بسم الله الرحمن الرحيم
يمكن الكلام عن فشل قادة واحزاب وقوى سياسية في الاداء والعملية السياسية.. وعن المحاصصة واحتكار مواقع الدولة والمجتمع.. وعن تغلغل الافكار الطائفية والاثنية والضيقة في صفوف هذه القوى.. وعن انفصال حقيقي بينها والجمهور.. وعن المناورات والخصومات والتسقيطات والمستويات الهابطة والاوضاع السيئة.. لكن هذا كله لا يبرر، ولا يعني تجاوز القوى السياسية باعتبارها القاعدة الاساسية للعملية السياسية. واسباب ذلك عديدة.
1- القادة والاحزاب والقوى السياسية المعروفة والكبيرة كلهم، او معظمهم، اصحاب تاريخ وتضحية ونضال وجهاد طويل، ولم يأتوا من فراغ. فيقول قائل، لكنهم لا يحسنون الاداء.. وهذا قد يكون صحيحاً، لكن في مواجهة ظروف صعبة ومعقدة ومتداخلة عراقياً واقليماً ودولياً.. وامام مهام بناء مجتمع ودولة بلغ فيها التخريب درجة عظيمة.. في هذه الاوضاع لا يوجد معلم او مدرسة، ولا يمكن التلقن بدروس حسن الاداء الا بالتجربة والمراجعة. فالقوى السياسية قد حققت منجزات في مرحلة المعارضة، وفي تاسيس النظام الجديد ويجب تسجيل ذلك لها.. وما زالت تتخبط في الادارة والحكم، وهذا ما يسجل عليها.. فاما ان تتعلم الدروس لترتقي بنفسها وباوضاع البلاد، او ستأتي قوى جديدة لتحل مكانها.
2- ما زالت هذه القوى هي الاقدر لكسب الاغلبية الساحقة من الاصوات ومقاعد مجلس النواب، رغم كل ما قيل ويقال. ففي النظم الديمقراطية، بما في ذلك ارقاها، لا يوجد تماهي مطلق بين الجمهور، والقادة او الاحزاب الحاكمة.. وان وجد فلفترة قصيرة. لا يوجد حب خاص ودائم بين الجمهور بمعناه العريض والحزب الجمهوري او الديمقراطي الامريكيين.. او مع حزب العمال والمحافظين البريطانيين.. هؤلاء يحبهم ويتعاطف معهم محازبيهم ومريديهم.. وهؤلاء مهما بلغوا من اعداد تمتلىء بهم القاعات والاحتفالات والمهرجانات، لكنهم لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة من الجمهور الواسع. فيجب الفصل بين الحب والتماهي المطلق من جهة وحقيقة ما سيقوم به الجمهور ساعة الانتخابات، حيث يتقرر مستقبل الحكم من جهة اخرى.
3- سيقول قائل، فلتترك هذه القوى مكانها لغيرها.. وهذا كلام صحيح لكنه ملغوم وسطحي الى حد كبير. فلكي تترك مكانها لغيرها، على هذا الغير ان يظهر على السطح وان يتقدم بجدارة على هذه القوى. فما الذي يمنع قوى جديدة من الظهور؟ فلقد خضنا اكثر من 10 انتخابات محلية ووطنية.. وخاضت الانتخابات مئات القوائم وضمت عشرات الاف الاسماء من شتى الاتجاهات، بما في ذلك من "البعث".. واجواء العراق من حيث الحريات واسعة.. فلماذا لا تظهر هذه القوى الاكثر قدرة في الاداء، والاكثر شعبية وتماهياً مع الجماهير.. والاقل طائفية واثنية ومحاصصة؟ سيقولون انه النظام الانتخابي. ولقد جربنا جميع الانظمة الانتخابية من الدائرة الواحدة، الى القائمة المغلقة، الى المغلقة نسبياً والتصويت للاسماء.. وبالفعل ظهرت بعض الاسماء والقوى الجديدة، لكن القوى المنظمة والقادرة على تعبئة جمهورها بقيت الاكثر حظاً بالفوز. فالطائفية والمحاصصة والاثنية ليست ابتلاءات تنحصر بالقوى السياسية، بل هي امراض وانحرافات يعيشها المجتمع والجمهور بمعناه العريض ايضاً.. امراض جاءت من القوى ونظرياتها ونقلتها للجمهور، او مخزونة في المجتمع فاستغلتها الاحزاب والقوى، لا فرق في ذلك.
4- ان الحملة القائمة ضد الشخصيات والاحزاب والقوى يقوم بها اما البسطاء ومن يهرب من المشكلة ويبحث عن حلول بعيدة عن الواقع، او خصوم النظام السياسي الذين يريدون تحطيم هذه القوى، لعلمهم ان هذه القوى وما تمثله هي العقد الذي يتشكل حوله النظام السياسي. وغياب القوى السياسية او التقليل من شانها ودورها سيقود الى فراغ لن يملؤه سوى الاجنبي او مزيد من الفوضى، او عودة النظام الدكتاتوري والاستبدادي، وهذا امر يعلم الجميع استحالته بسبب الواقع العراقي وطبيعته اليوم.
5- لاصلاح اوضاع البلاد، بل لاصلاح اوضاع هذه القوى، وفتح افضل الاحتمالات لبروز قوى جديدة من داخل القوى او خارجها، لا بديل امامنا سوى الحفاظ على العقد من جهة.. وادخال الاصلاحات الجذرية في ممارسات وافكار القوى السياسية وفي قدراتها في ادارة شؤون البلاد.. وفي تعزيز اجواء الوحدة والعودة الى الدستور والعملية السياسية.. لننطلق من الواقع لتغيير الواقع لا للحفاظ، او للقفز، عليه.
مقالات اخرى للكاتب