بسم الله الرحمن الرحيم
حركة السكان من تكاثر وانتقال، والواقع الديموغرافي للبلدان وحركة الشعوب القسرية او الطوعية قد تُحدث من التأثيرات التاريخية والطويلة الامد اكثر من المال والسلطة.. فلقد تغيرت طبيعة ومكونات قارات وبلدان بسبب حركة الهجرة ونسب التكاثر العالية.. وهذا امر صحيح ليس على صعيد اقليمي وعالمي فقط، بل داخل البلدان ايضاً.
فعندما اتبع النظام السابق سياسة التهجير واسقاط جنسية العراقيين من اصول ايرانية، واستقدم ملايين العرب للاستقرار في العراق فانه كان يعي ما يفعل.. وعندما صدرت قوانين وتعليمات بالتضييق على اقامة عراقيين من مناطق معينة في العاصمة بغداد، او بتغيير قومية مواطنين لتغيير الواقع الديموغرافي في مناطق مثل كركوك فانه كان يعي ما يفعل. وعندما تضيق الكثير من الدول شروط الاقامة فيها، بل وتقوم بتصفيات عرقية ومذهبية فانها تعي ما تفعل.. وعندما تهتز اوروبا بسبب هجرة مواطنين من ازمات واوضاع ساهمت هي بتطوراتها، فانها تعي التحولات التي يمكن ان تجلبها عملية الهجرة هذه على واقعها الاجتماعي والسياسي وتأثيرات ذلك على ثقافاتها ومكوناتها المستقبلية.
فالهجرة والتحولات الديموغرافية هي واقع تاريخي لا يمكن الهروب منه.. وهي احدى التدافعات الاساسية التي تحملها السنن الكونية او القوانين الاجتماعية والتاريخية لاعادة نوع من التوازن لمصلحة الشعوب والامم والفقراء.. فهذه "اسرائيل" التي تمتلك القوة والمال، استطاعت هزم جل المشاريع ضدها، الا مشروع التطورات الديموغرافية، وزيادة نسبة تكاثر الفلسطينيين التي جعلت عدد سكان الطرفين من البحر الى نهر الاردن (اكثر بقليل من 11 مليون نسمة)، حيث يزيد فيها عدد اليهود بـ 300 الف شخص حسب الاحصاءات الفلسطينية و100 الف شخص حسب الاحصاءات الاسرائيلية، وان العدد سيتعادل خلال 3 سنوات، رغم كل سياسات القمع والاستيطان. وهذه امريكا القوية الغنية والتي استجلبت مئات الملايين من افريقيا ليكونوا عبيداً لديها في حقول البن والقطن وغيرها، استسلمت وقبلت في النهاية برئيس اسود، وبمنح السود حقوقهم المدنية كاملة، وقس على ذلك.
فالهجرة والتغيرات الديموغرافية واقع تاريخي وحراك وتدافع لا مفر منه.. وعلى علمائنا وسياسينا ان يضعوا رؤى وسياسات.. تسعى لاحتواء اولئك الذين تضطرهم الظروف لمغادرة الوطن وحل مشاكلهم، وسياسة توفير العيش الكريم لابناء الوطن.. فالمواطنة والوطنية هي التزام وحقوق وارتباط وانتماء واحاسيس ومصالح سواء اعاش الانسان فوق تراب الوطن او بعيداً عنه.. وقد علمنا التاريخ والحكمة ان الانسان يهاجر اذا عجز وطنه، لاي سبب، ان يمنحه الشروط المناسبة للعيش الكريم.. وهو سيحمل وطنه معه ويسجد يومياً على تربته.. فالانسان هو القيمة العليا.. وغناه وسموه هو الوطن.. وهذا سيد الحكماء وامير البلغاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) يقول.. "الغنى في الغربة وطن.. والفقر في الوطن غربة".
مقالات اخرى للكاتب