من أقوال الإمام علي عليه السلام المأثورة ( الصحة والأمان نعمتان مجهولتان ) وهاتان النعمتان من أهم النعم التي أنعم الله تعالى بهما على عباده ولا يشعر الإنسان بأهميتهما إلا عند فقدان أحدهما فالإنسان وهو في كامل صحته حصان جامح لا يوقفه عن مشاغل الحياة وعن العمل وعن السعي لتحقيق أهدافه أي شيء لكنه إذا مرض يذكر الله كثيراٌ ويدعوه ليل نهار ليشفيه من مرضه ثم يطرق باب الأطباء لعله يجد العلاج الشافي لدائه وهو في هوسه المرضي هذا يشعر بأهمية نعمة الصحة التي لا نعمة فوقها إلا نعمة الحياة ,والنعمة الأخرى ذات الأهمية الكبيرة التي لا يعرف الإنسان أهميتها وقيمتها إلا عندما يفقدها هي الأمان فهو عندما يكون آمناً ومطمئناً على حياته وماله وعياله ينام ملئ جفونه لا يؤرقه أي تهديد كالاعتداء والسطو المسلح والخطف والقتل والاعتقال بدون سبب والعمليات الإرهابية وغيرها لكن عندما تكون هذه التهديدات لأمنه وأمن عائلته وأمن وطنه هي سمة الحياة اليومية كما هو الحال في بلدنا و لا يستطيع أن ينام في بيته آمناٌ ولا يستطيع أن يخرج الى العمل أو الى شؤون حياته الأخرى آمناٌ وقد لا يعود الى بيته بعد خروجه بسبب التفجيرات والأعمال الإرهابية الأخرى وهولا يستطيع حماية عائلته وماله من اللصوص والقتلة يسير في الشارع وهو مرعوب يتلفت يميناٌ وشمالاٌ ويبقى في بيته وهو مرعوب أيضاٌ عند ذاك يشعر بأهمية الأمان .هاتان النعمتان لم يتجاهلهما العراقيون لكنهم افتقدوهما رغماٌ عنهم أكثر من غيرهم من شعوب المنطقة و العالم , فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 والعراقيون يعانون من فقدان هاتان النعمتان وصحيح أن الصحة هي نعمة من نعم الله على البشر فعلى الإنسان المحافظة عليها وعدم التفريط بها ومتى ما وجد الإنسان الأرضية الملائمة للحفاظ على هذه النعمة فانه سيصونها لكن ماذا يفعل إذا وجد إن كل الأمور من حوله تهدد هذه النعمة وتستهدفها وهو لا حول له ولا قوة لردع هذا الاستهداف فماذا يفعل العراقيون بعد تدني مستوى الخدمات الصحية مع بقية الخدمات الأخرى وهي أهم خدمة تقدمها الدولة لمواطنيها فلا يوجد في العراق مستشفيات كافية ولا تخصصية والموجود منها غير جيدة و كوادرها الطبية غير كافية وهناك نقص كبير في الأدوية والمستلزمات الطبية , وماذا يفعل المواطن بعد أن تحول أغلب الأطباء الى تجار جشعين يتاجرون و يتربحون على حساب أمراض الناس وآلامهم, وماذا يفعل بعد أن لا يلقى أي معاملة إنسانية في المؤسسات الصحية الحكومية مما يضطره لمراجعة الأطباء في عياداتهم الخاصة وياريت يلقى العلاج الشافي لمرضه في هذه العيادات إنها أماكن لسرقة ماله أولاٌ وصحته ثانياٌ فالطبيب يرسله للمختبر لعمل تحاليل وللسونار والأشعة حتى وان لم يحتاجها لان له حصة في هذه العمليات كما يكتب له أدوية لا علاقة لها بمرضه بالاتفاق مع صاحب الصيدلية الحصرية الذي يدفع إيجار عيادة الطبيب مقابل تصريف الأدوية على المرضى ,أما الذي يعاني من مرض خطيرأو يحتاج الى عملية جراحية فليس أمامه إلا المستشفيات الخاصة التي تستنزف كل أمواله قبل أن تستنزف حياته وهو أيضاٌ لم يجد فيها التشخيص الصحيح والعلاج الشافي لمرضه لذا يضطر أبناء شعبنا المظلوم الى بيع أثاث بيته أو ربما بيته ويذهب للعلاج خارج العراق حيث يرى هناك الخدمات الصحية الحقيقية التي كانت في يوم من الأيام موجودة في بلدنا يوم كان الأشقاء يتوافدون للعلاج في مستشفياته المتقدمة والعلاج على أيدي أطبائه المهرة الذين هربوا من بلدهم بسبب التهديدات والأوضاع الأمنية السيئة وفي بلاد الغربة ينفق العراقي أمواله شراء لصحته التي ضاعت بسبب سوء الخدمات الصحية نتيجة فساد وفشل السياسيين في إدارة البلد,أما الأمان فالحديث عنه يطول فقد غاب الأمان عن العراقيين منذ الاحتلال الأمريكي الى يومنا هذا بعد انتشار عصابات الإجرام والميليشيات والجماعات الإرهابية بشكل سافر مقابل عجز حكومي واضح عن التصدي لهذه العصابات والميلشيات وتوفير الأمن والأمان للمواطنين وممتلكاتهم فالقتل والخطف والسطو المسلح والاغتيال والسرقة والتفجيرات والعمليات الإرهابية التي تستهدف المواطنين وممتلكاتهم هي سمة المشهد الأمني العراقي مقابل عجز كامل من قبل الأجهزة الأمنية العديدة التسميات والكثيرة الأعداد عن حماية المواطنين والتصدي لهذه العصابات والميليشيات والأدهى من ذلك أن بعض هذه العصابات تنتمي لأجهزة حكومية وتستخدم عجلات الدولة وأسلحتها في تنفيذ عملياتها الإجرامية وفوق إرهاب المليشيات والعصابات هناك إرهاب الدولة المتمثل بالاعتقالات العشوائية نتيجة معلومات أغلبها كيدية من مخبر سري وهناك الأحكام التعسفية التي يحكم بها بعض القضاة وهناك الانتهاك الصارخ لحقوق الموقوفين والمعتقلين وهناك عمليات التعذيب والقتل داخل السجون وغيرها من الانتهاكات التي وثقتها منظمات حقوق الإنسان وهناك الابتزاز في مراكز الشرطة والمحاكم فأصبح المواطن رهين خوفين كبيرين خوف من الحكومة وأجهزتها وخوف من عصابات الإجرام والميليشيات وضاع الأمن والأمان بين هذين الخوفين وفقد العراقيون نعمتان وهبهما الله لبني البشر وفقدتا في عراق الديمقراطية والتعددية والفيدرالية و … بفضل سياسيين فاشلين ومسؤولين فاسدين وفاشلين سيطروا على مقاليد هذا البلد الذي كان آمناٌ مستقراٌ فحولوه الى غابة يقتل فيها القوي الضعيف ويكثر فيها الخطف والقتل والسلب والنهب والسطو المسلح والابتزاز والعمليات الإرهابية والإجرامية وينهب فيها المتنفذون واللصوص من السياسيين أموال البلاد والعباد ويتنعم المجرمون والقتلة والسراق بأموال العراق ويعيش أبناء هذا الوطن المبتلى في أسوأ وضع صحي وفي أسوأ وضع خدمي وفوق هذا كله في أســـوا وضع أمني .
مقالات اخرى للكاتب