يعتبر العراق من أوائل الدول النامية التي اهتمت بالتطور العلمي والتقني ورعاية العلماء والأكاديميين وتوفير كل مستلزمات التطور العلمي والتكنولوجي للحاق بركب الأمم المتطورة سواء في الكليات والمعاهد أم في المصانع والمعامل ـو في التخطيط العمراني مستفيداٌ من ثرواته الوطنية ووفرة أمواله وتنوع مصادر اقتصاده والاهم من ذلك توفر الطاقات البشرية الخلاقة التي أعدها أفضل إعداد ووفر لها كل مستلزمات التطور والنبوغ والتفوق من خلال إرسال هذه الطاقات في بعثات دراسية الى أفضل الجامعات الأوربية والأمريكية في ستينات وسبعينات القرن الماضي أو من خلال تأمين الكليات الرصينة في العراق والتي حضيت باعتراف أفضل جامعات العالم والتي تتوفر فيها كل متطلبات الدراسة من مناهج متقدمة وأساتذة كبار ومختبرات وأقسام علمية وأقسام داخلية ورواتب شهرية ووسائط نقل مجانية حتى أنتجت هذه الإجراءات العملية والعلمية الصحيحة و المدروسة أفضل الكوادر العلمية والأكاديمية والمهنية من الأطباء والمهندسين والضباط والقانونيين والأساتذة والعلماء في مختلف الاختصاصات العلمية والفنية والأكاديمية وعملت هذه الطاقات على خدمة وطنها وشعبها سنين طويلة خدمة حقيقية كانت ثمرتها واضحة للعيان من خلال الأعداد الكبيرة من الأطباء والمهندسين والأكاديميين الذين تفوقوا على أقرانهم الأوربيين والأمريكيين في العديد من مجالات الدراسة والعلم ومن خلال الجامعات الرصينة والمصانع الكبيرة والمعامل الإنتاجية والمشاريع العلمية والاقتصادية والصناعية والزراعية العملاقة.
وإزاء هذا التقدم العلمي والتطور التكنولوجي والمستوى الأكاديمي العالي الذي حصل في العراق و الذي أفزع الدوائر الصهيونية والأمريكية نظراٌ للخطر الكبير الذي يشكله على وجودها ومصالحها فبدأت المؤامرات تحاك في دهاليز المخابرات الصهيونية والأمريكية لإيقاف هذا المد العلمي والتصنيعي والأكاديمي والاقتصادي المتزايد في العراق فكانت أولى هذه المؤامرات إشغال العراق بالحرب الإيرانية العراقية 1980_1988 التي استنزفت الكثير من طاقات العراق الشبابية والعلمية والأكاديمية إضافةٌ الى استنزاف ثرواته وأمواله ومدخراته واحتياطاته المالية.
فكانت هذه أولى صفحات إفراغ العراق من طاقاته الشبابية والأكاديمية والعلمية التي خسر العراق الكثير منها بسبب هذه الحرب أو بسبب هجرة أعداد كبيرة منها خارج الوطن ,وعندما خرج العراق منتصراٌ من هذه الحرب وبقدرات عسكرية وصناعية وعلمية مضافة بدأ الأمريكان والصهاينة تنفيذ الصفحة الثانية من مخطط تدمير قدرات العراق العلمية والعسكرية والاقتصادية والأكاديمية من خلال توريط النظام العراقي في عملية احتلال الكويت وما سببته هذه العملية من تداعيات خطرة جداٌ على العراق وفي جميع المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية والصناعية والزراعية وأفقدته أهم بناه التحتية العلمية والصناعية وحتى الخدمية وأغلب بناه الصناعية والعلمية والبحثية وأكمل الحصار الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق بسبب غزوه الكويت مخطط تدمير العراق وما سببه هذا الحصار من جوع وفقر وأمراض أصابت بالصميم الطبقات المتوسطة والفقيرة من الشعب التي تشكل القاعدة القوية والمهمة في عملية البناء والتطور في كل المجتمعات.
