بعد النجاح الذي حققته الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية عام 1991،وبعد انهيار الإتحاد السوفيتي والمعسكر الإشتراكي ،وما تبع ذلك من فقدان التوازن الدولي،وتحوله نحو سيادة القطب الواحد الأمريكي ،بدأت تتكشف الاستراتيجية الأمريكية الهادفة للهيمنة المطلقة على العالم تبدو بأجلى مظاهرها ،وتميزت هذه الاستراتيجية بتقديس السيطرة التكنولوجية التي تتمتع بها كوسيلة فعالة لتحقيق أهدافها .وجاءت تحركات الولايات المتحدة الأمريكية في الإعداد لحرب الخليج الثالثة ضد العراق كمرحلة أولى ضمن هذا السياق،وكلحظة تجسيد لذلك الأنحراف الأمريكي الهادف لتحقيق السيطرة الكلية على مصير العالم،ومصير البشرية،متذرعة بضرورة العمل بأقصى سرعة ضد المجمع الصناعي العسكري العراقي الذي سعت لتضخيمه،وحذرت من برامجه المتقدمة في مجال صناعة أسلحة الدمار الشامل،النووي والكيماوي والبيولوجي،وسعت لإقناع حلفائها الغربيين بأن العمل العسكري المباشر هو السبيل الوحيد للتخلص من هذا الخطر الماثل،علماً ان الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين هم من ساعدوا نظام الدكتاتور العراقي في هذا المجال ومدوه بكل الخبرات والوسائل أبان حرب الخليج الأولى التي خاضها النظام ضد ايران بالنيابة عن الولايات المتحدة ،والتي امتدت لثمانية أعوام من دون أي مبرر،ودفع الشعب العراقي خلالها ثمناً باهظاً من أرواح أبنائه،ناهيك عن الخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي حل بالبلاد .
ويقدم الكاتب الفرنسي المعروف (آلن جوكس)في كتابه (أمريكا المرتزقة) تحليلاً تفصيلياً لميكانيزمات هذا التحول الأمريكي نحو تبني نظرية الحرب الهجومية كوسيلة للدفاع عن المصالح الأمريكية ،اعتماداً على توثيق دقيق للشهادات التي يدلي بها صناع القرار والتوجيه الأمريكيين أمام اللجان المختلفة للكونغرس، إضافة إلى تلك الوثائق والدراسات التي يعدها كبار الخبراء،والتي تلعب دوراً مهما في صوغ المواقف السياسية لجزء هام من النخبة الأمريكية .إن أحد أهم مفاصل هذا التحليل المعمق لميكانيزمات صنع القرار السياسي والاستراتيجي للولايات المتحدة يتمثل في توضيح العلاقة المتشابكة ما بين (السلطة التشريعية )متمثلة بالكونغرس و(السلطة التنفيذية )متمثلة بمؤسسات الرئاسة،ووزارة الخارجية والبنتاغون ،حيث أن الانفصال بينهما يجسد أحد أهم مبادئ الدستور الأمريكي ،وهكذا فإن للكونغرس سلطة فعلية ،ألا وهي السلطة المالية ،حيث ان سحب الثقة عن أية ميزانية مقدمة من طرف إحدى المؤسسات التنفيذية ،انما هو سلاح فعال لمواجهة سياسات لا يتفق الكونغرس على خطوطها الرئيسية .لكن هذه السلطة لدى الكونغرس ليست سوى سلطة منقوصة في حالات الحرب،وبخصوص قضايا الأمن القومي التي ينظر إليها الدستور الأمريكي على أنها حكر على السلطة التنفيذية بأمتياز .ولغرض إقناع الرئيس الأمريكي بوش للكونغرس للموافقة على مشروع الحرب المخطط لتنفيذها إزاء العراق ،كخطوة أولى في المخططات الأمريكية للهيمنة على العالم كان سلاح المناورة والتحايل وتضخيم الأخطار إزاء الولايات المتحدة والشعب الأمريكي سلاحاً فعالاً بيد الإدارة الأمريكية لخلق قبول عام لفكرة الحرب على العراق .أن تشكيل أي رأي عام مؤيد للحرب من شأنه ممارسة أشكال من الترهيب والتخويف للمجتمع الأمريكي من مخاطر الإرهاب الدولي ،مستغلاً أحداث الحادي عشر من أيلول الإجرامية ،وكذلك للضغط على السلطة التشريعية لإقناعها بضرورة الحرب المطلوبة ،أو لإجبارها مكرهة على الالتحاق بهذا الركب .ولا شك أن الجيل الأمريكي المتلفز قد أصبح سهل الانقياد لمناورات التضليل بعد أحداث أيلول ،والأهداف المتوخاة منها والمتمثلة بما تدعى الإدارة الأمريكية بمكافحة الإرهاب من أجل تبرير مشاريعها الحربية الهادفة للهيمنة على العالم .وفي ظل هذا الواقع يجد المتتبعون للسياسة الأمريكية أن الديمقراطية الأمريكية قد فقدت الكثير من مصداقيتها المتمثل بالتلاعب بالرأي العام الأمريكي بشكل خاص،والرأي العام العالمي بشكل عالم ،والذي يطلب منه تبني فكرة اللجوء إلى الحرب الهجومية كضرورة لا مفر منها ،وهذا التلاعب قد امتد إلى فترة زمنية طويلة ،وكان شعارها الاقتصادي والعسكري وحيد وفعال لإجبار النظام العراقي على الانسحاب من الكويت عام 1991 ،وعلى تدمير اسلحته ذات الدمار الشامل ،وفي ظل هذا الشعار المخادع جرت الأستعدادات للحرب الهجومية على قدم وساق ،وهذه الاستعدادات لم تكن سراً من الأسرار،فلا مجال في الولايات المتحدة لكتمان الأسرار طويلاً ،وهكذا باتت الحرب ضد العراق مؤكدة بنظر أهل الاختصاص من ذوي العلاقة بالدوائر الحاكمة حيث تعمل المؤسسة العسكرية جاهدة على تجهيز خطة متكاملة للحرب لكي تكون جاهزة في لحظة قرار سياسي من قبل الرئيس بوش .إن التفكير الأمريكي الذي يقدس الإمكانيات والوسائل التكنولوجية لدرجة سيادة نوع من دكتاتورية الأدوات والوسائل تتقدم لتملي على السياسة مبادئ عملها وأهدافها قد غدا العامل المحرك لسياستها الهادفة للهيمنة على العالم ،وهذا الجانب المأساوي من الفكر الإستراتيجي الأمريكي الذي ينظر لسيادة التكنولوجيا على السياسة ،وهذا الانسحاب للمجتمع المدني ولتعبيراته البرلمانية والجماهيرية أمام تقدم طبقة أو شريحة من التنكوقراط المرتبطة بجملة مصالح المجمع الصناعي العسكري الأمريكي هو ما دفع أوربا خصوصاً والعالم عموماً إلى إطلاق صيحة تحذير من الأهداف الأمريكية ،ذلك أن الانصياع والخضوع للسياسات الأمريكية إنما يحمل خطراً جسيماً على مستقبل البشرية جمعاء .