استطيع القول ان الاهتمام بموضوع الدولة وسيادتها تستحق ان نبحث ونكتب بقلوب وطنية وبأفكار وطنية .الا ان المعطيات التي نتناولها يمكن ان ينطبق على علاقة الدولة وسيادتها بموضوع السياسة والقانون ,ولا سيما في اطار تطور الفقة القانوني الدولي .وان اهم النظريات الخاصة بمسألة السيادة ومفهومها القانوني .نتوقف بأطالة حول الوضع العراقي ,الامر الذي كان الخيط الرابط لعموم بحثنا ,وخصوصاً انها تناولت بعض مظاهر الازمة الداخلية العراقية ,منذ اعلان احتلال الامريكي للعراق عام 9/4/2003 ولغاية الأن,متوقفة عند معاملة الشعب – الامة (الدولة)في الحالة العراقية ,ولا سيما التركيبة الدينية والطائفية .واذا ما مررنا بدساتير العراقية وبميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي .الذي حدد الهوية العامة للعراق باعتبار العراق دولة ذات سيادة (ذا وجه عربي )فان مثل هذا الأمر ,وبخاصة في ظل التوازنات الجديدة الحاصلة ,قد اثر في مستقبل العراق ,وسيبقى مؤثر وعنصر احترام في الوضع العراقي ,ان لم يجر اعتماد صيغة شاملة للأصلاح ,باتفاق جميع الفقراء .ومثل هذا الأمر لا يتعلق بالوضع العراقي الداخلي .بل ان علاقة وثيقة بالوضع الأقليمي ,وبارتباطات العراق الدولية ,وبتوازن القوى على المستوى العالمي .ان دخول العراق في حرب دار اكثر من ثمانية اعوام مع ايران ,ودخول العراق الى الكويت بدون مقاومة دار اكثر من سنة ,تركت بصماتها على الوضع الراهن ,فضلاً عن المؤشرات مهمة لامكانية التأثير في المستقبل ,خصوصاً في ظل توازن القوى الحالي ,وانعكاس ذلك على السيادة العراقية .وبودي ان اشير الى ان مفهوم السيادة كان قد حصل فيه تطور كبير منذ بداية القرن الماضي ,ولا سيما بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ,اذ لم تعد السيادة حقاً مطلقاً للدولة ,ولم يعد بامكان اي دولة ان تشن حرباً اذا اقتضت مصالحاً القومية ذلك ,لتحقيق مأربها السياسية او رغبتها الاقتصادية ,كما كان الأمر في عهد القانون الدولي التقليدي .فالحرب اصبحت تدريجياً محرمة ,مثلما تم تقنين وتقييد استخدام القوة في العلاقات الدولية, منذ عهد عصبة الأمم ,مروراً بميثاق (بريان كيلوك ) (ميثاق باريس)لعام 1928, ووصولاً الى ميثاق الأمم المتحدة ,الذي تم اقراره في مؤتمر سان فرانسيكو عام 1945 ,والذي حرم استخدام القوة الا في حالة الدفاع عن النفس ,وفي اطار التحرر الوطني ,ومن اجل حق تقرير المصير ,كما اعتمدت السيادة مبدأ اساس من مبادئ الامم المتحدة والقانون الدولي المعاصر ,اضافة الى المساوة في الحقوق ,وحق تقرير المصير وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ,وغيرها من المبادئ التي جرى تقنيتها في اطار اعلان الامم المتحدة حول العلاقات الودية بين الدول ,والذي عرف ب(اعلان التعايش السلمي )الذي صدر عام 1970 .وقد اضافت وثيقة صدرت عن مؤتمر هلستكي للأمن الأوربي بحضور 33 دولة اوربية ,اضافة الى الولايات المتحدة وكندا في العام 1975 ,ثلاثة مبادئ اساسية الى قواعد القانون الدولي ,وهي احترام حرمة الحدود ,واحترام وحدة الأراضي واحترام حقوق الأنسان ,التي تعتبر تطورياً مهمة للقانون الدولي ,وقد جاء دورها بعد انحلال نظام القطبية الثنائية في اواخر الثمانينات .