نحن شعب يكثر السخرية من دول تأسست بالأمس، والسبب في أن ذاتنا متضخمة بسبب تاريخ بلادنا الطويل. هذه الذات المتضخمة تعمينا عن رؤية الانجازات الحقيقية للدول الحديثة، وهي تدلنا فقط إلى ستة آلاف عام نعتقدها كفيلة بمسح خطايانا، وخطايا الأجيال التي سبقتنا على هذه الأرض، وأخشى أنها ستستمر.
لن أتحدث عن النجاحات التي حققتها دول مجاورة بدأت مشوارها الفعلي بالأمس فقط، وكانت قبل عقدين، وربما أكثر بقليل، تتمنى أن يكون في مدنها شارع واحد يضاهي شارع الرشيد مثلاً. لماذا؟ لأنني سأدخل في متاهة طائفية، وأخرى قومية، أنا في غنى عنها في هذا النقاش..
وسأنقلكم عوضاً عن ذلك إلى أستراليا... هذه القارة النائية، التي أصبحت دولة فيما بعد، في جنوب شرق آسيا، والتي كانت عبارة عن مستعمرات بريطانية قبل أن تصبح ست مستعمرات تكون منها الاتحاد الفدرالي عام 1901. وانتج هذا الاتحاد دولة بنظام سياسي ديمقراطي ليبرالي مستقر هو نظام الكومنولث.
وسأنقل لكم بعض السطور عن هذه الدولة، التي عشت فيها قرابة تسعة أعوام، حيث يبلغ التعداد السكاني فيها حوال 23 مليون نسمة، ويتركز حوالي 60 % من السكان في داخل أو قريب من عواصم الولايات مثل سيدني وميلبورن وبرزبن وبيرث وأديلايد، فيما عاصمتها هي كانبيرا.
وتعتبر أستراليا دولة متقدمة، حيث تأخد المركز الثالث عشر في التقدم الاقتصادي والمركز السادس عشر في تصنيف المؤشر التنافسي العالمي 2010–2011 للمنتدى الاقتصادي العالمي. وتصنف أستراليا في مراكز عالية في العديد من التصنيفات العالمية مثل: التنمية البشرية وجودة الحياة والرعاية الصحية والعمر المتوقع والتعليم العام والحرية الاقتصادية وحماية الحريات المدنية والحقوق السياسية. كما تعتبر أستراليا عضواً في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين ودول الكومنولث وأنزوس ومنظمة التنمية الاقتصادية وإبيك ومنظمة التجارة العالمية ومنتدى جزر المحيط الهادي. وتعتبر أستراليا الأولى في معيار جودة المعيشة خارج أوروبا.
ويعيش في أستراليا مهاجرون قدموا من مختلف أنحاء العالم، ولا يستطيع الزائر لأي من مدنها الكبيرة أن يشعر بأي غربة أو اغتراب، فهو يستطيع أن يعثر على مواطن من أبناء بلده الأم بسهولة، كما أن اللغة الانجليزية، وهي اللغة الرسمية في البلاد، لم تصبح عائقاً لدى أجيال من المهاجرين، فأنت تستطيع العثور على مطاعم كتبت حروف يافطاتها باللغات العربية أو الصينية أو الفارسية أو الروسية... الخ.
كيف قدر لهذه الدولة، التي لا تفاخر بأنها صاحبة ست آلاف سنة من التاريخ، لأن تصبح دولة متقدمة بكل المقاييس، بينما بقيت بلادنا، التي يفاخر شعبها ليل نهار بقصة التاريخ الطويل، تقبع في ذيل قائمة الدول بشكل دائم، وبمختلف الاتجاهات؟ وهل لهذا الأمر علاقة بالهوية الوطنية؟ أم بالذات؟ ثم ما هي الهوية الوطنية، وهل العراقي بلا هوية فيما الاسترالي يمتلك هويته؟ وهل العكس، هنا، صحيح أيضاً؟
لست من دعاة جلد الذات، ولست من الذين يجيدون كيل التهم للآخرين، ولكن حقاً وصدقاً أقول: استمرار ترديدنا لجملة اننا، كشعب، أبعد ما نكون عن التجانس، وبالتالي فشلنا في ترسيخ مفهوم الهوية الوطنية، أفضى بنا إلى أن نتقبل الجلادين والطغاة حكاماً لنا، لمجرد أنهم يرددون ليل نهار أنهم وحدهم من يحمي هويتنا الوطنية.
مقالات اخرى للكاتب