أخذت الولايات المتحدة تعمل في تلك الأيام بنشاط مكثف من أجل الحشد الميداني الذي يفوق بالفعل حاجات الانخراط في ميادين المعركة الحقيقية وذلك لتحقيق هدف استراتيجي يتجاوز البعد العسكري للمواجهة مع العراق في محاولة لردع النظام العراقي دون أن يضطر الطرف الأمريكي للتورط في معركة فعلية ذات أبعاد كارثية إذا ما امكن ذلك ،ومهددة النظام بمواجهة خطر التدمير الساحق الذي يتجسد عياناً بتلك الحشود الهائلة في الميدان ،وهي مصرة على شن الحرب لإسقاط النظام العراقي إذا ما أصر على تجاهل تلك الحشود والتهديدات .وكما أصر رأس النظام صدام من قبل على تجاهل الدعوات له للخروج من الكويت رغم كل النصائح المقدمة له من خطورة الحرب التي كانت الولايات المتحدة تهيئ لها ،مستقدمة قوات هائلة ومسلحة بأحداث ما أنتجته المصانع الحربية الأمريكية ،فان صدام استمر على مواقفه الخاطئة،ولم يتعلم الدرس من حروبه السابقة،رغم كل النصائح التي قدمت له بعد احتلاله للكويت بضرورة الانسحاب حفاظاً على مصير العراق وشعبه وعلى جيشه من التدمير الذي ينتظره إذا لم ينفذ قرار مجلس الأمن القاضي بالانسحاب من الكويت دون قيد أو شرط .لكنه تجاهل كل تلك النصائح ،وركب رأسه رافضاً الانسحاب،وحينما التقى وزير الخارجية الأمريكية (جيمس بيكر )بطارق عزيز في جنيف قبيل نشوب الحرب وجه بيكر تحذيراً صارماً لصدام حسين من خلال الرسالة التي سلمها إلى طارق عزيز بأن البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والثقافية ،والقوات المسلحة العراقية ستتعرض لدمار هائل ،وان العراق سيعود القهقرة عشرات السنين إلى الوراء .لقد كان من الطبيعي أن لايذرف المواطن العراقي الدمع على صدام ونظامه إذا ما تم إزالة ذلك النظام الفاشي الذي جثم على صدور المواطنين خلال خمسة وثلاثين عاماً عجافاً، أذاق خلالها العراقيين من الويلات والمآسي والمصائب ما لا يوصف جراء فاشيته ووحشيته وحروبه العدوانية ضد ايران والكويت،وضد أبناء شعبه،وإن الشعب العراقي بمختلف أطيافه كان يتطلع إلى يوم الخلاص من هذا النظام الذي فاق بإجرامه أعتا الأنظمة الدكتاتورية في العالم .لكن الشعب العراقي في الوقت نفسه كان ينتابه القلق الشديد مما تخبئه الولايات المتحدة له،ولاسيما وأن مابدأ يتكشف من المخططات الأمريكية المستهدفة للهيمنة على مقدرات الشعوب،وهو الذي له هواجس كثيرة ،وعدم الاطمئنان والثقة بالسياسة الأمريكية ،ولاسيما وأنها قد خذلته في انتفاضة آذار المجيدة عام 1991 ،ودعمت نظام الدكتاتور صدام في قمعها ،وابتلع الرئيس جورج بوش الأب دعوته الشعب العراقي للانتفاض ضد النظام ،كما سبق وأن خذلت الولايات المتحدة الحركة الكردية بزعامة السيد مصطفى البارزاني عام 1975 ،بعد ان وقع صدام وشاه إيران اتفاقية الجزائر،والامثلة كثيرة على عدم مصداقية وجدية السياسة الأمريكية التي تعرف غير مصالحها الذاتية .كان أخشى ما يخشاه الشعب أن يبدل نظاماً دكتاتورياً فاشياً باحتلال أمريكي قد يطول لسنوات عديدة ،فلم يعد الشعب قادراً على تحمل المزيد من العبودية والمظالم ،ناهيك عن الويلات والمصائب والخراب والدمار الذي يمكن أن تسببه الحرب،ولا سيما وأن الولايات المتحدة قد أعدت آخر ما ضمته ترسانتها الحربية من الأسلحة الفتاكة ،وما عاناه الشعب من ويلات خلال حربي الخليج الأولى والثانية ،والحروب الداخلية المستمرة في كردستان ،وهو لا ينشد سوى العيش بسلام وحرية وأمان ،وأن يحيا في ظل ديمقراطي تعددي تسوده قيم العدالة والحرية والوئام بعيداً عن الحروب ومآسيها وويلاتها .كان حلم الشعب أن يطيح بالنظام الصدامي من دون حرب واحتلال وضحايا ودمار وخراب ،وكان طموحه أن يجبر مجلس الأمن النظام الصدامي على أجراء إصلاحات ديمقراطية حقيقية في البلاد، وإعادة الحقوق والحريات الديمقراطية المسلوبة، وإجراء انتخابات برلمانية تحت إشراف الأمم المتحدة ،وقيام نظام حكم ديمقراطي حقيقي يطلق الحريات العامة بما فيها حرية الصحافة ،والتنظيم الحزبي والنقابي ،وحرية تأسيس الجمعيات ذات النشاط الاجتماعي .لكن الولايات المتحدة الأمريكية التي أصدرت عشرات القرار ضد النظام العراقي قبل نشوب حرب الخليج الثانية عام 1991 ،تحت البند السابع الذي يلزم النظام العراقي بالتنفيذ،استثنت القرار الوحيد رقم 688 والمتعلق بحقوق وحريات الشعب العراقي من هذا البند،مما حول القرار في واقع الحال إلى حبر على ورق ،ولم يعر له صدام أي اهتمام ما دام غير ملزم له ،بل وتمادى في تزييف إرادة الشعب من خلال الاستفتاء الزائف على رئاسته ،والذي جاءت نتائجه بتأييد 99 و99% وهو رقم لم يشهد له مثيلاً لدى كل دول العالم .،واستمر سيفه المسلط على رقاب الشعب،واستمر يقطع رؤوس كل من يشك في ولائهم لنظامه الدكتاتوري الشمولي .