ان الدول باقرارها التعاقد والاشتراك في المنتظم الاممي تكون قد تنازلت عن جزء من سيادتها لحساب المجتمع الدولي ,وهو الأمر الذي توفرت العدالة فيه لكان يمكن توظيفه ايجابية لمصلحة الشعوب الضعيفة والدول الصغيرة . واذا كان النظام الدولي الجديد الذي نشأ في اعقاب نظام القطبية الثنائية ,وانتهاء عقد الحرب الباردة ,وتحول الصراع الايديولوجي من شكل اخر ,ولاسيما باختيار السلام عددا (بعد انحلال الأنظمة الشيوعية الدولية ) وقد بشر بعض القيم الايجابية التي تقوم على التعددية واجراء الانتخابات واحترام حقوق الانسان وحرية السوق الا انه لم يكن اكثر عدالة من سابقه ,خصوصاً في التطبيق العلمي . بل انه بفعل العولمه والانفراد في القرار الدولي صار اكثر توحشاً ولا انسانية ولا سيما بعد احداث (ايلول /سبتمبر الارهابية الاجرامية التي حصلت في الولايات المتحدة عام 2001 ولعل التجاوز على مفهوم السيادة التقليدي قد اتخذ منحنيين :الأول هو الاستخفاف به طالما يتعارض مع مصالح القوى الدولية المتسيدة والمتنفذه في العلاقات الدولية, وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ,والثاني هو استخدام ما يسمى بالتدخل لأغراض انسانية على نحو يتعارض في الغالب مع مصالح الشعوب وتطلعاتها في الانعتاق والحرية والتخلص من الأستبداد .ولعل تجربتي افغانستان والعراق, ومحاولات الضغط باتجاه التسوية مع اسرائيل ,وتطويق ايران والتلويح بضربة عسكرية ضدها .ناهيكم عن فرض حصارات وشن عدوانات وحروب بل الاستخفاف ايضاً بمئات الملايين من البشر الذين يعيشون دون خط الفقر ,وبدخل لا يزيد يومياً على دولار واحد .يضع جميعها علامة استفهام كبيرة حول الاستخدام غير العادل لمفهوم التدخل الانساني وتوظيفه لاغراض مصلحة وانانية وعدوانية . ان الحاجة تكاد تكون ماسة الى تدخلات دولية تتجاوز مسألة السيادة الدولية, خصوصاً اذا استهدفت الحفاظ على البشر .وهي مسألة مطلوبة .بل ملحة ايضاً , وذلك بتأمين حماية حقوق الانسان ,.لكن هذه المسألة لا يربطها ربط بالحروب او بالتدخل العسكري او بفرض الحصار الاقتصادي او باذلال الشعوب ,كما انه لا يمكن لأحد ان ينصب نفسه حاكماً اممياً بلا منازع .ويحتكر العدالة وحده ,ويقوم بتنفيذ ما تقتضيه مصلحة الشعوب او متطلبات القانون الدولي والعدالة الدولية ,الأمر الذي جعل العالم محكوماً من جانب قوة متفردة ومتسيدة لا تحدها حدود .اذ كان التدخل الأنساني ضرورياً لحماية البشر ,وتأمين احترام حقوق الأنسان وانقاذ شعوب وجماعات تعاني القتل والتطهير العرقي والديني والمذهبي ومجازر جماعية. فان هذا الأمر يحتاج الى قرار دولي تستند فيه الشرعية الدولية الى قواعد القانون الدولي المعاصر ,وليس بالضد منها ,حيث يسود الوضع الدولي نظام متعسف يتعامل بطريقة انتقائية وبمعايير مزدوجة .ففي حين يتم تشجيع المعتدي في فلسطين المحتلة ,وتجنب لوم اسرائيل ,وفي الوقت نفسه اتهام الضحية بالأرهاب الدولي وفي حين يفرض حصار على العراق لمدة ثلاثة عشر عاماً, تشن حرب عليه خارج نطاق الشرعية الدولية ,وبالضد من قواعد القانون الدولي ,بحجة وجود اسلحة دمار شامل ,لديه وعلاقته مع تنظيم القاعدة ,فضلاً عن وجود نظام استبدادي فيه لا يحترم حقوق الأنسان يقوم الاحتلال وما اعقبه من تشكيلات بانتهاكات فيه لا يحترم حقوق الانسان يقوم الاحتلال ,وما اعقبه من تشكيلات بانتهاكات لمبادئ القانون الدولي عبر اعتقالات لا تحترم فيها حقوق الأنسان ,وهو ما فضحته وسائل الاعلام الغربية ذاتها ,كما حصل في سجن ابو غريب ,اضافة الى السجون السرية الطائرة, والسجون السرية العائمة ناهيكم عن عدم اكتشاف وجود اسلحة دمار شامل او علاقة مع تنظيمات القاعدة .