الهجرة الجماعية الكبيرة للشباب العربي وللعوائل العربية من العراق وسوريا هرباٌ من جحيم الحروب والقتل والتدمير مأساة ما بعدها مأساة يندى لها جبين الإنسانية لكن للأسف الشديد لا يندى لها جبين سياسيينا و حكامنا ولا الحكام العرب ولم يعيروا أي اهتمام لما يجري لشبابنا وعوائلنا من مآس وكوارث و في الوقت الذي تعاطفت كل دول العالم مع هذه الهجرة الجماعية فان سياسيينا وقادة دولنا العربية الإسلامية لم يتخذوا أي إجراء حقيقي يضع حدا لهذه الهجرة أو يخفف معاناة المهاجرين وما يتعرضون له من مآسي وكوارث، المستشارة الألمانية ميركل قالت سيذكر التاريخ للأجيال إن دول أوربا المسيحية تستقبل المهاجرين العرب المسلمين بدلاٌ من أن تستقبلهم الكعبة في توبيخ واضح للمسلمين وللعرب،وقالت أيضاٌ أنها لن تعيد أي لاجئ قصد ألمانيا بعد أن عبر العديد من المراحل المميتة وسنؤمن له الحماية والرعاية ، وزير خارجية فرنسا دعا المجر وباقي الدول التي تشكل ممراٌ للمهاجرين الى إزالة الأسلاك الشائكة وتسهيل مرور المهاجرين لأن وضع الأسلاك انتهاكاٌ لاتفاقات دول الاتحاد الأوربي وانتهاكاٌ لحقوق الإنسان رؤساء وزارات السويد وأيسلندا والدنمارك بادروا مبادرات إنسانية لمساعدة المهاجرين العرب في محنتهم ولم نسمع من سياسيينا أو الحكام العرب أي مبادرة بصدد هذه المأساة الكبيرة التي هزت العالم كله لأن سياسيينا و قادة الدول العربية هم سبب هذه المأساة فالعرب بأموالهم وأسلحتهم أسقطوا حكم القذافي وحولوا ليبيا الى عصابات وجماعات تتقاتل فيما بينها وهم الذين ساعدوا المتطرفين أمثال داعش والنصرة وغيرها وأمدوهم بالأموال والسلاح ليقاتلوا الجيش العربي السوري الحصن الوحيد المتبقي في مواجهة الكيان الصهيوني فدمروا سوريا شعباٌ وتاريخاٌ وبنى تحتية وهجروا الملايين من شعبها وحولوها الى أنقاض دولة خدمة للصهيونية ولأمريكا وهم الذين يدمرون اليمن حالياٌ لنفس الأسباب وهم الذين فتحوا حدودهم وبلدانهم وقواعدهم للقوات الأمريكية لتغزو العراق قبل ذلك فدمرته وحولته الى طوائف وقوميات تتصارع بينها من أجل النفوذ والمال والسلطة فأصبح هيكل أو شبح دولة كانت في يوم من الأيام أقوى دول المنطقة واليوم الملايين من أبنائه مهجرين ونازحين داخل وخارج بلدهم ، لهذه الأسباب لم يبادر سياسيينا ولا قادة العرب أية مبادرة لوقف نزيف الهجرة العربية الى الغرب أو مساعدة أخوانهم العرب المسلمين في مأساتهم ومحنتهم وهجرتهم المحفوفة بالمخاطر والمهالك والتي أودت بحياة الآلاف منهم غرقاٌ وقتلاٌ وعطشاٌ وجوعاٌ.