وتمادت الولايات المتحدة من جانبها في ايذاء الشعب العراقي بفرض الحصار الجائر ليس على صدام ونظامه، بل على الشعب المهضومة كافة حقوقه وحرياته ،وسيف النظام المسلط على رقبة أبنائه ،واستمر ذلك الحصار ثلاثة عشر عاماً عجافاً لم يشهد لها العراق مثيلاً من قبل في كل تاريخه الحديث،فقد كان الحصار يمثل اشنع أنواع الحروب،حرب التجويع والإذلال والفقر والأمراض،وانهيار البنية الاجتماعية ،واختفاء القيم الإنسانية النبيلة التي تعود عليها الشعب لتحل مكانها قيم وسلوكيات على النقيض منها،حيث لم يعد ما يهم المواطن العراقي غير تأمين مصادر العيش له ولعائلته مهما كانت الوسائل والسبل !! وتصاعدت الأخطار المحدقة بالعراق من جديد جراء لعبة القط والفأر التي مارسها صدام مع فرق التفتيش الدولية حول أسلحة الدار الشامل معرضاً الشعب لكارثة حرب جديدة مع الولايات المتحدة وحلفائها جراء إصراره على افتعال الأزمات مع اللجنة الدولية لنزع أسلحة الدمار الشامل من جهة ،وإصرار الولايات المتحدة وبريطانيا على ايجاد واستغلال كل الذرائع الممكنة لتوجيه ضربة قاضية للعراق،حيث لا احد يعلم مدى ما ستسببه من مآسي وويلات لشعبنا المنهك أصلاً جراء الحصار الاقتصادي اللاإنساني ،حيث بادرت الولايات المتحدة بحشد سفنها الحربية وطائراتها المجهزة بآخر ما توصلت إليه مصانعها الحربية من الأسلحة الفتاكة استعداداً لشن الهجوم على العراق بحجة تدمير الأسلحة الكيماوية والجرثومية البيولوجية التي كانت تقول أن النظام العراقي قد خبأها في مخازن تحت الأرض،ولم يظهر لها أثراً بعد الحرب، وباتت المخاطر المحدقة بالعراق وشعبه كبيرة جداً،ولا أحد يستطيع تحديد مداها ،لكنها في غالب الأحوال كان مقدراً لها أن تكون أشد وطأة من حرب الخليج الثانية عام 1991 ،وأنها ستأتي على البقية الباقية من بنية العراق الاقتصادية والاجتماعية .وفي ظل تلك الظروف الخطيرة المحدقة بالعراق وشعبه ،والتطورات التي يمكن أن تحدث بين يوم وآخر كانت قوى المعارضة العراقية ما تزال على انقسامها وتشتتها غير عابئة بما يمكن أن تؤول إليه تلك الأحداث،فقد كانت دون مستوى الاحداث،بل كانت تهرول وراءها،واستطاعت الولايات المتحدة أن تستقطب معظم تلك القوى التي انحازت الى المخطط الأمريكي لغزو العراق بحجة إسقاط النظام الدكتاتوري وإنقاذ الشعب من طغيان صدام .أخذت الأخطار المحدقة بالعراق تسارع الخطى،وكانت كل الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة عازمة عزماً لا رجعة فيه على غزو العراق ،وإسقاط النظام صدام واحتلال العراق ،ومن اجل تحقيق هذا الهدف جري نقل القوات والأسلحة المتطورة والفائقة التدمير إلى قواعد الانطلاق القريبة من العراق في الخليج العربي وتركيا وإسرائيل والأردن ،وتوجهت حاملات الطائرات والمدمرات الأمريكية نحو أقرب المواقع للعراق .كما تبعت بريطانيا الولايات المتحدة في تعبئة اعداد كبيرة من قواتها وتجهيزاتها الحربية استعدادا للمشاركة في الحرب , كما جرت الاستعدادات الحربية في اسرائيل بكل نشاط , وبسرية مطلقة , بسبب حساسية الموقف , استعدادا ً لساعة الصفر التي بات قريبة كما قدر الكثير من المراقبين .
وفي حين كان يمضي الوقت مسرعاً نحو اندلاع الحرب التي لم يشك احداً بنتائجها , وبالويلات والماسي والمصائب والخراب والدمار الذي سيحل بالشعب والوطن , فان دكتاتور العراق كان يساوره الامل بتجاوز الحرب , والبقاء في السلطة غير عابئ بمصالح الشعب , وسيادة واستقلال العراق .
وهكذا اقتربت ساعة الحسم , ولم يعد امام صدام متسعاً من الوقت لكي يجنب العراق وشعبه ويلات الحرب , ويجنب نفسه وحاشيته المصير المحتوم , ولم يكن هناك من سبيل امامه سوى الرحيل باسرع وقت , بعد ان وجهت له الولايات المتحدة انذارا بمغادرة العراق مع عائلته خلال 48 ساعة , وانقاذ العراق من الخراب والدمار , لكنه استمر على اصراره البقاء في السلطة ولسان حالة يقول علي وعلى الشعب وليكن ما يكون .
وانطلقت شرارة الحرب في فجر العشرين من اذار عام 2003 , تلك الحرب التي لم يستطع صدام وجيشه الصمود فيها سوى عشرين يوما , حيث انهار النظام بكل مؤسساته واجهزته العسكرية والامنية , واحتلت القوات الامريكية العراق , واستحصلت قرارا من مجلس الامن يشرعه الاحتلال , ونصبت الجنرال المتقاعد ( كارنر ) حاكما على العراق , ثم ما لبثت ان استبدلته بالدبلوماسي الامريكي ( بول برايمر ) الذي حكم العراق عاما كاملا اقترف فيه الكثير من الاخطاء الكارثية التي اوقعت العراقي في جحيم اقسى وامر جحيم نظام صدام باقامته نظام حكم طائفي متخلف , ادى الى استقطاب طائفي شيعي وسني اشعل نيران الحرب الاهلية الطائفية التي باتت تطحن بالمئات من الابرياء كل يوم على ايدي المليشيات التابعة للاحزاب الطائفية بشقيها الشيعي والسني , وبات التهجير والعزل السكاني يجري في البلاد على قدم وساق , واخذت موجات الهجرة الداخلية والخارجية تتصاعد حتى جاوزت الاربعة ملايين مواطن , هربا من الموت الزؤام .
لقد حولت الولايات المتحدة العراق الى ساحة لتصفية الحساب مع قوى الارهاب المدعومة من دول الجوار المحيطة بالعراق , وفي المقدمة منها ايران وسوريا بالاضافة الى عناصر القاعدة التي مهدت لها دول الجوار السبيل للعبور نحو العراق برعاية العناصر البعثية , لتنفذ جرائمها الوحشية التي تستهدف قتل العراقيين .
