بسم الله الرحمن الرحيم
في المناقشات الجارية لاقرار موازنة 2016، اقترح السيد وزير الموارد المائية السيد محسن الشمري حلاً مباشراً وفعالاً لكري الانهر من جهة ولتوفير الموارد المالية للوزارة لمواجهة قلة التخصيصات من جهة اخرى. والفكرة ببساطة تعتمد على منح من يرغب من القطاع الخاص حق كري مساحات او مقاطع من النهر مقابل مبلغ مقطوع يدفعه للوزارة، ويقوم المستثمر ببيع الطمى (الزميج) الذي يستخرجه لتغطية تكاليفه وتحقيق الارباح. لم يسنح الوقت للسيد الوزير لشرح كامل الفكرة وتطبيقاتها وشروطها، ومهما تكن التفاصيل لكن البلاد تحتاج لمثل هذه الافكار ليس فقط تحت ضغط تراجع الموارد المالية، بل لانه طريق الاصلاح الحقيقي والمستدام، الذي يمكن ان يحرك الافتصاد الوطني ويعيد الحيوية للقطاع الاهلي ويقلل من احتكار الدولة الذي دمر البلاد، رغم امكانياتها الكبيرة.
عملت في العراق منذ بدايات القرن الماضي "شركة كري الانهر".. كشركة مساهمة تعتمد على اكتتاب المواطنين، وقامت بواجباتها انذاك.. ثم بدأ العراق بالاعتماد اساساً على جهود وزارة الري او الموارد المائية لاحقاً، والتي تراجعت قدراتها.. بحيث لم يتبق لديها في عام 2003 سوى عدد لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة من "الكرايات" القديمة والعاطلة.
ورغم جهود الوزارة وازدياد عدد "الكرايات"، لكن عددها اليوم لا يتجاوز 30 كراية حسب علمنا، دون ذكر الحفارات البرمائية للضفاف والجداول الصغيرة، وهذا كله لا يسد سوى شيئاً يسيراً من حاجة البلاد لمعالجة هذا الموضوع الحساس. مشكلة الطمى والكري باتت مشكلة كبيرة ومتراكمة، تتطلب اموالاً طائلة، لا تحلها قدرات الدولة فقط، بل تتطلب دخول الاستثمار الصغير والكبير، الوطني او الاجنبي.
فالطمى نعمة ان استغل، ووبال ان اهمل.. وتراكمه يقود الى عواقب وخيمة كازدياد الاعشاب الطفيليلة كـ "زهرة النيل" وغيرها، وتراجع الثروة السمكية، ودور الانهار في التنقل والنقل، وحصول اضرار كبيرة اصابت وتصيب الاقتصاد الوطني خصوصاً القطاع الزراعي والحيواني.. فعدم الكري يتسبب بتقليل اعماق الانهار وبصعود مستوى المياه، وارتفاع مستوى المياه السطحية، مغرقة جذور الاشجار مما يتسبب بموتها، وكذلك الى زيادة ملوحة الارض وتصحرها، وزيادة الامراض بسبب مستنقعات المياه التي تظهر اليوم في معظم المدن القريبة من الانهار.. ويقود الى انسداد القنوات واندثار الجداول والسواقي الصغيرة فيمنع وصول المياه الى الاراضي، مما يشكل عاملاً اساسياً لدمار الحياة الريفية وللهجرة ويسبب كوارث زراعية وبيئية واقتصادية لا يمكن تقديرها.
بينما الطمى بذاته ثروة كبيرة تحتوي على الكثير من المعادن والمواد العضوية.. فتجرف المياه كميات هائلة كافية للحفاظ على خصوبة مساحات واسعة من الاراضي او لاستصلاحها وايقاف التصحر. كما يستخدم الطمى او يمكن ان يستخدم في الصناعة كالفخاريات والاسمدة والمركبات التجميلية والعمرانية والكثير غيرها. فكري الانهار والجداول والقنوات ضرورة والا الخراب، وهو ما حصل فعلاً. فالكري يسمح بتحول الانهار الى خزانات طبيعية للمياه، وهو الذي سمح ويسمح بتقليل اخطار الفيضانات بتوسع سعة الاستيعاب والخزن والعمل كاواني مستطرقة مستفيدة من اختلاف توقيتات فيضانات دجلة عن الفرات.. كما يسمح الكري للانهار بالعمل كمبازل طبيعية.. فالطمى لا يصل للعراق اليوم بل هو يصل اليها منذ الاف السنين، والكري لا نقوم به اليوم لاول مرة بل تعامل معه العراقيون بوسائلهم البسيطة منذ تاريخ طويل. وعليه فان توجه وزارة الموارد المائية صحيح بكل المقاييس وسيطلق حركة استثمارية واسعة، وسيوفر مئات الالاف من فرص العمل.. وسيقود بالضرورة الى احياء الاراضي والشروط المناخية والحياة بكل ابعادها، وتوفير مواد خام وطبيعية يمكن ان تحرك الكثير من المصالح.
مقالات اخرى للكاتب