فاسدون , او ان السيد رئيس الوزراء فاسد فحشاهم وعلمهم عند الله , ولكن ما نحن متأكدون منه ونعتقد ان المواطن نفسه متأكد ايضا هو امران :
اولهما : لم تتخذ حكومة السيد المالكي اية اجراءات جادة لمنع الفساد , بل لدينا شواهد كثيرة بانها ضغطت على مفوضية النزاهة لكي تخفي بعض الملفات , ويكفي النظر الى ملف وزير التجارة او ملف الطائرات الكندية المرتبطة مباشرة بمكتب السيد رئيس الوزراء , او ملف وزارة الكهرباء والفساد الاداري والمالي لوزير الكهرباء ووكيله رعد الحارس وفضيحة الكومبيوترات في وزارة التربية والعشرات من القضايا التي لا يمكن ذكرها في هذا الحيز , لكي يتم التعرف على المواقف الهزيلة واللامبالية بما جرى من فساد في هذه القطاعات .
ثانيهما : انها اساءت التصرف بالمال العام , ولم تتمكن من الوصول الى ارقام ترى بالعين المجردة للتقدم في ملفات الخدمات المطلوبة للمواطنين , ولو كانت ارقام الخدمات معروفة للجميع , فلربما نجد ان من ابسط الشواهد ما نراه اليوم من استفادة هائلة من المال العام المصروف على العملية الانتخابية الخاصة بوزراء الحكومة وقائمة الحكومة , ويكفي للمواطن ان يتسأل لماذا تسمى اموال الحكومة مكرمة فلانا او فلانا من المسؤولين ؟ اهي اموالهم حتى تسمى باسمهم ؟ ام هي اموال الناس , فلماذا المنة عليهم ؟
وعلى المواطن ان يتساءل عن السر ؟
وعليه ان يتساءل اين اموال العراق ؟
فعلى المواطن تقع الاعباء , والمسؤول الحكومي منعم , ولكن المواطن هو من يتعب ويشقى , وهو من يبرد ويعرى , وهو من يضام ويظلم , ولهذا حينما يريد ان يمارس عملية الحرص على المال العام , ويرغب بتحويل المال الى الصالح العام , وعليه ان ينتفض بشكل مسؤول امام الله تعالى وامام مسؤوليته تجاه شعبه لكي يخلص العراق من كل هذا الظلم , ولا يوجد في تصورنا من ينفذ هذه الانتفاضة الغيورة الا صناديق الاقتراع التي يجب ان يتحقق معها تغيير حقيقي , وقطعا فان التغيير لن يأت ممن لم يراعوا حق الشعب ومصالحه بقدر ما راعوا مصالحهم الفئوية والحزبية والشخصية .
ان طريق الخلاص لا يمكن ان يكون الا بالتخلص من كل هذا الركام عبر برنامج انتخابي يقوده اناس عرفتهم الساحة وخبرتهم بانهم لن يستسلموا لإرادات الفساد ولا لاغراض المفسدين .
انظروا الى البرلمان السابق وفتشوا فيه عمن كانوا يصرخون من اجلكم ؟ وعمن كانوا اشد في فضح الألاعيب؟ وعمن كانوا لا يستسلمون لضغوط المفسدين , ولا تركنوا الى الذين سكنوا في عالم الفضائيات والاعلام ولم يقدموا لشعبهم ولوطنهم غير الكلام المعسول والمزايدات الاعلامية .
اننا نشهد امام الله وامام شعبنا بان مراقبتنا للعمل البرلماني طوال هذه الفترة ومن خلال ما شاهدناه في البث المباشر وما تابعناه مع الكثير من النواب اننا لاحظنا ثلاثة فرقاء في مجلس النواب , ففريق حرص على الوقوف بوجه الفساد بطريقة واخرى , وفريق جامل الفساد او حاول التغطية عليه , وفريق لم يبال بهذا الامر او لم نسمع له موقفاً , ولئن الفريق الثالث لم يؤد المسؤولية فلن نشير اليه , ولكن نرى ان النواب التالية اسماءهم وقفوا ضد الفساد بشكل كبير وبعضهم دفع اثمانا باهظة جراء ذلك .
مقالات اخرى للكاتب