كما فسحت المجال امام العناصر البعثية التي اسقطت من السلطة لتستعيد انفاسها وتعيد تنظيم صفوفها لتشن حربا اجرامية لا هوادة فيها ضد الشعب العراقي , وهي المدربة على السلاح ولديها ملايين قطع السلاح التي نشرها النظام الصدامي في البلاد , بالاضافة الى الاموال الهائلة التي سرقها النظام طوال فترة حكمه الطويلة والمقدرة بحوالي 90 مليار دولار لاستخدامها في استعادة السلطة , كما قال صدام نفسه امام قادة حزبه في احد الاجتماعات . لقد اشعلها أعوان صدام حرباً إجرامية شرسة قوامها السيارات المفخخة والعبوات الناسفة التي تقتل المواطنين بالجملة كل يوم مما حول حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق ،وبات الشعب العراقي اليوم بين طاحونة البعثيين الطامحين باستعادة السلطة ،وطاحونة أحزاب الإسلام السياسي الطائفي المتشبثين بالسلطة،وقيادة العراق نحو مزيد من التخلف والهمجية والمذابح الوحشية،وطاحونة الاحتلال الأمريكي البغيض .ومن حق المواطن العراقي أن يسأل :هل أن أمريكا باتت حقاً عاجزة بكل ما لديها من قوات واسلحة فتاكة عن اعادة الأمن والسلام في البلاد ،أم أنها هي التي خططت لأيصال العراق إلى هذه الحالة المأساوية من أجل إدامة احتلالها له !!.لماذا أقامت النظام الطائفي في البلاد ،وفسحت المجال واسعاً أمام تشكيل المليشيات الطائفية المسلحة ،ولماذا فسحت المجال أنصار النظام المسقط لتستعيد أنفاسها ،وتنظم صفوفها من جديد وتحمل السلاح من اجل استعادة السلطة على جماجم المواطنين ؟لماذا جرى حل الجيش ؟وأين اختفت الأسلحة الثقيلة من دبابات ومدفعية وطائرات وصواريخ وقنابل ،ولماذا اسست جيشاً جديداً ملغماً بالعناصر الطائفية التي لا تدين بالولاء للعراق، بل لأحزابها الطائفية المرتبطة بوشائج عديدة مع الدول الجوار،وفي المقدمة منها ايران وسوريا والسعودية ؟لماذا سلحت هذا الجيش بالأسلحة الخفيفة وما تزال تصر على عدم تسليحه بالأسلحة الثقيلة لكي تصبح له القدرة على فرض الأمن والنظام في البلاد ؟كيف تستطيع حكومة الطوائف التي تتنازع أطرافها فيما بينها تحقيق الأمن والسلام في البلاد وهي التي تقود المليشيات المسلحة التي تعيث في البلاد فساداً وخراباً وقتلاً على الهوية ؟كيف يستطيع برلمان المحاصصه الطائفية والعرقية الذي طبخته سلطة الاحتلال على عجل ليسن دستوراً طائفياً أصبح اليوم العكازة التي تتعكز عليه القوى والأحزاب الطائفية والعراقية لتحقيق اهدافها الأنانية على أشلاء العراق ؟ان العراق اليوم يمر بكارثة كبرى لا خروج منها إلا بالخلاص من الطائفية المقيتة والتعصب القومي الأعمى ،والايمان بالعراق والعراقية الصادقة وقيام نظام حكم ديمقراطي علماني يحترم حريات وحقوق الإنسان المنصوص عليها في شرعية حقوق الإنسان الدولية ،ويفصل الدين عن الدولة ،ويستأصل كافة الميلشيات مهما كانت ،ولآية جهة كانت،والعمل على تنظيف الجيش والأجهزة الأمنية من العناصر الطائفية لكي تكون هذه الأجهزة الخطيرة بعيدة عن القوى والأحزاب السياسية وتتسم بالولاء المطلق للعراق وحده،والضغط على الإدارة الأمريكية لتسليح الجيش بالسلاح الثقيل كي يستطيع حماية أمن العراق داخلياً وخارجياً،وهذا يتطلب وحدة كل القوى المؤمنة بعراقيتها وبالديمقراطية وحقوق الإنسان،في جبهة وطنية واسعة تستطيع تشكيل قوة ضاغطة على الإدارة الأمريكية لتحقيق هذه الأهداف ،واستعادة العراق لسيادته واستقلاله الحقيقيين ،فلا معنى اليوم لاستقلال العراق في ظل الاحتلال الجاثم على صدر مواطنيه .
أمريكا والمأزق العراقي الراهن
لم يكن أحد يحمل ذرة من الوطنية الصادقة يتمنى ان يرى وطنه العراق الحبيب محتلا من الجيوش الامريكية والبريطانية , ولا أية جيوش اخرى , ونحن الذين حاربنا الاستعمار عقودا عديدة , وخضنا معارك الحرية في صفوف ابناء شعبنا من اجل تخليص الوطن من الهيمنة البريطانية , وتحملنا صنوفا من القهر والسجون والتعذيب والتشريد في المنافي , والغربة عن الوطن والابناء والاحفاد لينتهي بنا المطاف الى الاحتلال الامريكي , الدولة العظمى في العالم اجمع وحليفتها بريطانيا .
لقد دعونا الولايات المتحدة وسائر الدول الكبرى المهيمنة على مجلس الامن للضغط على جلاد العراق العراق صدام حسين بتفعيل القرار رقم 688 , وجعله تحت البند السابع من اجل اجبار الدكتاتور على تنفيذ بنود القرار المذكور لا تاحة الفرصة لشعبنا لكسر اليد الفولاذية لصدام حسين وزمرتة المجرمة , والعمل على اجراء تحول سلمي في البلاد ,وازاحة الدكتاتورية , واقامة نظام حكم ديمقراطي عن طريق اجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت اشراف الامم المتحدة , وكان شعبنا على ثقة كبيرة ان النظام الصدامي لن يفوز في اية انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة , بالنظرلجرائمه البشعة بحق ابناء شعبنا,والتي تكشفت لكل ذي بصر وبصيرة لهول بشاعتها التي يعجز القلم عن وصفها .وعندما بدات تكتشف الخطط الامريكية بشن الحرب على العراق واسقاط النظام الصدامي, وبدات بالفعل بحشد جيوشها دعونا عبر وسائل الاعلام المتاحة كافة الى خروج صدام حسين وزمرته من السلطة ومغادرة العراق ,وتسليم السلطة بصورة مؤقتة الى الامم المتحدة لكي تقوم باجراء انتخابات حرة ونزيهة تحت اشراف المنظمة والعديد من الشخصيات العالمية المشهود لها بالنزاهة والامانة , وتجنيب العراق وشعبه من ويلات حرب مدمرة , ومن مصائب الاحتلال .
لا الشعب العراقي كان قادرأ على اسقاط النظام الصدامي الفاشي , المدعوم باجهزته القمعية والامنية والمخابراتية ,والغارق في الجرائم البشعة ,والمغتصب لحقوق وحريات وثروات الشعب , والذي استخدم القتل وسيلة وحيدة لبقاء حكمه بشع , بلاقانون ,ولامحاكم ,ولا دليل فيكفيه الشك ,او تقرير أمن احد الحزبين او اجهزته القمعية لقتل ليس المتهم فقط بل وافراد العائلة كافة في الكثير من الاحيان , وهو النظام الوحيد بالعالم الذي يعاقب حتى الدرجة الرابعة من القرابة .
ومن جهة اخرى لم يكن بمستطاع الدول الكبرى الاخرى , ولا مجلس الامن ثني الولايات المتحدة عم مشروع الحرب على العراق , فالشعب العراقي والحالة هذه لم يكن في مقدوره منع الحرب .
وفي تلك الايام التي سبقت الحرب كنت قد كتبت مقالا بعنوان ( خياران احلاهما مر ) , فبقاء صدام ونظامه الفاشي مصيبة , والحرب والاحتلال وما يسببه من ويلات ومأسي وخراب ودمار مصيبة اخرى , واكدت شأني شأن الكثير من الكتاب والسياسيين على دعوة صدام ونظامه للرحيل , وفي مقال ثانٍ بعنوان ( قبل ان يفوت الاوان ) مؤكدا على نفس الموضوع , فقد كنت , وكل ابناء شعبنا ندرك ما سوف يحل بالعراق من خراب ودمار , وما سوف يعانيه شعبنا جراء الحرب .
لكن صدام اصم اذنيه عن سماع كل الدعوات , ومن اطراف عديدة , كان من بينها دعوة الشيخ زايد رئيس دولة الامارات العربية في الجامعة العربية , واصر على التشبت بالسلطة وهو يدرك كل الادراك ان ليس بمقدور جيشه وفدائييه القتلة المجرمين مقابلة الجيوش الامريكية , وان اي جيش لا يملك غطاءا جويا ينتهي بدماره .