وحاول العراق استعادة بعض من عافيته بعد انتهاء حرب الكويت في المجالات الصناعية والزراعية والعلمية والاقتصادية وخصوصاٌ بعد تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء الذي تبنته الأمم المتحدة إلا أن الدوائر الأمريكية _ الصهيونية كانت قد أكملت إعداد الصفحة الثالثة من مسلسل تدمير العراق و استنزاف قدراته العلمية والاقتصادية والصناعية والأغلى منها البشرية فكان الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 الذي أتى على كل ما تبقى للعراق من مقومات العلم والتطور والصناعة والاقتصاد والزراعة وكل مقومات الدولة ومؤسساتها وبناها التحتية والأساسية والاهم من هذا كله انه دمر نسيج المجتمع العراقي المتجانس من خلال إثارة الصراع الطائفي الورقة الرابحة للمشروع الأمريكي _الصهيوني في عملية تدمير العراق ثم عملت الأحزاب التي جاءت مع الاحتلال الأمريكي على إكمال مشروع تدمير العراق وإيصال القتال والصراع الطائفي بين مكونات المجتمع العراق الى ذروته وذلك بتنفيذ سياسة طائفية بامتياز أقرها الدستور الذي كتب باملاءات أمريكية والذي تمخض عن عملية سياسية مشوهة تم فيها تقاسم السلطة ومناصب الدولة والحكومة وفق عملية المحاصصة الطائفية والحزبية التي سلمت البلد الى ثلة من الفاسدين والفاشلين فأججت الاقتتال الطائفي بين أبناء الشعب الواحد ودمرت النسيج الاجتماعي المتجانس وسرقت أموال الشعب ونهبت ثروات الوطن وقتلت واغتالت وهمشت النخب العلمية والأكاديمية وعلى اثر ذلك بدأت أكبر عملية هجرة للعراقيين الى دول الجوار العربية والى الدول الأوربية في صفحة أخرى من صفحات تهجير العراقيين هربا من القتل الطائفي والاغتيالات والمداهمات والاعتقالات والإعدامات التي أصبحت ديدن الحكومات العراقية المتعاقبة وشملت هذه الموجة من الهجرة الشباب والأطباء والعلماء والأكاديميين وأعداد من المثقفين والتجار وضباط الجيش السابق ليخسر العراق أهم مقومات بناء وديمومة الدولة المتمثلة بطاقاته العلمية والأكاديمية والطبية والعسكرية المهنية والاقتصادية والصناعية والشبابية ومقومات تماسك مجتمعه المتعدد الأطياف والمتجانس تاريخياٌ وانتهت أهم مقومات الدولة ومقومات استمرار الحياة في هذا البلد . ولا يمكن أن ننسى في هذه المؤامرة الكبرى و هذا المخطط الخبيث الذي استهدف تدمير نسيج المجتمع العراقي وإفراغ العراق من كل طاقاته العلمية والأكاديمية والمهنية الدور الإيراني الكبير والذي نفذ بمحورين وخطين متوازيين أحداهما أخطر من الآخر الأول نفذه السياسيون الفاشلون والفاسدون الذين باعوا العراق وشعبه للأجنبي وجعلوا من بلدهم حديقة خلفية لإيران فدمروا المجتمع بسياساتهم الطائفية والاقصائية وسياسة الثارات والانتقام وسياسة المحاصصة الطائفية والحزبية ثم قضوا على الصناعة العراقية وأغلقوا كل المصانع والمعامل الإنتاجية ليبقى العراق يستورد كل حاجاته الكبيرة والصغيرة من إيران إمعانا في تدمير الصناعة العراقية ودعماُ للصناعة والاقتصاد الإيراني الذي تأثر كثيراٌ نتيجة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بسبب ملفها النووي فأصبح العراق سوقاٌ لكل البضائع الإيرانية من الإبرة والنستلة والموطا واللبن الى السيارات والدراجات والمعدات ومواد البناء والمواد الأخرى وحتى المشتقات النفطية التي كان العراق يصدر منها أنواع عديدة قبل الاحتلال صرنا نستوردها من إيران ,والحال نفسه ينطبق على الزراعة حيث عمد سياسيو الصدفة وعملاء الأجنبي على تدمير الزراعة العراقية علماُ إن العراق قبل الاحتلال الأمريكي ومجيء هؤلاء السياسيين الفاسدين والفاشلين كان شبه المكتفي ذاتياٌ من العديد من لمحاصيل الزراعية ومن أهمها المحاصيل الإستراتيجية كالحنطة والشعير وينتج محاصيل أخرى بكميات كبيرة كالرز والذرة والتمور بالإضافة الى الفواكه المختلفة والخضروات وجعلوه هؤلاء السياسيين و خدمة لاقتصاد إيران يستورد حتى الفجل والخس والشلغم والركي والبطيخ والطماطة من إيران بعد أن دمروا الزراعة وأوقفوا كل مساعدة أو دعم للمزارعين الذين كانوا يحصلون عليه بالمجان قبل الاحتلال فانتهت الزراعة , كما أقدمت ميليشياتهم على حرق العديد من بساتين الفواكه العامرة ودمروا الأراضي الزراعية المخصصة لزراعة المحاصيل الإستراتيجية , أما المحور الثاني فنفذته الميليشيات التي شكلتها ودربتها ومولتها إيران بالأسلحة وبالأموال العراقية المنهوبة لتنفيذ عمليات الخطف والاغتيالات للكفاءات العراقية العلمية والطبية والأكاديمية وقادة وضباط الجيش السابق إضافةٌ الى عمليات التهجير القسري وحرق القرى والبساتين والمزارع خدمة لإيران .