ولنسأل الحكام العرب (المسلمين) وشعوبهم المتنعمة المتخمة ألم يقرؤوا في مناهجهم وكتبهم الدينية أن المسلم أخا المسلم ،وإنما المؤمنون أخوة ، ومثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وكل المسلم على المسلم حرام ودمه وماله وعرضه ، ألم يقرؤوا القران الكريم ويتمعنوا بآياته التي تدعو الى التراحم والتعاطف ومساعدة المحتاج وكسوة الفقير وإطعام الجائع وإيواء المشرد ومساعدة الفقراء والمحتاجين وحماية الضعفاء ونصرة المظلومين أم إن القران الكريم والأحاديث النبوية هي مجرد كلام و شعارات تصدح بها إذاعاتهم ومحطاتهم الفضائية ومساجدهم من الصباح حتى الفجر وتعج بها كتبهم ومناهجهم الدراسية ومساجدهم الفارهة دون تطبيق عملي ، فالإسلام عند هؤلاء مساجد فخمة وكتب ملونه وبرامج ممتعة ولحى ومسبحة وصلاة وحج وزكاة فقط ،الإسلام أكبر من ذلك أيها المتأسلمون، الإسلام منهج عمل متكامل أساسه الرحمة والعفو والمغفرة والتعاون والتكافل الاجتماعي والمساعدة وإغاثة الجياع وإنصاف المظلومين وسد حاجة المحتاجين وحماية الضعفاء ثم تأتي العبادات بعد ذلك ،فهل من العدل والإنصاف أن تستقيل الدول التي يسموها المتشددون والسلفيون بالدول الصليبية الكافرة آلاف المسلمين يومياٌ أطفالاٌ أبرياء بعمر الورود ونساء ورجال وشباب وتمنعهم الدول العربية المتشدقة بالإسلام من دخول بلدانها ؟ وهل من مبادئ الإسلام أن يأوي (الصليبيين) كما يسمونهم مئات الآلاف من المسلمين الفارين من جحيم المسلمين أنفسهم ويقدموا لهم المسكن والملبس والطعام مجاناٌ والاهم من ذلك كله يوفروا لهم الأمان الذي فقدوه في بلدانهم والمسلمون العرب يتفرجون عليهم من خلال الفضائيات كيف يغرقون في بحار الموت ويموتون جوعاٌ في أرض الغربة ويأبى العرب (أهل الشهامة والكرم والضيافة والأموال الطائلة) أن يضيفوهم ويفتحوا لهم بلدانهم ؟ ولماذا لم تبادر جامعة الدول العربية لإيجاد حلول لازمة المهاجرين عربياٌ والدول العربية لديها الإمكانات الكبيرة لاستيعاب الملايين منهم عن طريق بناء مدن متكاملة في أراضيها الشاسعة؟ ولماذا لم تبادر السعودية ودول الخليج العربي الأخرى لاستيعاب أعداداٌ من هؤلاء المهاجرين وتؤمن لهم السكن المعيشة ووسائل الحياة امتثالاٌ لمبادئ الدين الإسلامي والأخوة العربية لحين انتهاء الحروب الأهلية في دولهم والتي كانت السعودية ودول الخليج السبب الرئيسي في إشعال نيرانها والأقربون أولى بالمعروف كما يعرف ذلك و يفهمه جيداٌ قادة دول الخليج ؟
إن مأساة المهاجرين العرب باتت مشكلة دولية تستوجب تدخل الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل المنظمات الإنسانية الدولية والجماهيرية وكل دول العالم وفي المقدمة منها دول الخليج العربي لإيجاد الحلول اللازمة لها وأول وأهم هذه الحلول البدء بمشروع دولي وعربي فاعل لإيقاف الحروب والقتال في الدول العربية التي أنهكتها الحروب وكانت السبب الرئيسي لهجرة أبنائها والعمل على إعادة أعمار تلك الدول من قبل المجتمع الدولي كما حصل في مشروع مارشال لأعمار أوربا بعد الحرب العالمية الثانية ومساعدتها على النهوض والتعافي والبناء وتجاوز مآسي الحروب ونتائجها المدمرة وبغير ذلك ستستمر الهجرة بل وتزداد وتتصاعد وتيرتها وتزداد تداعياتها ليس على الدول العربية صاحبة المشكلة أو الدول الأوربية التي تستقبل المهاجرين بل على المجتمع الدولي أجمعه .
مقالات اخرى للكاتب