احسب وبلا شك إن درجات اليأس القصوى التي أصبحت تجتاح البعض  منا ( أفرادا وجماعات ) ، هي وراء الميل و الانجراف نحـو الهجـرة ، و التي باتت أشبه بالحلم الوردي الـذي يراود الجميع ، وبقناعات متساوية ، فأصبحوا بين ليلة وضحاها لا يرغبون في البقاء ضمن حدود الفوضى السائدة في البلاد من نواحي متعددة ، بعد أن تركت بصماتها السيئة على الجميع ، ومنها على سبيل المثال غياب العديد من الثقافات التي كانت سائدة و راسخة في مجتمعنا المتماسك كـثـقـافـة السلام والانسجام والتسامح ، فضلا عن تراجع جوانب ومحاور الأمور الحياتية والمعيشية ومعها تـدني حجوم ومستويات الخدمات . وبالمقابل ثمة مغريات صارت تـقـدمها بعض الدول الأوربية التي تشجع من خلالها على الاندفاع صوب الهجـرة والاستقرار في بلاد الغرب التي تنعـم بالاستقرار السياسي و الاقتصادي و التنموي النوعي المتطور ، ربما تعاطفا متفردا أو لغايات ومآرب تصب في خدمة الدول والحكومات في الاتحاد الأوربي التي صارت تفتح أبوابها على ما يبدو وترحب باللاجئين الجـدد إليها .ولما دعاني قبل يومين احـد الأقرباء إلى توجيه النصح والإرشاد إلى أبناءه الثلاثة الشباب المتقاربين في السن ، والذين أكملوا تـوا دراستهم الجامعية دون أن يجـد احدهـم فرصة عمل لممارسة اختصاصهم ،  فـقـادهم ذلك الأمر وسواه صوب تحقيق أحلامهم في بلاد الله الواسعة ، على حـد تعبيرهم ، مـؤكـدين بثقة عالية على إنها فرصة نادرة مواتية للتغيير و الانتقال من واقع حال يتميز بالتراجع و الركود إلى حال أفضل فيه الكثير من المميزات الحسنة ، للتعويض عن غموض و مجهولية المستقبل هنا ، أيضا للحـد من إنسانيتهم المسلوبة و حقوقهم المفقودة و كرامتهم غير المحصنة على حـد وصفهم  ، فخاطبتهم  بشيء من الجدية بقولي : إن البلد بحاجة ماسة إلى جهودكم وعرقكم وطاقاتكم من اجل بناءه وتقدمه ورفعته  ، موضحا لهم على ان ترك الوطن يلعق جراحه النازفة أمرا لا يمت إطلاقا لحيثيات المواطنة الصالحة بصلة ، فالمطلوب منا جميعا الوقوف بمسؤولية وحسم في خندق تضامني واحـد ، للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات العملية الذي تأتي بثمارها الايجابية الطيبة و السريعة ، والتصدي لأشكال الفساد ما ظهر منه وما بطن ، واعتبار ذلك من صميم المهام و الأفعال الوطنية الكبرى ، في ظل الظروف الحالية الصعبة والمعـقـدة للمشهد السياسي المتوتر الذي يغلب عليه الشحناء والبغضاء والتقاطعات الشائكة والخطيرة التي يقف وراءها العديد من السياسيين ومن خلفهم أجندات زعزعت هيبة الدولة وشلت أركانها ، فكانت ضمن الأسباب الحقيقية والدوافع الضمنية للهجرة إلى الخارج .

على كل حال إن حمى التفكير في طلب اللجوء الإنساني ، يعد لـدى الكثيرين بمثابة المسار المناسب والصحيح الأكثر جـرأة وفاعلية رغم انه لا يخلو من المغامرة و المخاطرة للخروج من عـنق الزجاجة الذي بدأت  تضيق فوهـتها شيئا فشيئا دون بوادر انفراج الأزمات في ثنايا فعـل الإصلاح الحكومي المرتقب و المزعوم ، و لا شك إن ملامح تحسن الأوضاع النسبية كفيلة و ضامنة بإيقاف تلك الهجرات وتسرب الآلاف من المواطنين إلى الخارج بتعاقب مضطرد ، وتأتي أهمية تشكيل خلية أزمة عالية المستوى لبحث و دراسة أسباب و مبررات ذلك التوجه نحو الهجرة بكثافة ، والنظر في إمكانية السيطرة على الموقف .