ونتيجة لهذه الممارسات الطائفية لأحزاب الإسلام السياسي وللسياسيين الفاشلين والفاسدين الذين سرقوا أموال الشعب ونهبوا ثروات الوطن وأفرغوه من طاقاته وكفاءاته العلمية والأكاديمية والمهنية والشبابية بعد أن سيطر الجهلة والمزورون على مقاليد الأمور فيه وحولوا العراق الى شبح دولة بعد أن أصبح يتصدر دول العالم في الفساد والسرقات وعمليات الجريمة المنظمة وأخطر البلدان وأكثرها غياباٌ للأمن وأكثرها في أعداد القتلى شهرياٌ وسنوياٌ وأكثرها انتهاكاٌ لحقوق الإنسان ,ومع اشتداد الصراع الطائفي وعمليات القتل والاغتيالات والاعتقالات والإقصاء والتهميش لمكونات المجتمع وفقدان الأمن خلال الأعوام من 2005 الى 2014 ترك الملايين من العراقيين بلدهم الى بلدان المهجر هرباٌ من القتل والاغتيالات وطلباٌ للأمن والبحث عن الأمل والحياة الحرة الكريمة التـــــي فقدوها في بلدهم على أيدي الطائفيين والسراق والفاسدين والفاشلين من أشباه السياسيين في صفحة جديدة من صفحات تهجير طاقات العراق ونخبه العلمية والأكاديمية والشبابية.
ونتيجة لامعان سياسيي الصدفة بسياساتهم الطائفية وإمعانا في جرائمهم الكبرى وسرقاتهم لأموال الشعب وعقارات الدولة ونهبهم لثروات الوطن وانشغالهم بهذه الأمور بدلاٌ من تقديم الخدمات للشعب الذي اكتوى بنيران سياستهم الفاشلة وسرقاتهم الكبرى ولسيطرة الفاشلين والفاسدين مثلهم على المناصب العسكرية والأمنية المهمة سلموا الموصل وصلاح الدين وأجزاء من كركوك وديالى الى عصابات داعش وخلال ساعات بعد أن هربت قواتهم الهزيلة والفضائية وفرقهم العسكرية وفرق الشرطة الاتحادية أمام مئات من الدواعش في هزيمة مذلة ومخزية للقادة السياسيين والعسكريين تاركين جنودهم ومقراتهم والأسلحة والآليات والمعدات التي تقدر أثمانها بعشرات المليارات من الدولارات الى داعش ونتيجة لهذه الهزيمة المخزية نزح الملايين من العراقيين عن مدنهم ومنازلهم الى محافظات كردستان ومحافظات العراق الأخرى في أكبر عملية نزوح في تاريخ العراق القديم والحديث وفي ظروف إنسانية قاهرة ونظراٌ لاستمرار احتلال داعش لعدد من المحافظات والمدن ولاستمرار العمليات العسكرية واستمرار سقوط الضحايا واستمرار تهديم المدن وممتلكات المواطنين اضطر مئات الألوف من العراقيين الى ترك وطنهم والهجرة الى الدول الأوربية هرباٌ من الموت والفاقة والجوع بحثاٌ عن الأمان وعن الحياة الحرة التي فقدوها في بلدهم فكانت هذه أكبر موجة هجرة للعراقيين منذ الاحتلال الأمريكي عام 2003 ليخسر العراق المزيد من شبابه وطاقاته العلمية والأكاديمية والمهنية والثقافية وتعتبر هذه الصفحة من أكبر صفحات تهجير العراقيين خارج الوطن ولتستمر صفحات المخطط الصهيوني الأمريكي الذي لم يتوقف والذي تجدد بدخول داعش وهجرة الملايين من العراقيين عن بلدهم فالصفحات القادمة أخطر وأكبر على العراق وشعبه لأنها تستهدف ليس إفراغ العراق من طاقاته الشبابية والعلمية والأكاديمية وأقلياته الدينية الأصيلة بل تقسم العراق الى دويلات طائفية صغيرة يسيطر عليــــها سياسيون طائفيون فاشلون وفاسدون تتصارع بينها من أجل النفوذ والسلطة والمال ويبقى الشعب العراقي المظلوم والمبتلى هو الضحية ولتبقى إسرائيل في مأمن من كل خطر كان يشكله العراق الموحد القوي بطاقاته الخلاقة وبعلمائه وأكاديميوه ومهنيوه وضباطه الوطنيون وأبنائه الغيارى النجباء .
مقالات اخرى للكاتب