حمل يوم 21 ديسمبر 2012نبؤة نهاية العالم . وبعد مرور اربعة أعوام ها هو العالم بخير ولم تتزحزح بيوت الطين قي قرى جنوب العراق، ولم يشاهد أي اختلاف في شموخ برج ايفل ، فيما ظل برج خليفة في دبي ينتظر عمال التنظيف البنغال ليدهنوا جدرانه بمانع رطوبة البحر المالح الذي يؤثر على لون واجهته. أمي أيضا لم تشعر بأي اختلاف في جهة القِبلة وهي تصلي . لقد ظلت الكعبة في ذات الاتجاه.
كما بقيت قبة كنيسة المهد في مكانها. ومعابد البوذيين في التبت لم يطرأ على معالمها أي شيء، وبإمكان كولمبس وأبن بطوطة أن يعاودا رحلاتهما الاسطورية ولن يشعرا بأي اعصار يهاجم سفن المغامر الاسباني او رمال متحركة تبتلع الرحالة الطنجاوي وناقته.
لقد وضعنا حسابات شعب المايا الفلكية في خواطر الخوف والفزع حد الذي جعل البنتاغون يعطل الرحلات التدريبية لطائرات اف 18 في هذا اليوم. والبابا يهجع الى مكتبته.
كنت أدرك كما غيري من المؤمنين والعلمانيين أن لا شيء سيحدث، فالقيامة أو بعض منها كما ارى مرهونة بطيش نووي كوري شمالي أو جنون ثمل لأمريكي أو روسي من ماسكي الزر الاحمر لمنظومة السلاح النووي أو البيولوجي، وغير هذا الافتراض الارعن فالعالم سيبقى بألف خير عدا ما تناله الارض من بعض سويعات توسينامي أو قصف مدفعي على احياءٍ ثائرة في ربيعنا العربي أو فتوى سوداء يطلقها داعشي يدعى ( البغدادي ) ، ويقال أن اسرائيل ربما في عام قريب ستعيد الكرة على المفاعل الإيراني كما فعلتها على مفاعل تموز في منطقة التويثة جنوب بغداد عام 1981.
الكل تحصن بما يعتقد أنه سيحميه من هذا اليوم الافتراضي لنهاية العالم، الأمهات الى صلاتهن، والعصافير الى اعشاشها، والربابنة الى قاع السفينة، والرئيس الى ملجئه الكونكريتي المحصن، والفلاح الى ظل النخلة، والشاعر الى قصيدته.
فقط متشرد بوهيمي من أصل تونسي يسكن مدينة زولنكن الألمانية حمل حقيبته وفراشه وقال سأذهب الى مكان اشعر أنه وحده من يحميني من هذا اليوم المنحوس وكان يقصد الواح الورد الخريفي في الحديقة العامة للمدينة التي عندما تراها في الربيع تشعر أن الجنة هنا وليس في أي مكان آخر من العالم. وهذه الحديقة الساحرة هي من اقضي فيها اماسي الصيف المنعش انا وحاسوبي لأكتب هناك فصول رواياتي وكتبي عن عالم الأهوار.
هذا البوهيمي جلس وسط سوق المدينة وكتب قي ورقة كارتونية : من يريد النجاة غدا فليأتي معي. والغريب أن الكثير من الشباب وافق على الذهاب الى حديقة المدينة وقضاء يوم النبؤة هناك، وكما يقول صاحب فكرة الاحتماء بالورد من الكارثة: أن الموت بين الواح الورد يشبه جمال الموت بين يدي من تحب.
عبارة ايروتيكية ساخنة اعتبرتها تحديا للقلق الذي كان يسكن ذاكرة العالم من هذا اليوم المنحوس. وربما هي وحدها من جعلتني لا اهتم لقلق واحدة من بناتي التي ظلت تتابع وبشغف وخوف اخبار اليوم الموعود، ومثل ابناء المدينة حملت غطاء ليل التحفُ فيه والتحقت مع هذا البوهيمي المغاربي وذهبت لأتوسد الورد تاركا بيتي وعائلتي التي فضلت الذهاب للقضاء الليل في حسينية قريبة في مدينة كولونيا بعد ان رفضوا المجيء معي لنقضي آخر ليلة في اعمارنا ونحن نشم عطر زهور الخريف في برد لا يحتمل.
في الصباح اشرقت الشمس. لم يحدث شيء. كان هناك سرب من عصافير رمادية وبأحجام صغيرة يزقزق فوق رؤوس النائمين...
نهض البويهمي كما قيصر منتصر وهتف بين الجميع: كنت اعرف أن الورد سيحمينا....!
مقالات اخرى للكاتب