شهد العالم منذ عام 1990 تحولا نوعيا وكمياً في القرارات الصادرة من الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن تجاه العراق بعد احتلاله الكويت , مقارنة بحالات احتلال إسرائيل للأراضي ثلاث دول عربية عام 1976 . وصدرت القرارات ضد العراق بهذا الكم والنوع نتيجة عوامل عدة أهمها تبدل البيئة السياسية الدولية بانهيار الاتحاد السوفيتي , وعدم مراعاة العراق أهمية هذا التبديل في صنع القرارات الدولية . وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية بحكم البيئة الدولية الجديدة , الصانع الأكبر لقرارات مجلس الأمن وتوظيفها لأغراض تخدم مصالحها واستراتيجياتها الخاصة . وهذا من وجهة نظري كباحث , ومدى دراستي ومتابعتي للسياسة الخارجية الأمريكية وأغراض وغايات سياسة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية كلها تصب في قالب واحد هي الهيمنة على دول العالم واحتلال ثرواتها , وضرب الأفكار والايديوجيات الاقتصادية الحديثة من اجل تحديد مسيرة البشرية الاقتصادية والاجتماعية على الكرة الأرضية . بالإضافة الى ذلك ان السياسة الأمريكية العدوانية تجاه الشعوب لم تتبدل لحد ألان , فهي واضعة ومخططة للحروب في المنطقة من اجل تشغيل الماكنة العسكرية الأمريكية . وبالتالي هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على سلطة الأمم المتحدة وتسيرها الى مصالحها الخاصة . ومن الناحية السياسية اذا حللنا المواقف التي أدت الى تشجيع صدام حسين بقيام حرية على إيران والكويت , كان موقفاً أمريكيا وبدعم خليجي او ما يسمى بالفتن الأمريكية والتي أراقت دماء وأضعاف الدول المنتجة للنفط اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وفك رابطة الأواصر والجيدة في منطقة الشرق الأوسط . بما ان السياسة الأمريكية تصنع المشاكل والأزمات في هذه المنطقة حتى تتيح لها الفرصة في التدخل بتأثير من الأمم المتحدة ومجلس الأمن وكذريعة لها باحتلال الدول النفطية والغنية بالثروات . ان سبب الضغط على العراق من قبل السياسة الانكلوامريكي ورغبة من القادة السياسيين الأمريكان تقسيم العراق وقطع أجزاء من أراضيها وإعطائها لمن هب ودب وكان سياسة القانون الدولي بعدم التدخل في شؤون الداخلية للدول الأخرى لم يدون في القانون الدولي واحتواء أمريكا لسياسة قانون الغايات من شيمتها ومخططاتها . ولا تتصور أمريكا وأتباعها ان الشعوب نائمة لا تعرف ما يدور حولها . لكن المسلم "ما ينلدغ من جحره مرتين " . ان هذه السياسة التي تمارسوها مع شعبنا , بان ترفعوا عنا الفصل السابع مقابل ان تقطعوا جزء مهم من أرضنا , فهيهات نبقى تحت الفصل السابع مئات السنين ومستقبل الشعب العراقي بيد العراقيين الأوفياء لأراضيهم . وعندما لعبتم اللعبة مع فلسطين المحتلة بالسياسة الخبيثة " الأرض مقابل الأمن " وأشبعتم عملاءكم بسياسة السكوت مقابل المناصب والمال والجاه .
