مما لا يدعو الى الشك بأن القومية الكوردية من اكبر القوميات في العالم لايزال تئن تحت وطأة مظالم المصالح الدولية بتوقيع القوميات الاقليمية و تنفيذ الاتفاقيات التي تجعل من عدم تحقيق آمال هذا الشعب اهدافاً لها و انه الشعب المقسم دون ارادته بين شعوب المنطقة و وفق كل الشواهد التاريخية و الوسائل المتوحشة التي مارستها مع ابناءه اذا لم يكن ذو صلابة و ارادة لأضمحل بين جنباتهم و تدل الاثار المكتشفة اقدمهم في المنطقة ...
و ان الكورد هم نقطة الالتقاء بين الاجندات و الاتجاهات المعاكسة و الافكار المتناقضة و القوميات المختلفة و انهم سبب توحيد جهودهم و جلوسهم على المستديرات وراء الكواليس متناسين كل خلافاتهم و مصالحهم جانباً و يضعون كل الملفات و القضايا العالقة طرفاً سوى قضية الشعب الكوردي التي باتت تجمعهم و تجعل منهم صفاً واحداً كالبنيان المرصوص . و لا ريب ان كل طرف منهم يكن للآخر الحقد و الضغينة الدفينة و على مر التاريخ و ترجمت هذا السلوك الى واقع بين قطع العلاقات و اغلاق الممثليات الدبلوماسية و احياناً وصلت الى الاعلان عن الحروب و تعاملوا كاعداء و لكن بالكورد يجمع شملهم و يقوي وحدتهم و تفتح ابوابهم دون شروط و تتصافح اياديهم الملطخة بدماء الابرياء و روح المؤامرة تعانق السماء و انها قدر الكورد ان يكونوا كذلك و لها من الاسباب مايذكر منها على المستوى الداخلي او الخارجي و لكنه الواقع المرير فنجد على سبيل المثال .
تركيا و ايران او بعبارة اخرى الصراع الصفوي العثماني منذ مئات السنين و لكل منهما اجنداته في بسط نفوذه و اعادة امجاده بالسيطرة على المنطقة و انهما مختلفان في صغائر الامور ناهيك عن الكبائر و يملك كل منهما اوراق ضغط مختلفة للتأثير على الاخر و الاختلاف المذهبي و القومي و الطائفي مسائل جوهرية لا يمكن التغاضي عنها و ما ان يحاول الكورد ان يبحث في مسألة تقرير مصيره او يخطو خطوة نحو بناء كيان مستقل إلا و تبدأ الجهود الدبلوماسية بتشغيل ماكيناتها و تتبادل الزيارات في اعلى المستويات و تتصافح الايادي التأمرية و تتقابل الوجوه التي يحمل كل منها اكثر من وجه لتقف كشخص واحد موحد الموقف من الكورد و تتكرر هذا المشهد بين فترة و اخرى و القلوب المغلوبة تضاعف دقاتها لانها تعلم بان الاتى ادهى و امر من السابق و احياناً كثيرة تصطف الى جانبها دول اخرى مثل روسيا المختلف عنهما في كل شيئ إلا القضية الكوردية حيث تشير الحركات الدبلوماسية بين هذه الدول (تركيا – ايران – روسيا) الى قرب عقد اتفاق تتضمن بنودها ضرورة وحدة العراق و بقاء بشار الاسد على رأس النظام في سوريا و توحيد الجهود لمكافحة الارهاب و قضايا اخرى و كلها سهام مسمومة متجهة الى آمال الشعب الكوردي بحقه في تقرير مصيره فتركيا التي كانت الى وقت قريب من الد اعداء النظام في سوريا باتت حامية لها تاركة كل عهودها وراء مصالحها و هي التي اسقطت الطائرة الروسية لدخولها المجال الجوي و كادت حرب عالمية ان تقوم نرى بأن استراتيجيتها قد تغيرت بين عشية و ضحاها و تقدم بالاعتذار و اتهام الانقلابيين بمحاولة اشعال فتيل الحرب و تنتهي بزيارة اردوغان الى موسكو و عقد صفقات سياسية و تجارية و اعداد مشروع لتقسيم المنطقة املاً في اعادة الامجاد العثمانية .
و من جانب آخر الدول العربية رغم خلافاتها مع تركيا و ايران على مر السنين و تنازعاتها المستمرة إلا ان وجود الكورد تعني نسيان تلك الصراعات و ضرورة توحيد صفوفهم (إلا مارحم ربي) منهم ...
و السؤال الذي يفرض نفسه هل يمكن لأمريكا ان تكون متفرجاً ازاء هذه التطورات رغم اعتبار هذه المنطقة مصالح استراتيجية لها ام انها ستنظم الى صفوفهم لتعيد التاريخ نفسه مثلما كان الوضع في اتفاقية جزائر المشؤومةعام 1975و هو ما نراه بعيداً لأن المستجدات السياسية و الاقتصادية قد تغيرت و اخذت القضية الكوردية ابعاداً طويلة في المستوى الدولي و الاقليمي و بات لاعباً رئيساً في المنطقة لا يمكن اهماله .
مقالات اخرى للكاتب