الفساد في العراق أصبح ثقافة ، والمفسدون أصبحوا مافيات تشكل قوى ضاغطة لها متاريس تتخندق خلفها بشعارات ملؤها الوطنية والايمان والديمقراطية ، وأردية تلتحف فيها بجلباب الوقار والعشائرية ، وطاقيات تعددت مذاهبها وتنوعت ألوانها .. وتعلو أصواتهم بالنزاهة والموعظة الحسنة والتضحية وخدمة الناس ولكن كلٌ منها عن المعنى الصحيح محرّفُ … وخلفهم غوغاء من الأحياء الأموات ، الذين تنبض قلوبهم ومشاعرهم بالولاء والتأييد لمن يدفع أكثر ، وتتوقف عن النبض مع انقطاع الحبل السري الذي يغذيهم بالمال والمكاسب والامتيازات ، بل وينقلبون الى الضد ليس بفعل خطبة الجمعة أو فتاوى العمائم السود أو البيض أو قدّاس يوم الأحد .. وانما بفعل ما تجود به بورصة شراء الذمم وتقلبات سوق المبادئ ليس بما يتحقق من قناعات في عدالتها بل بما تحققه من قناعة بصفقة الشراء والبيع وحسابات الربح حتى ولو جاءت من الأصقاع البعيدة من جزر اندونيسيا النائية أو غابات الامازون المطيرة اللتين تسكنهما قبائل من العراة آكلي لحوم البشر .
وحينما تتصاعد حمّى الفساد وتنتشر ثعابينها في كل زاوية ويكاد يصبح وباءٌ يصيب من ليس في الحسبان وصول العدوى إليه ، ويوشك أن تصاب به أعراف وتقاليد وعادات ونظام حياة الناس به ، بل وحتى القوانين الوضعية التي تصاب بالضبابية التي لا يُرى ما فيها من أحكام لمحاسبة الفساد والمفسدين ..
وعندما تخيّم غمامة الفساد كسحابة فوق رؤوس الناس فتجعلهم سكارى بآفة الفساد وما هم بسكارى ويصبح الحل والعلاج مستحيلاً ، عندئذ ترتفع حميّة المسؤولين في السلطة وينطلق تهديدهم ووعيدهم للمفسدين وتتعالى التصريحات والخطب والانذار بالويل والثبور للفساد وأهله والتخويف بضرب المفسدين بيد من (حديد) ، فأي حديد هذا إن لم يكن معناه (القانون) ، فمن يريد أن يضرب المفسدين لا بد أن يشرّع القوانين الرادعة التي تترجم التهديد والوعيد والويل والثبور والانذارات الى قوانين مكتوبة لا رجعة فيها ولا مجاملة ، ولا تأخذ القضاء فيها بالحق لومة لائم .
أما كثرة التصريحات والوعيد بالضرب بيد من حديد فلا تزيد المفسدين إلا قوة واصراراً على الفساد ، والاستهانة بهذه التصريحات لانها عبارة عن هواء في شبك .. بل وتجعلهم يسخرون من تلك التصريحات لانها تدغدغ البعض منهم حين لا يشعرون بأن هناك قوة تأخذ بتلابيبهم تردعهم وتحاسبهم وتهز عروشهم ، ويشعر البعض الآخر بأن هذه الدغدغة تسبب لهم الضحك لأن كراسيهم لا تنقلب إلاّ بفعل القوانين الصارمة والقضاء العادل وهو مغيّب وليس القضاء الذي يعمل للقضاء على العدالة .
مقالات اخرى للكاتب