لقد اراد صدام تدمير حضارة العراق , وتحطيم بنيته التحتية , والامعان في تعذيب وافقار شعبه .
ووقعت الحرب في العشرين من اذار , وتهاوى جيش صدام , واحتلت بغداد في التاسع من نيسان , فلا الجيش حارب دفاعاً عن نظام القتلة و لا الشعب قاوم الاحتلال فقد كان يريد الخلاص من النظام الذي نكل به ابشع تنكيل , وانتفاضة الاول من اذار 1991 خير دليل على عزلة وكراهية ذلك النظام .
ودخلت الجيوش الامريكية والبريطانية مزهوة بالنصر , واستحصلت امريكا قرارا من مجلس الامن يعتبر قواتها قوة احتلال , وعنيت حاكماً امريكياً هو السيد ( كارنر ) , وبسبب فشله في ادارة العراق استبدلته بالسيد ( بول بريمر ) الذي اتخذ قرارات فيها الكثير من الاستعجال واوقعته في اخطاء كبيرة , كان اولها اسلوب حل الجيش , والشرطة ووزارة الدفاع ووزارة الاعلام مما اوقع البلاد بفراغ امني خطير فعملت الايدي المجرمة نهباً وحرقاً وسرقة , وكانما هذه املاك شخصية لصدام حسين وليست ملك الشعب , وان صدام وحكمه قد زال .
وفي بداية الامر توارى اعوان صدام وكافة اجهزته الامنية وفدائييه عن الانظار , وما اعلن السيد بريمر الغاء حكم الاعدام , ووجدت هذا التراخي لملاحقة عصابة القتلة حتى اخرجت رؤوسها من جحورها , وبدأت تعمل تخريبا وتدميرا , وتشيع الفوضى في كل مكان , وانعدم الامن وانتشر الرعب والخوف بين الناس , حيث لا وجود لقوات حفظ الامن , ومما زاد في الطين لة ان طاغية العراق كان قد وزع قبل نشوب الحرب 8 ملايين قطعة سلاح على اعوانه ممن يسمون بفدائيي صدام , وجيش القدس , والاجهزة الامنية والخزبيين , ناهيك عن الاسلحة التي تركها الجيش وهرب , مما سهل على المجرمين امتلاك السلاح , والتمادي في جرائمهم التي اخذت تتحول الى مهاجمة قوات الاحتلال , وتخريب البنية التحتية للعراق .
واضطرت الولايات المتحدة بعد الضغوط التي مارستها الاحزاب التي كانت في المعارضة على تكوين مجلس الحكم الذي ضم طيفا من جميع القوميات والطوائف والاحزاب السياسية ذات التأثير في الساحة العراقية .
واستطاع المجلس تشكيل حكومة من شخصيات متخصصة , لكن هذا المجلس ومجلس الوزراء لم يتم منحهما الصلاحيات اللازمة لادارة شؤون البلاد , وخاصة الشؤون الامنية , فالقوات الامريكية والبريطانية وحلفائها لا يدركون طبيعة الشعب العراقي , وظروف البلاد ولغة اهلها , مما عمق في المشكلة الامنية , بل وتفاقمها , حيث انعكس سلباً على احوال الشعب العراقي وتدهور اوضاعه الاقتصادية وفقدان شعوره بالامن .
ومما زاد في الطين بله حل الجيش بذلك الاسلوب الخاطئ وترك اكثر من نصف مليون منتسب , ناهيك عن افراد عوائلهم مما يرفع العدد الى الملايين دون عمل , مما دفعهم على حمل السلاح والقيام باعمال تخريبية بالاضافة الى مهاجمة قوات الاحتلال .
ان هذه الظروف التي خلفها النظام الصدامي , وساعد في تفاقمها اسلوب الحاكم المدني الخاطئ في معالجة مشاكل البلاد هي التي اوصلت البلاد الى هذه الحال .
وما لم يتم معالجة الامر عن طريق منح مجلس الحكم صلاحيات واسعة لادارة شؤون البلاد , واخص بالذكر القضية الامنية , ومعالجة مسالة البطالة المخيفة , فان الازمة العراقية سوف تتفاقم يوما بعد يوم .
ان مجلس الحكم والحكومة العراقية ليسا قاصرين عن ادراة شؤون البلاد اذا ما اتيحت لهم الفرصة , وتم منحمها الصلاحيات اللازمة لمعالجة المشاكل الملحة .
ان بالامكان اعادة الجنود والعرفاء ونواب العرفاء وحتى الضباط من صغار الرتب من الجيش العراقي – عدا الحرس الجمهوري الخاص – واعادة تأهيلهم واستخدامهم في حفظ الامن والنظام , وحتى في جهاز الشرطة , والعمل على تشكيل مليشيا تابعة لمجلس الحكم في كل مدينة وقضاء وناحية وقرية ومحلة هو السبيل لكشف وملاحقة والقاء القبض على القتلة والسراق والمخربين من اعوان النظام المقبور وتسليمهم الى العدالة لينالو جزاءهم العادل والتخلص من شرورهم .
وعلى سلطة الاحتلال ان تعمل باقصى ما يمكن على تقصير فترة الاحتلال واجراء انتخابات برلمانية حرة ونزيهة , وتشكيل حكومة دستورية , وسحب كافة القوات الاجنبية من البلاد باقرب وقت ممكن .
ان اطالة امد الاحتلال تحت اي عذر كان لايمكن ان يخدم لا الشعب العراقي ولا مصالح الولايات المتحدة وبريطانيا , وهو بكل تاكيد سيعمق من الازمة الراهنة , ويطيل من معانات شعبنا , والحل الوحيد هو في الاسراع في تكوين الاجهزة الامنية والجيش الجديد ومنح مجلس الحكم كافة الصلاحيات الامنية , والعمل على معالجة الاوضاع الاقتصادية المتردية ومعالجة البطالة , وتهيئة المناخ المناسب والامن للاستثمارات الاجنبية من اجل اعادة بناء البنية التحتية للاقتصاد العراقي المنهار , وتامين الحياة الكريمة لشعبنا .
الفتن الامريكية في العراق
في عام 1996 م نشر هينتينجتون كتابة الموسوم " صراع الحضارات " فاثار جدلا حادا بين المثقفين والسياسيين واظهر استغراب الناس الشديد من هذا الطرح الغريب ! وقد وصف البعض هذا الرجل بانه واسع الخيال وغريب التصور . بينما راح بعض المحللين السياسيين الى ابعد من ذلك , حيث وصفوا طرح هينتينجتون بانه جزء من مخطط سياسي امريكي وسلسلة تحضيرات منظمة لصراعات مرسومة تقوم بها الادارة الامريكية في مناطق الشرق الاوسط . وبمرور الايام والزمن تتكشف بعض الحقائق التي تدعم والى حد ما رأي هؤلاء المحللين السياسيين .
