كثيراً ما تساءلت مع نفسي: لو لم أتابع ما تقدمه المحطات الفضائية العراقية من أعمال، فهل سينقص ذلك من وجودي المعاصر؟ والسبب في هذا السؤال هو كثرة الفضائيات العراقية، والعربية بالطبع، مما لا يتيح مجالاً للواحد منا أن يتابع ما تجود به تلك الفضائيات من أعمال مختلفة. وبدخول الهواتف الذكية، وأشهرها: الكالاكسي، على حياتنا، تراجعت وسائل الاتصال التقليدية كثيراً، فهذه الهواتف تقدم لمستخدمها خدمات تواصلية عديدة، وبضمنها طبعاً الاذاعة والتلفزيون والجريدة والكتاب... ولكن دخول الاجهزة الذكية إلى حياتنا لا يشبه دخول المذياع في بدايات القرن الماضي، حيث اصبحنا معتادين على تلقي أحدث المنجزات بين ليلة وضحاها بينما كان أسلافنا يغرقون في حيرة عجيبة وهم يتلقون تلك الاختراعات. من القصص الطريفة التي يمكن استذكارها بهذا الخصوص قصة المذياع ودخوله لبلادنا، فقد كانت أجهزة المذياع تتصدر المقاهي، كما البيوت، ويتجمع حولها الناس من شتى المشارب، ومن خلاله يتعرفون إلى أخبار الحروب وأخبار الغناء على حد سواء.
يذكر كاتب مصري أن الراديو الموضوع في أحد المقاهي في قرية نائية عطل عن العمل فجأة، وحار فيه رواد المقهى، وكانت العادة عندما يتعطل المذياع أن يصفعه أحدهم على وجهه حتى تتكلم العفاريت التى بداخله، لكن هذه المرة، وبالرغم من ضربه النعال فإن العفاريت رفضت أن تنبس ببنت شفة، ما اضطر صاحب المقهى لاستدعاء عرافة، وما ان فحصته ونقرت بأصابعها عليه وهمست للجن الذى يسكن داخله حتى قالت أن المذياع مثله مثل القناديل يجب أن تضع فيه وقوداً لكي يعمل، فاقترح صاحب المقهى أن يشعل بعض الحطب وروث البهائم الجاف وأغصان الشجر تحته، لكن العرافة رفضت قائلة: إن هذا سيؤدي الى هروب الجن الذى يسكنه، والذى ينقل أخبار الحرب العالمية الثانية ويتقمص شخصيات عبدالوهاب وأم كلثوم وصالح عبد الحي، ويجب معاملة المذياع معاملة حسنة، واكتفت بصب بعض الزيت والكيروسين بداخله فأفسداه وسكتت العفاريت للأبد!. أما في المملكة العربية السعودية.
وبحسب الدكتور علي الوردي في كتابه: اللمحات، فيقول: ظل المشايخ يستنكرون المخترعات الحديثة الّتي ترد إلى البلاد، فاستنكروا الحاكي والسينما والأنوار الكشافة والطائرات، فهم يعتقدون في الطائرات مثلا أن ركابهم يتحدَّون ربهم بها، أما صاحب تاريخ المملكة العربية السعودية، فيقول: كان الاخوان كارهين للعلم والتقدم فاعتبروا اي نوع من انواع التكنولوجيا الحديثة شراً وكفراً، كالهاتف والتلغراف والسيارات والساعات والكهرباء وقالوا انها سحر من عمل الشيطان فقاوموا استخدامها و نشرها و آخَّروا تقدم البلاد.
ويقول المخرج الإذاعي حافظ مهدي انه في مساء يوم الاربعاء الاول من تموز عام 1936 ترك الكثير من سكان بغداد بيوتهم وتجمهروا في الساحات التي نصبت فيها اجهزة الراديو للاستماع والاطلاع على هذا الجهاز العجيب وهو يتحدث اول مرة بصوت عراقي. بعضهم لم يكن مصدقا ان هذا الصندوق الخشبي الانيق الذي يحتوي على بضعة ازرار عاجية... ولوحة زجاجية مستطيلة تشع بلون اخضر باهت يتحرك فيها مؤشر احمر نحيف يمكن ان ينطق ويغني بمجرد تحريك هذا المؤشر فيأتيك باخبار الدنيا. رحم الله تلك الأيام، كانت مليئة بالبراءة حقاً وصدقاً، فيما لا تستطيع الفضائيات العراقية العديدة اليوم أن تقدم لنا غير برامج مكررة ما يضطرني للاستعاضة عنها بهاتفي الذكي!
ويقول المخرج الإذاعي حافظ مهدي انه في مساء يوم الاربعاء الاول من تموز عام 1936 ترك الكثير من سكان بغداد بيوتهم وتجمهروا في الساحات التي نصبت فيها اجهزة الراديو للاستماع والاطلاع على هذا الجهاز العجيب وهو يتحدث اول مرة بصوت عراقي. بعضهم لم يكن مصدقا ان هذا الصندوق الخشبي الانيق الذي يحتوي على بضعة ازرار عاجية... ولوحة زجاجية مستطيلة تشع بلون اخضر باهت يتحرك فيها مؤشر احمر نحيف يمكن ان ينطق ويغني بمجرد تحريك هذا المؤشر فيأتيك باخبار الدنيا. رحم الله تلك الأيام، كانت مليئة بالبراءة حقاً وصدقاً، فيما لا تستطيع الفضائيات العراقية العديدة اليوم أن تقدم لنا غير برامج مكررة ما يضطرني للاستعاضة عنها بهاتفي الذكي!
مقالات اخرى للكاتب