على رغم الدور الكبير الذي لعبته معارك الأنبار، في رسم نتائج الانتخابات التي جرت نهاية نيسان الماضي، إلا أنها اليوم تبدو خارج الخارطة السياسية.
فهذه المحافظة، التي تحتل ثلث مساحة العراق، تحولت، قبل نحو أربعة اشهر من اقتراع نيسان، إلى رافعة سياسية محتملة، حاول الإفادة منها الشيعة والسنة على حد سواء.. فالشيعة، على اختلاف ألوانهم السياسية، خاضوا في جدل جدوى خوض معركة من أجل "تحريرها"، بين مؤيد، وهم معظم أنصار ائتلاف دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي، ومعترض أو مشكك، كما هو الحال لدى أنصار الزعيمين الدينيين الشابين، عمار الحكيم ومقتدى الصدر.. ولم يكن الحال يختلف كثيرا في الأوساط السنية، التي انقسمت على نفسها ايضا، لكن ليس لتؤيد المعركة في الأنبار أو تعارضها.. بل لتجد فيها موضعا، خشية أن تخسر جمهورها، في ملحمة الانتخابات التي كانت على الأبواب حينذاك..
الآن، لا أحد ينكر، أن المالكي، نجح أيما نجاح، في دفع العديد من الأصوات المترددة الى وضع ثقتها فيه، بناء على "أدائه" في الأنبار، وهذا ما كان جليا في نتائج الانتخابات، بينما نالت كتلة النجيفي عقابا مؤلما من جمهور الأنبار، جراء مواقفها المنقسمة والمترددة والمرتبكة، رغم أنها صعدت من لهجة الدفاع عن المحافظة قبيل الانتخابات، ولكن بعد فوات الآوان، فتشتت مقاعد المحافظة بين عديد الكتل، حتى أن أحد حلفاء المالكي، سعدون الدليمي، حصل على اثنين منها..
وبينما كان العراقيون منشغلون بتتبع أخبار معركة الأنبار، التي بات من الواضح أنها تؤثر، بدرجات متفاوتة، على أوضاع جميع المحافظات الأخرى، جاءت نتائج الانتخابات لتسرق الضوء كله، وبدلا من أن يؤدي ذلك الى التفرغ لحسم ملف هذه المحافظة، ها هي تخرج سياسيا من حسابات الجميع، فالفائزون الآن منشغلون بمفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة، وإذا كانت الانبار لاعبا أساسيا في عملية تشكيل البرلمان، فإنها ليست كذلك في عملية تشكيل الحكومة..
ويعلم سكان الأنبار جيدا، أن الخروج من دائرة الضوء، في هذا التوقيت، يتيح الفرصة أمام أكثر من طرف كي يحاول ملء الفراغ في محافظتهم، فالتنظيمات المتشددة حاضرة بقوة هناك، وهي بانتظار فرصة، فيما القوى العشائرية، حديثة الصعود، تتمدد، وهذا ما يمكن أن يخلق "واقعا" يستحيل التعامل معه، بعد شهور، وإذا كان الحل العسكري فشل في تحقيق نصر حاسم، بعد شهور من المعارك، في مواجهة قوى مسلحة ناشئة ومتحركة، فهو حتما لن يكون مفيدا بعد أن تستحكم هذه القوى مراكزها..
إن خروج الأنبار من دائرة الاهتمام السياسي بعد إعلان نتائج الانتخابات، يعني مساهمة مباشرة، من الفرقاء كافة، في صناعة ملف جديد، يتعلق بأزمة مستعصية، على غرار ملفات كركوك وقانون النفط والغاز وغيرها..