عندما اجتاحت القوات الأمريكية كل من أفغانستان والعراق وبحجج مختلفة , كان في كتب سجلها السياسي مشروعا استراتيجيا كبيرا لوحت الادارة الامريكية في بعض عناوينه , فسمعنا مثلا " مشروع الشرق الاوسط الكبير " و " دول محور الشر " و " الديمقراطية في الشرق الاوسط " وغيرها من المصطلحات البراقة التي تعني نوايا امريكية مبيته باجراء تغييرات جذرية واسعة في خارطة الشرق الاوسط . الا ان بنود هذه المشاريع الامريكية توقفت عن التنفيذ بسبب المأزق الكبير الذي تعرضت له امريكا في العراق , حيث لم تفلح الادارة الامريكية من تحقيق اهدافها المرسومة في جدول زمني كانت قد حصرته من قبل ! .. الا ان الفشل الامريكي في بداية المطاف لا يعني رجوعها مع مشروعها من حيث اتت وبهذه السهولة , بل يعني تفاعلات وردود فعل حثيثة مختلفة تتباين بتباين الاوضاع والظروف المستجدة , حيث لا يستطيع احد ان يتنبأ بتفاصيليها وخصائصها اليوم .
المتابع لمسيرة الاحداث وخضم التطورات الميدانية في العراق يستنتج بان فتن كبرى قد حصلت وتحصل باستمرار في هذا البلد ومنذ يوم اجتاح العراق والى حد هذه الساعة ! نترك للقارئ الكريم فرصة التمحص والاستنتاج بكنه هذه الفتن وطبيعتها وفيما لو كانت قد جاءت موسوعة اصلا من قبل الادارة الامريكية ام انها تحصيل حاصل او نتائج عرضية غير مقصودة .
1- جاء الامريكيون بديمقراطيتهم وادخلوها الى العراق ضمن سياقات وبرامج مرسومة قامت على مبادئ مثيرة للجدل في نتائجها ومردوداتها . فقد كانت المحاصصة الطائفية والعرقية مثلا من بين الاجراءات والمبادئ التي اقيمت على اساسها اوتاد هذه الديمقراطية . وهذا ماادى الى تقوقع او انكماش سياسي واضح تسبب في اعاقة الحركة السياسية واصابتها بالفشل , بل مهد السبيل لخلق حواجز طائفية وعرقية في المجتمع العراقي الموحد . صاحب هذا المبدأ اجراءات تحفزية اخرى لشق وحدة العراقيين وخلق حالة من الكره والعداء فيما بينهم . لقد كان ذلك من خلال حل انظمة الشرطة والجيش وبعض الوزارات والمؤسسات الرسمية الاخرى , واصدار قانون اجتثاث البعث . كذلك مداهمة وقصف الاحياء السكنية الامنة ونشر صور اساليب تعذيب السجناء العراقيين وفتح حدود العراق امام الشارد والوارد , وتهميش القوى الوطنية غير الطائفية وابعادهم عن المسار السياسي القائم واهانة الكفاءة والقدرة العراقية الحقيقية وعدم الاكتراث بها ! كل هذه الامور قد ساهمت وبشكل اكيد في اشعال الفتنة الطائفية وغير الطائفية وفي خلق حالة من عدم الاستقرار الاجتماعي والامني والاقتصادي والخدمي والسياسي في هذا البلد .
2- الفتنة الطائفية لم تقتصر حدودها على صراع طائفي بين الشيعة والسنة فحسب , انما تعدى ذلك الى صراع شيعي – شيعي وصراع سني – سني !! فمن يتمحص مليا في تفاصيل الامور يرى بان الامريكيين ومنذ البدء قد قربوا فصائل الشيعة دون اخرى وفصائل من السنة دون غيرها . هذا التهميش او الاقصاء المتعمد الذي وصل الى حد المحاربة والتسقيط لبعض الفصائل لبعض الفصائل ذات المد الشعبي الكبير قد ولد انساغا متضادة متقاطعة فيما بينها داخل الطائفة الواحدة مما ينذر بصراع عنيف داخلي بين ابناء الطائفة نفسها . وهذا ما نلاحظه اليوم على ارض الواقع , فالصراع الداخلي الكامن داخل الطائفة الواحدة يظهر للعيان بين الفينة والاخرى على الساحة العراقية , وهذا ما يشير الا ان الاوضاع داخل الطائفة الواحدة تنتظر ساعة الصفر كي يحصل الانفجار الكبير .
3- كان العراق يسمى بالبوابة الشرقية للدول العربية والدرع الواقي امام " الرياح الصفراء " الهابة من الشرق ! وقد باركت امريكا هذا التصور ووقفت معه ابان سنين الحرب الطويلة بين العراق وايران . اما اليوم فقد فتحت امريكا هذه البوابة على مصراعيها فدخلت الرياح الصفراء والحمراء والسوداء على حد سواء ! حتى اضحت هذه الرياح تلامس بشدة اركان دول جوار العراق دون حاجز او مانع ! فما المقصود بذلك ! الم تعد هذه الدول التي كانت تحميهم البوابة الشرقية مهمة عند الامريكيين الى درجة ان تتركهم امريكا اليوم امام مهب الريح ؟!هل سيطلق الامريكيون للايرانيين العنان من اجل ان يملؤوا الفراغ في العراق وكما وعد رئيسهم احمدي نجاد ؟! وهل سيملأ هذا الفراغ بالرياحين والورود الايرانية كما ملأته الرياحين والورود الامريكية من قبل ! ام سيملأ بالدم والمال الايراني وغير الايراني ؟! هل حقا امريكا تقدم العراق هدية سخية وعلى طبق فضي " لحبيبتها " ايران !! ام ان السم الذؤام قد ملأ الطبق بما يحويه ؟! من سيكسب اللعبة ؟ هل امريكا ودول الغرب الاخرى ستبقى متفرجة امام الايرانيين وهم يحتفلون بكسب معركة العراق ام ان وقت الحساب العسير لم يحن بعد ؟! ربما الذي سيحصل في المستقبل من فتن جديدة في العراق وبكل ما يحيط العراق من دول الجوار هو امتداد حي لفتن امريكية قائمة في هذا البلد اليوم .
4- الامريكيون يعلمون كما يعلم كل العالم بان تقسيم العراق الى اقاليم منفصلة يعني قيام دولة كردية في شمال العراق , وهذا هو خط احمر تعتد وتتمسك به تركيا كما تعتد وتتمسك به سوريا وايران . والديمقراطية المستحدثة في العراق ستؤدي عاجلا ام اجلا الى هذا الانفصال ان بقيت الامور تراوح على حالها دون تدخل قدرة قادر ! وهكذا فان نشوء دولة كردية في العراق يعني نشوء دولة كردية في العراق يعني نشوء نواة كردية تستطيع ان تستقطب الجهود والمساعي في ارساء قاعدة ومنطلق للاكراد الاخرين في المناطق الكردية المجاورة . سيكون مع الاكراد في تركيا وسوريا وايران من اجل الاستقلال حثيثا وستستعمل كافة السبل والطرق من اجل تحقيق ذلك بما في ذلك الاعمال العسكرية وبكل اشكالها . لقد بدأت بوادر هذا السعي تلوح في الافق اليوم , حيث نرى مدى التوتر الحاصل بين الاتراك والاكراد على حدود العراق الشمالية .
