تتردد في هذه الايام احاديث عن اقتراب موعد اعلان الاقليم السني في شمالي ووسط العراق .ويعزوا المتحدثون في هذا الموضوع حتمية قيامه الى ان امريكا واسرائيل وتركيا قد اتفقت على تأسيس الاقليم ولم يبق الا تحديد الوقت لاعلانه
ويذهب المتفائلون من السياسيين العرب السنة الى ان الامر اصبح مؤكدا ،وللتأكيد على صحة توقعاتهم ، يشيرون الى النشاط السياسي المحموم من قبل معتمدي السعودية وقطر في العراق ، وتحركهم لتجميع القوى السياسية المحلية المؤيدة لاعلان الاقليم السني العراقي .
لاينكر، ان هناك من يسعى لاقامة الاقليم السني ،وهؤلاء لا يخفون رغباتهم ،بل يجاهرون بها .لكن تظل تلك التحركات وحتى الرغبات غير مؤدية الى ما يطمح اليه هؤلاء السياسين المقامرين .فاعلان الاقليم يحتاج الى قبول الطرف الثاني في المعادلة العراقية وهو المكون الشيعي ذو الاغلبية في التركيبة السكانية والسياسية .وهذا القبول من الصعب ان يجد له فرصة اذا ما علمنا ان رافعي مشروع الاقليم السني قد حددوا مساحته بست محافظات ( نينوى والانبار وصلاح الدين و وكركوك وديالى وبغداد ).وهنا يحضر الخنجر الكردي لتمزيق جسد الاقليم الجديد، فكركوك يشكل الاكراد اغلبتها السكانية( من وجهة نظر كردية )وسيدخل اقليم كردستان الحرب في حال اقامة الاقليم السني وضم كركوك اليه...اما ديالى فهي محل نزاع دموي شيعي ـسني ـ منذ سنوات وسيقاتل الشيعة العرب للحؤول دون ضم ديالى الى الاقليم السني نظرا لاغلبيتها السكانية الشيعية كما يدعون.اما بغداد ، فيؤكد السياسون الشيعة انها لهم بلا جدال وفوق هذا يريدون الحاق سامراء وبلد والدجيل ومناطق اخرى شمالي العاصمة بها بدعوى الاغلبية السكانية اذ يشكل الشيعة العرب ،ــ حسب سياسييهم ـــ نسبة 80 بالمئة من مجموع سكان بغداد ومناطق اخرى في شمالها.،وهي ــ بغداد ـ مقدسة لدى الشيعة العرب لوجودعددمن مراقد الائمة فبها .ويؤكد سياسيون شيعة انهم سيموتون دونها.
هناك معوّق أخر يحول دون اقامة الاقليم السني،في المحافظات الثلاث ( نينوى والانبار وصلاح الدين )،في حال افترضنا جدلا ان الاقليم سيتشكل منها.هو ان هذه المحافظات متنازعة في ما بينها ،ولا اقصد هنا شعبها ، بل زعماؤها السياسيين،فقادة نينوى يرون انهم من يستحق قيادة الاقليم السني لانهم سبقوا غيرههم في الانسلاخ عن حكومة بغداد ، وينازعهم على هذه الاسبقية زعماء الانبار الذين يرون انهم الاحق من غيرهم، لانهم سيقوا الجميع باعلان التمرد على الحكومة الاتحادية، ويذكرون الجميع بخيام( المنتفضين ) في الفلوجة، فلولا انتفضاتهم لماانفصلت الموصل! بينما يرى زعماء صلاح الدين انهم احق من الجميع بقيادة الاقليم لان حكومة ما قبل الغزو الامريكي كانت منهم ،ويجب ان يعود الحق لاهله!
ومع ان القارئ لهذه المنازعات يجدها غير ذات اهمية ويمكن تجاوزها ،الا ان الامر ليس كذلك اذا اخذنا العنعنات المناطقية والعشائرية هناك ،فالمنطق تعترضه النزاعات العشائرية المتجذرة والمتحكمة ايضا .يضاف سبب كبير الاهمية يذكي نار النزاعات بين زعماء الاقليم هو مطامعهم بمردودات الثروات الطبيعية الهائلة التي يتوفر عليها الاقليم المفترض قيامه . واكاد اجزم ان زعماءعشائر المحافظات الثلاث سيذح بعضهم البعض من اجل الاستحواذ على السلطة ومن بعدها الثروة . وكذلك فان هؤلاء الزعماء سيتسغلهم جيران الاقليم ليصفي احدهم الاخر، مقابل اكياس من الدولارات ، ولهم سوابق مشهودة في ذلك !
قد يقول قائل : اين شعب المحافظات من كل هذا الذي ذكرت ؟واقول ان شعب الاقليم المفترض هو الى جانب المطالبة بعراق واحد موحد . لكن زعماءه يبتزونه ويخيفونه من عدو يتربص ويريد الفتك به .كما يبتز زعماء الشيعة المواطنين في الوسط والجنوب،وتخويفهم بعودة البعث والحكم الدكتاتوري .
وعليه .ان رفض جوار الاقليم السني لاقامته ،ونزاعات زعماء عشائره ،يضاف الى ذلك ان الاقليم لن تكتب له الحياة في حال تمت تسوية الحرب الداخلية السورية ،بما يحول دون وصول داعش الى السلطة هناك ،باعتبار ان سورية الداعشية ستكون بمثابة رئة للاقليم وبدونها سيخنقه الجيران ...كل هذه المعوفات التي يستحيل تطويعها ستبدد وهم قيام الاقليم السني .وتجعل ما نسمع من احاديث وتحركات سياسية بشأنه مجرد :دخان من دون نار !!
مقالات اخرى للكاتب