رواية الروائي اليهودي التشيكي فرانز كافاكا ( المسخ ) رواية مهمة وقد راج قراءتها بين الاوساط الثقافية في سبعينيات القرن الماضي بعد ان تحدث عنها كثيرا المفكر الفرنسي روجيه غارودي في كتابه المهم ( واقعية بلا ضفاف ) .
والغريب أن الكثير من المكتبات المدرسية في مناطق الاهوار كانت تحتوي على نسخا من هذه الرواية يجلبها معهم المعلمون اليساريون بعد أن اصبحت الكتب والاغاني الغذاء الروحي لهم في التوحد مع سحر الطبيعة الاهوارية بعد انتهاء دوام المدرسة .
الرواية تحمل رؤية للمتغيرات النفسية والجسدية والاجتماعية عندما يستيقظ انسان ما وهو يرى نفسه أنه تحول الى حشرة.
أي تحول من كائن مُعرف بخصوصية الجسد والوعي والانشطة الى مجرد ( مسخ ) لكائن لا يمت اليه بصلة.
يعكس فعل هذه الظاهرة على كثير من الافعال والامكنة في حياتنا وبفعل مقصود في اغلبه وفي الكثير من جوانبه صنع القسر والاكراه والقصد في مسخ حقيقة الاشياء وتحويلها وجعلها بغير صورتها .
وما تتعرض له الاهوار العراقية التي ينظر اليها على انها واحدة من اكبر المحميات المائية والطبيعية في العالم ، وأنها المكان التاريخي والاسطوري المفترض لجنة عدن السومرية وأن سفينة نوح تحركت من هذا المكان بعد الطوفان الشهير إذ يتعرض المكان الى ( مسخ ) ممنهج لتغير خصوصية وطبيعة وتضاريس وطبوغرافية هذا المكان البيئي والحضاري والثقافي النادر ، ولا يشارك ( كافكا اليهودي ) في صناعة هذا المسخ لان لأهل ملته قبرا ومقاما مفترضا لنبي من اليهود ( العزير ) الواقع على حافة الاهوار على ضفاف شرق دجلة في محافظة ميسان في ناحية تحمل ( أسمه ) وهو مكان مبارك يوحد الديانات والمذاهب كلها في زيارته وطلب تحقيق النذر والبركة.
لكن دول الجوار ووزارة الموارد المائية العراقية وسياستها في توزيع الحصص المائية من نهري دجلة والفرات ، واخيراً القرار الجائر باستقطاع اراض من الاهوار لجعلها مناطق للاكتشافات البترولية وعجز الحكومات المحلية وشحة الموارد وامور اخرى هي من ساهمت بأعاده صياغة مسخ كافاكا في هذا التحول الظالم ان تفقد جنة عدن سحرها وطهرها وبراءتها وحياة معدانها البسطاء.
مقالات اخرى للكاتب