تحشيد قوات تركية ضاربة على الحدود العراقية – التركية يعني نية تركيا باجتياح مناطق في شمال العراق سواء كان ذلك عاجلا ام اجلا , هذا الاجتياح سوف يفرز الكثير من التساؤلات والاستفسارات وسوف يزيد من قرائح المحللين السياسيين في طرح تصوراتهم ووجهات نظرهم : هل سيكون الاجتياح التركي لشمال العراق بمباركة امريكية ام انه تمرد على الادارة الامريكية في هذا الشأن ؟ وان كان هذا الاجتياح مخالفا لرغبة امريكا , فما الذي سيحصل اليوم بين حلفاء الامس ! وما علاقة ما يحدث على الساحة بتصرفات احدى لجان الكونغرس الامريكي التي اعترفت بتعرض الارمن للابادة الجماعية على يد الاتراك منذ ما يقارب المائة عاما ؟ ولماذا يكثف حزب العمال الكردستاني هجماته على تركيا اليوم ؟ هل هدف تركيا من هذا الاجتياح , ان حصل , هو تنظيف المنطقة من اعضاء حزب العمال الكردستاني فقط ام انه حجة لتواجد دائم ومستمر في هذه المنطقة ؟ وماذا سيكون ردود افعال دول جوار العراق وهم يرون تركيا تحتل شمال هذا البلد ؟! جميع هذه الاسئلة الشائكة ربما تحمل اجوبة شائكة ايضا قد لا ترضي الذين يحرصون على سلامة العراق وعلى وحدة اراضيه .
5- محنة العراقيين لم تقتصر على ضياعهم في متاهات الداخل العراقي فحسب , انما سيدفع العراقيون ايضا ثمن نتائج الصراعات القائمة حاليا او التي ستقوم في المستقبل القريب بين امريكا وايران في شأن التقنية النووية الايرانية من جهة وبين امريكا وسوريا بشأن الاوضاع المتازمة في لبنان من جهة اخرى . وان كان انشغال امريكا في العراق قد اجل الاجراءات الامريكية في هذه الشؤون في الوقت الحاضر , فهذا لا يعني ابدا اسدال ستار النسيان على هذه الامور الاستراتيجية الهامة في السياسة الامريكية الى ما لا نهاية .
الذي يتمحص في الوضع العراقي الحالي مليا يجد بان الفتن الواقعة في العراق هذا اليوم هي اقل واخف من الفتن السابحة في فضاء المستقبل ! حيث سيدفع العراقيون , بالاكراه , ثمنا باهضا لبضاعة الديمقراطية المستوردة والمغشوشة التي حوت في طياتها اعقد المشاكل واصعب المحن .
افكار سته رئيسية تحرك السياسة الخارجية الامريكية
مبدأ"لا صوت يعلو على صوت المعركة "الذي تستخدمه الادارة الامريكية بنجاح منذ احداث سبتمبر لتركيز الجدل السياسي الأمريكي الداخلي حول قضايا الأمن ولتهميش أية معارضة داخلية لسياسة الادارة الأمريكية الداخلية والخارجية لم يحول دون ظهور بعض التحليلات التي حاولت فهم الاتجاه الذي تسير به السياسة الأمريكية الخارجية والمصير الذي تقود إليه أمريكا نفسها والعالم .وقد ساعد على ظهور هذه التحليلات عدة عوامل على رأسها مرور قرابة عامين منذ ان تولى جورج دبليو بوش الحكم ،وأن هذين العامين شهدا العديد من الأحداث المهمة التي غيرت إلى حد كبير مسار وأدوات السياسة الخارجية الأمريكية ،وأن الادارة الأمريكية نفسها سعت الى وصف وتحليل هذا التغيير من خلال كتابات وتصريحات مهمة صدرت عن كبار مسئولي الادارة الأمريكية خلال العامين السابقين ،كان على رأسها صدور تصور جديد لمبادئ الأمن القومي الأمريكي والذي اصدرته الادارة منذ اسابيع قليلة .اضف الى ذلك قضية العراق وما فرضته من جدل واسع داخل الأوساط السياسية والشعبية الأمريكية حول وجهة السياسة الخارجية الأمريكية .وقد قدمت هذه التحليلات محاولات مختلفة لفهم مسار السياسة الخارجية والأفكار الكبرى التي تسيطر على صانعيها والمهتمين بها خلال الفترة الحالية ،ونهتم هنا بأحد هذه المحاولات وهي محاولة النظر الى السياسة الخارجية الأمريكية في الفترة الحالية كصراع لم يحسم بعد بين ازواج ثلاثة من الأفكار والمبادئ الكبرى المتناقضة ،وهم فكرة العزلة في مقابل التدخل ،وفكرة العمل الفردي في مقابل العمل الجماعي ،وفكرة الأخلاقية في مقابل الواقعية .وبالنسبة لأول هذه الأزواج الفكرية المتناقضة وهما فكرتا التدخل والعزلة ،فالمعروف هنا ان الأمريكيين تاريخياً كانوا أكثر ميلا للعزلة على المستوى الدولي ،ولكن القرن العشرين وخاصة في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية شهد تدخلا واندماجاً امريكيا متزايداً في النظام العالمي وقضاياه ،ومع ذلك مل زال مبدأ العزلة مؤثراً على عقلية وتفكير صانع القرار السياسي الأمريكي في الفترة الحالية ،إذ ينعكس في صدور أساسية منها شعور الأمريكيين بعدم الثقة في مواقف حلفائهم وشركائهم الدوليين بما في ذلك حلفاء أمريكا الأوروبيون أنفسهم ،ومنها أيضاً عدم رغبة الأمريكيين في تحمل تكاليف عالية لاتباع سياسة خارجية تدخلية وخاصة إذا كانت هذه التكاليف هي تكاليف بشرية في أرواح الجنود الأمريكيين ويقول البعض ان احداث الحادي عشر من سبتمبر حسمت هذا الجدل في صالح أنصار التدخل ،لأن هجمات 11 سبتمبر أثبتت للأمريكيين أنهم ليسوا بعزلة عن العالم وما يحمله من أخطار ،كما انها فرضت على أمريكا حرباً طويلة ضد الإرهاب ما زالت منغمسة فيها ،وتحتاج أمريكا خلال هذه الحرب مساندة العالم ولعب دور عالمي نشط لكي تستطيع تحقيق النصر فيها .ولكن هذا التحليل لايحول دون ان يشكك البعض في مدى رغبة أمريكا في كسر عزلتها وتحمل تكاليف لعب دور أكثر نشاطاً وفاعلية على الساحة الدولية ،ويستشهد أصحاب هذا الاتجاه بمثال التدخل الأمريكي في أفغانستان ،ويقولون ان اهتمام امريكا بأفغانستان قل بشكل ملحوظ بعد اسقاط حكومة طالبان ولم يمتد إلى ما هو أهم من ذلك وهو عملية إعادة بناء أفغانستان والتي تعتبر في حد ذاتها ضمانة أساسية لحماية أفغانستان من تجارب مماثلة لتجربة الطالبان ،ويرون ان ذلك يعد دليلا على عدم رغبة أمريكا واستعدادها بعد لتحمل تكاليف لعب دور عالمي أكثر مشاركة وتدخلا .
