حققت حملة (إلغاء رواتب أعضاء مجلس النواب) وما زالت عددا من النجاحات، منذ انطلاقها على صفحات التواصل الاجتماعي، بمبادرة اطلقها شباب وناشطون مدنيون، من مختلف الأعمار، ومن جميع المحافظات؛ شملت محافظات اقليم كردستان أيضا، حققت إجماعا مدنيا على نشاط محدد الهدف، موحد المطلب، متنوع الفعاليات، (مركزية الهدف وغير مركزية القيادة)، كما اتفق المبادرون بإطلاق الحملة، ومنسقي أنشطتها، على طابعها التنظيمي. وهذه المرونة الى جانب الرغبة العارمة في تحقيق نوع من انواع العدالة الاجتماعية، والتي اتضح الانحياز الشعبي الى قيمتها الانسانية الكبيرة، هي من بين اسباب كسب الحملة هذا التأييد والحشد الواسع المستعد للعمل ضمن انشطتها المتعددة.
جاءت الحملة ضمن إطار إصلاح العملية السياسية، على الأقل من جانب العدالة في الضمانات الاجتماعية وهي نزعة ترسخت في الثقافة التي حملها اليسار في المجتمع العراقي. وحينما ركزت الحملة على رواتب تقاعد أعضاء مجالس النواب، فإنها تكون قد ضربت على الوتر الحساس. لإدراكها ان مجلس النواب سيضطر بعد ذلك الى وضع سلم الرواتب وقانون التقاعد العام على جدول أعماله، بفعل تضارب المصالح. اذاً فالمحملة بهذا المعنى لن تستثني الفوارق الشاسعة بين الحد الادنى الشحيح من رواتب التقاعد وحدّها الأعلى الذي يتقاضاه كبار مسؤولي الدولة، فقد وصلت الى أرقام فلكية، وتجاوزت سقوفا لا يطالها اي رئيس في اي نظام ديمقراطي في العالم، ضمن عملية نهب منظم لموارد الشعب العراقي.
حافظت الحملة على تأكيد استقلاليتها، في مواجهة المحاولات العديدة التي استهدفت استغلالها من قبل الكتل البرلمانية، وجعلها مادة للمزايدات السياسية والدعايات الانتخابية المبكرة، ورفضت ان تكون واجهة لأي جهة كانت سياسية او حزبية او إعلامية، كما ان الضغوطات التي تعرضت لها، من قبل اطراف حكومية، لم تزعزع موقفها الواضح من الاستمرار في أنشطتها، والتي هي ليست بالضرورة تروق لأجهزة السلطة، ومنها دعوتها للتظاهر يوم 31 آب.
لم يكن هدف الحملة محاولة لتنفيس غضب المواطنين وامتصاص جزعهم، من اداء السلطات، او الالتفاف على الرفض الشعبي المتصاعد للأزمة العامة والتي هي أسّ كل المعاناة التي يتعرض لها الشعب العراقي. لم يكن في وارد المجتمع المدني المنظم لها حرف التركيز على ازمة نظام الحكم، والتي لو تم حلها لأمكن على وفقها حل باقي الأزمات. إنما هو حراك يستهدف عادةً الأمل بقدرة الشعب على التأثير على اصحاب القرار، وهو في معنى اخر قدرة رقابية للمواطنين، بعد ان فقدوا الثقة بالجهاز التشريعي الرقابي، وهو في نفس الوقت تجديد لحركة الاحتجاج، واستمرار للحركة المطلبية، وهو حراك يعطي زخما للمجتمع المدني ويسهم في توفير مجال للتعاون وتنسيق الانشطة المتعددة في اطار وحدة الهدف.
نعم، إن ما تحتاجه هذه الحملة، هو عدم التعامل مع موضوعة التقاعد بمزاجية، وارتجالية وردود فعل سريعة، فان حق التقاعد هو حق دستوري لكل مواطن خدم في دوائر ومؤسسات الدولة وأجهزتها، بغض النظر عن نوع الوظيفة ومستواها، لكن يتوجب أن تأخذ في الحسبان، معايير العدالة وقواعد الإنصاف في رفع رواتب وتقاعد العمال والموظفين الذين افنوا عمرهم في خدمة العراق وإعماره، ومعالجة رواتب وامتيازات وتقاعد الرئاسات والوزراء والنواب وأصحاب الدرجات الخاصة، وتضييق الهوّة الواسعة بين المداخيل.
مقالات اخرى للكاتب