كان بودي لو خصصنا فقرة لنبحث في موضوع التدخل الانساني نظرياً خصوصاً بعد حرب الخليج الاولى وصدور القرار المرقم (688)في نيسان عام 1991 ,وهو القرار الوحيد الذي انتصر فيه الشعب العراقي من بين جميع قرارات الأمم المتحدة المحجفة والمذلة ,التي فرضت الحصار الدولي الجائر على العراق ,والذي راح ضحيته ما يزيد على مليون وستمئة وخمسين الف مواطن عراقي .ان القرار اليتيم ذا الرقم (688)كان قد دعا الى وقف القمع في المنطقة الكردية وبقية مناطق العراق ,واحترام الحقوق السياسية لجميع المواطنين ,لكن هذا القرار ظل تائهاً في بورصة المساومات الدولية ,وهو القرار الوحيد الذي لم يصدر ضمن الفصل السابع الخاص بالعقوبات ,وكانت حجته القانونية أدنى من القرارات الأخرى وهو دليل جديد على الازدواجية والانتقائية ايضاً ,فقد كانت واشنطن تصر على تطبيق قرارات مجلس الأمن جميعها باستثناء هذا القرار وتصر على ارسال بعثات التفتيش الدولية عن اسلحة الدمار الشامل ,وقد اتضح زيف هذه الأدعاءات لاحقاً ,في حين ظل القرار المرقم (688)مهملاً ويتيماً وتائهاً ومنسياً ,حتى وقع العراق تحت احتلال في 9/نيسان /2003 قد يكون هناك تعارض بين مفهوم السيادة ومفهوم التدخل ,لكن التدخل اذا كان لأغراض انسانية حقة سيصيب في اطار الشرعية الدولية ,وسيتوافق مع قواعد القانون الدولي, وليس العكس ,ولعله سيسهم في انقاذ شعوب وبشر ,خصوصاً باعتبار ان الأنسان هو اثمن مخلوق على وجه الأرض ,وهو اسمى من كل شيء,بل انه معيار كل شيء ,وعلى حد تعبير الفيلسوف الأغريقي بروتوغوارس .واذا كنا نطالب احياناً بوقف مجازر او بشاعات او حروب او اعتداءات ,وفقاً لأعتبارات انسانية ,فان هذا المعيار الذي يحكمنا عند الحديث عن السيادة ايضاً ,ولعله موضوع اشكالي وما زال الفقة القانوني والسياسي الدولي يخوض نقاشات وجدالات بشأنه ,لكن اعتبار مبادئ حقوق الأنسان عدة مركزية في القانون ,ليس على الصعيد الداخلي فحسب ,بل على الصعيد الدولي ايضاً قد دفع الأمور باتجاه بلورة قاعدة جديدة على الصعيد العلاقات الدولية ,وهي قاعدة التدخل الأنساني ,التي تستمد شرعيتها من القاعدة الاساسية وهي قاعدة حقوق الأنسان ,باعتبار قاعدة امرة ملزمة في القانون الدولي .عندما نقول ان المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤولية ازاء استمرار اغتصاب الصهيونية لفلسطين ,وازاء عدوان اسرائيل المتكرر على لبنان ,واستمرار احتلال مرتفعات جولان السورية واستمرار ضم القدس .واستمرار بناء المستوطنات واستمرار مشكلة اللاجئين وحق العودة ,واستمرار شفط المياه العربية وغيرها فأننا نعني بذلك التدخل لأغراض انسانية ,وهو الأمر الذي ينطبق على مطالبة المجتمع الدولي بتحميل المسؤولية ذاتها ازاء احتلال العراق .وذا حاولنا ان نتناول بعض المفاهيم القانونية باسناد السيادة الى الشعب مضيفة دور المقاومة وحقها الدفاع الشرعي عن الكيان الوطني لاية دولة محتلة ,هي حق شرعي ,وشرعيتها من القانون الدولي .