الزوج الفكري الثاني داخل هذا المنظور الخاص بتحليل السياسة الخارجية الأمريكية هما فكرتا الانفراد والعمل الجماعي ،ويرى المحللون في هذه النقطة ان الولايات المتحدة وخاصة في حكومة الرئيس جورج دبليو بوش تميل بوضوح نحو التحرك الخارجي الفردي وعدم انتظار المجتمع الدولي ومؤسساته ،ويفسرون التحرك الأمريكي في هذا الاتجاه بمبدأ العزلة وما يفرضه من شعور بعدم الثقة في الآخرين أو بجدوى الاعتماد عليهم ،ويفسرونه أيضاً بطبيعة القوة العسكرية الأمريكية في الفترة الراهنة إذ تعتبر بلا منازع القوة العسكرية رقم واحد على الساحة الدولية، الأمر الذي يمكن أمريكا من التحرك العسكري والسياسي على الساحة الدولية دون استشارة أحد .مناصروا العمل الجماعي يرون ان الولايات المتحدة لن تستطيع تحمل تكاليف تهميش دور المنظمات الدولية الموجودة في عالم اليوم وعلى رأسها الأمم المتحدة ،والدور الذي تلعبه وتمثله هذه المنظمات على الساحة الدولية ،خاصة وأن تهميش دور هذه المنظمات والمجتمع الدولي سوف يعطي الجماعات والدول المعادية للولايات المتحدة فرصة أكبر للعمل وسوف يحد من قدرة أمريكا على الوصول الى هذه الأطراف والاحاطة بها،بالاضافة إلى ذلك يرى اصحاب هذا الاتجاه ان الولايات المتحدة قد تعتبر القوة رقم واحد على الساحة العسكرية ولكن على الوضع الاقتصادي الأمر مختلف إذ تحتاج أمريكا العالم في تحمل تكاليف عملياتها العسكرية وفي إعادة تعمير الدول والمناطق التي تريد الولايات المتحدة تغييرها .ويشير المحللون إلى كولن باول كراعي اتجاه العمل الجماعي داخل الادارة الأمريكية الراهنة ،ويعتبر موقفه من حرب أمريكا ضد العراق واقناعه للأدارة الأمريكية بضرورة الذهاب إلى الأمم المتحدة أولا قبل التحرك العسكري ضد العراق نموذجاً لانتصار أصحاب اتجاه العمل الجماعي،ولكن يعتبرالبعض هذا الانتصار محدوداً نظراً لقوة وتعدد ممثلي توجه العمل الفردي داخل الادارة الأمريكية وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي ذاته كما يرى الكثيرون ،والأمر الذي قد يحصر دور كولن باول في عملية تبرير وإضفاء الشرعية الدولية على سياسة أمريكية أكثر انفرادية على المستوى الدولي .
الزوج الفكري المتناقض الثالث هما فكرتا الأخلاقية والواقعية،وتعني الفكرة الأولى ان الولايات المتحدة في سياستها الخارجية سوف تولي اهتماماً متزايداً بالقضايا الأخلاقية مثل حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية والحرية في العالم،وأن حرب أمريكا الراهنة ضد الإرهاب لايجب أن تغفل أبداً هذه المبادئ،ويرتبط هذا المبدأ بقوة بأفكار وتوجهات المحافظين الجدد،ومن هذا المنطلق صرحت مستشارة الأمن القومي الأمريكي السيدة كنودليزا رايس مؤخراً بأن أمريكا تهدف الى احلال الديمقراطية في العالم الأسلامي .في المقابل يهتم الواقعيون بتحقيق مصالح الولايات المتحدة بشكل اساسي من خلال النظر إلى العالم وإلى الساحة الدولية من خلال منظور صراع القوى لا صراع المبادئ،ويرفض هؤلاء الافراط في الحديث عن الأهداف الفكرية والمثالية لسياسة الولايات المتحدة الخارجية ،وينتمي الى هذا المعسكر عدد كبير من صناع السياسة الخارجية القدامى والحاليين،وعلى رأسهم شخصيات مثل هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي السابق،وديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الحالي ،ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الحالي .والواضح هنا ان الاتجاه الأخلاقي على الرغم من ارتباطه بمن يسمون بالمحافظين الجدد الذي يمثلون تكتلا قوياً داخل الحكومة الأمريكية الراهنة ،إلا انه يعتبر في موضع اكثر ضعفاً من التيار الواقعي،وذلك لأن التيار الواقعي أكثر تأثيراً على السياسة الخارجية الأمريكية تاريخاً،كما ان سياسة الولايات المتحدة الخارجية تعاني من تناقضات أخلاقية كبيرة وعديدة وعلى رأسها موقف أمريكا المنحاز من قضية الشرق الأوسط،والتي يصعب تصور حلها في الفترة الراهنة لكي تتمكن السياسة الخارجية الأمريكية من أن تكون سياسة أخلاقية بمعنى حقيقي .وفي النهاية وإذا حاولنا جمع وتلخيص الأفكار المطروحة في المنظور السابق ما تفرضه من معاني وانعكاسات على توجه صانع القرار السياسي الأمريكي،فيمكن القول ان المنظور السابق حول تقديم صورة معقدة ديناميكية للسياسة الخارجية الأمريكية،ولم يرد حسمها لصالح توجه بعينه أو فكرة بعينها من الأفكار والمبادئ المؤثرة على توجه صانع القرار السياسي الأمريكي في الوقت الراهن،ولكننا ايضاً – ويهدف التلخيص والوصول إلى النتائج محددة – يمكن القول انه وفقاً للمنظور السابق يمكننا الوقوف على الخلاصات المهمة التالية :
1- تركيز الولايات المتحدة المتزايد بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 على قوتها العسكرية كوسيلة لتحقيق أهدافها الخارجية دفعها إلى توجه أكثر فردية وتدخلاًوربما واقعية على الساحة الدولية ،ولكن نجاح الولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب يفرض عليها الاعتماد المتزايد على دول العالم في مراحل مختلفة من هذه الحرب،وخاصة في تتبع الجماعات المطلوبة من قبل الولايات المتحدة ،وفي جهود إعادة تعمير الدول وإحلال السلام بعد فترات الحروب .
2- آخر شيء قد تحتاجه الولايات المتحدة في الفترة الحالية هو المبالغة في التدخل والفردية والواقعية وفرض إرادتها على الدول إلى الحد الذي قد يدفع دول وشعوب العالم الى الدخول في حالة أشبه بحالة "عدم تعاون عام غير عنيف "وهو مبدأ معروف في علوم حل المنازعات بالطرق السليمة،وأعني بذلك ان دول العالم تحت الضغط والتدخل الأمريكي المتزايد قد لا تقوم بإعلان معارضتها صراحة للولايات المتحدة ،بل تكتفي بإعلان تعاونها من ناحية وتتخذ في الواقع موقفاً سلبياً لا هو مؤيد أو معارض وتترك للولايات المتحدة مهمة التدخل في كل مكان في العالم لملاحقة الجماعات التي تعتبرها معادية لها وهي المهمة التي يستحيل على أية دولة من الدول العالم تحقيقها بمفردها مهما بلغت قوتها .