وفي هذا المجال سوف نبين كيفية أقناع صدام حسين على توقيع اتفاقية ترسيم الحدود . وان الظروف المرافقة لقبول العراق بقرار مجلس الأمن 833/ 1993 وتخطيط الحدود . وقبل صدور موافقة العراق على قرار مجلس الأمن 833/ 1993 حدث توتر على الحدود العراقية الكويتية حيث توجهت قوات عراقية صوب الحدود الكويتية وتدخل مجلس الأمن واصدر القرار رقم 949/1994 بتاريخ 15 تشرين الأول 1994 الذي يدين عمليات الوضع العسكري الذي قام به العراق مؤخراً في اتجاه الحدود مع الكويت وطالب العراق بان يكمل فورا سحب جميع الوحدات العسكرية التي وزعت مؤخراً في الجنوب العراقي الى مواقعها الأصلية , ويطالب العراق بالا يستعمل مرة أخرى قواته العسكرية بشكل عدواني او استفزازي لتهديد جيرانه او عمليات الأمم المتحدة في العراق . وكان قد تدخل الاتحاد الروسي لإقناع العراق سحب قواته . وقام وفد روسي يضم وزير الخارجية العراقية للقبول بقرار مجلس الأمن 833 / 1993 من قبل المجلس الوطني ومجلس قيادة الثورة لتسهيل رفع الجزاءات عن العراق كما ورد في رسالة وزير خارجية العراق . الى الأمين العام عند قبول العراق بالقرار المذكور , وتنفيذاً لذلك صدر بلاغ مشترك عن زيارة الوفد الروسي أودع لدى مجلس الأمن برسالة مشتركة من المندوبين العراقي والروسي بتاريخ 15 تشرين الأول 1994 وجاء في البلاغ المشترك ما يلي : استقبل الرئيس صدام حسين في 13 تشرين الأول 1994 السيد اندريه كوزيريف وزير الخارجية روسيا ومبعوث الرئيس الروسي بوريس يلتسين الى العراق . وتم أثناء اللقاء تحليل الوضع في منطقة الخليج وكذلك الوضع الراهن للعلاقات الروسية العراقية . ودعت روسيا الى اتخاذ خطوات حاسمة من اجل عدم السماح بتصعيد التوتر وإعادة الوضع الى مسار الجهود السياسية والدبلوماسية التي من شأنها ان تؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الأمن والاستقرار الوطيد في المنطقة والى رفع الجزاءات المفروضة على العراق وإقامة علاقات حسن جوار بين العراق والكويت .
وأعلن العراق رسميا ً انه قد أكمل في الساعة 21 من مساء يوم 12 تشرين الأول نقل قواته الى مواقع الخلف . وقد ثمنت روسيا عالياً هذه الخطوات من الجانب العراقي . وأكد العراق استعداده لان يحل بشكل ايجابي مسألة الاعتراف بسيادة الكويت وحدودها التي تقررت بموجب قرار مجلس الأمن 833/1993 .
ان روسيا , بعد اعتراف العراق الرسمي بسيادة الكويت وحدودها ستؤيد البدء رسمياً في تشغيل النظام الرصد الطويل الأجل وفقاً لقرار مجلس الأمن 715/1991 وفي نفس الوقت بدء فترة " المراقبة " المحدودة الزمن من اجل التأكد من فعالية نظام الرصد , التي ينبغي , حسب وجهة نظر روسيا , ألا تزيد عن ستة أشهر , يتخذ بعدها مجلس الأمن قراراً بشأن تنفيذ الفقرة 22 من القرار 687/1991 بصورة كاملة وبدون شروط أضافية . وتؤكد روسيا أنها ستؤيد رفع الجزاءات الأخرى في ضوء التقدم الذي ينجزه العراق في تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة .
وأكد العراق استعداده لمواصلة التعاون مع لجنة الصليب الأحمر الدولية في تقصي مصير المواطنين الكويتيين المفقودين وأشار كوزيريف الى الاهتمام الخاص الذي توليه روسيا لهذه المسألة الإنسانية .
ولكن الأحداث التالية لصدور البلاغ المشترك أثبتت بان ما نفذ من الجهود الروسية اقتصر على قبول العراق بالقرار 833 /1993 ولم يتم تنفيذ أي وعد من روسيا ورد في البلاغ المشترك بصدد تطبيق الفقرة 22 من القرار 687/1991 حول الجزاءات المفروضة على العراق . وبتعبير أخر فان الصفقة السياسية التي تمت بين العراق وروسيا حول قبول العراق بقرار مجلس الأمن 833/1993 اقتصرت نتائجها على قبول العراق من دون ان تتبعه أية خطوة لرفع الجزاءات جزئياً او كلياً , ولم يكشف النقاب عن الآثار السياسية التي نالتها روسيا في علاقتها مع الولايات المتحدة نتيجة جهودها بإقناع العراق بقبوله قرار مجلس الأمن 833 / 1993 .
مع تحياتي الى كل من السلطات الثلاث في العراق ان لا تأخذهم عاطفة العلاقة ومغريات الأمم المتحدة فالأرض أرضنا ومنفذنا على الخليج وبوابة لنا نخرج منها ونستقبل ضيوفنا منها . ولنأخذ تجربة معاهدة او اتفاقية " فرساي " كيف خرجت من هذه الأزمة . ولكل مرحلة زمنية لها حلول , فلنبقى صامدين على ترابنا وأرضنا .