يشير (البيركامو) وهو انسان وجودي ، في رواية (الطاعون ) الى ان المرض كان اول ظهوره في منزل عائلة ارستقراطية حيث امرأة تشاهد فأراً ميتاً على السلم، فتستغرب من ذلك ، ولا تستطيع ان تعلل الامر ، فتخبر زوجها بذلك ، وفي اليوم التالي تشاهد اكثر من فأر ميتاً ، فتسأل الجيران بذلك فيخبرونها بانهم ايضاً قد شاهدوا فئران ميتة ، وفي ايام معدودة تصبح المدينة بأجمعها ممتلئة بالفئران . وعلى اثر ذلك انتشر المرض في الناس وصار الموت يطاردهم في كل لحظة فيموتون بالعشرات ، الى ان وصل المرض للطبيب المعالج ، ففر بنفسه من الموت . الكاتب يريد ان يقول ان اسباب انتشار مرض الطاعون هو وجود الفئران ، لان هذه الحيوانات القوارض هي السبب الحقيقي لانتشار المرض .
وان الطاعون يصعب السيطرة عليه وعلاجه ليس بالسهل ، وهو وباء يقتل الناس بالجملة ، صغيراً وكبيراً ، امرأة وشيخاً ،ولا يعرف الرحمة كالإرهاب القاتل الذي جاءنا (مسلفن ).
وقد ظهر هذا الوباء ببغداد في اربعينيات القرن الماضي باسم (الكوليرا) حتى ان الشاعرة نازك الملائكة قد كتبت قصيدة حول المرض ، وقد افنى مئات الناس حتى ضاقت الارض بالجثث ، فالذي يموت بهذا المرض لا يدفن فحسب بل وتحرق جثته كذلك . ( يا ستار استر) .
وان الوباء يظهر في كل فترة من الزمن وتحت مسمى آخر ، مثل انفلونزا الطيور ، وانفلونزا الخنازير، وجنون البقر ، وربما قد يأتي بصفة سعال الصخول او عضة الخروف وخرمشة الهر ،وغيرها من الاسباب التي تعددت والموت واحد بتعبير احد الشعراء.
وبالمناسبة ، حدثني احد الاصدقاء ، انه حينما ظهر جنون البقر كان غير مصدقاً واعتبر ان هذا خرافة ، وقد رأى حلما مزعجاً ، وهو انه شاهد بقرة تغازل خروفاً وتراوده عن نفسة وقد قّدت قميصه من دبر ، واراد مني ان افسر له معنى هذا ، فقلت له انها اضغاث احلام ، فقال : كلا ، انني تيقنت بان جنون البقر حقيقة لا خرافة .
ولو كان (البيركامو) حيا الى يومنا هذا لأضاف بان الفئران ليس وحدها من يسبب الطاعون ، بل كذلك وجود ساسة بلا ضمائر ولا قلب حي ، مثل ساسة العراق الذين يتقاتلون عشر سنوات على السلطة ، وشعب اصبح لا يميز رأسه من قدمه في ظل فساد عارم يعصف في البلاد ، حيث مليارات الدنانير تتبخر في الهواء ، ومواطن عراقي مريض لا يمتلك قيمة الدواء ، وبالمقابل برلماني يشتري داراً بكذا مليار ، انها لقسمة ضيزى.
عشر سنوات امن غير مسيطر عليه ، مئات الناس تموت بسيارات مفخخة واحزمة ناسفة وكواتم ، انه طاعون من نوع اخر ، وقد صار العراق مسرح موت خلال هذه الفترة ، فالطاعون الارهاب قد شكل دولة دستورها العنف وهدفها الابادة الجماعية ، ولا ينتهي هذا الا بتغير شامل ، فاذا كانت البلدان العربية تمر الان بربيع عربي ، فان العراق يمر بشتاء قارص ، وشتان ما بين الثرى والثريا
مقالات اخرى للكاتب