يعتقد البعض ان الاحزاب الشيعية العراقية هي كتلة مذهبية ( طائفية ) سياسية متوحدة , ويجري التعامل مع الجميع بمقياس واحد . وبعض آخر يعتقد ان التناقضات بين هذه الاحزاب – والتي وصل بعض منها لصراع دموي مثلما حدث بين التيار الصدري والمجلس الاعلى في السنوات السابقة – هو دليل اختلاف في توجهاتها الوطنية , ويجري التعامل معها ايضا وفق هذا المقياس . ومما لا شك فيه ان هذه الاحزاب ليس كتلة واحدة , ولكنها جميعا تحت تأثير عاملين مشتركين , الاول مظلة النظام الايراني الذي لا يمكنه التفريط بوحدة القائمة الاكبر في الحصول على ادارة الدولة بأداة ( شيعية ) مضمونة , والآخر الموقف الطائفي خاصة اذ كان مدعوما بتوجيه من المرجعية الدينية سواء بتوجيه مباشر لانتخاب قائمة معينة مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية الاولى او الدعوة لانتخاب ( الاقوى المؤثر ) مثلما حدث في الانتخابات البرلمانية الثانية . والعاملان يوحدان مواقف الجميع في النهاية , حيث لن يتمكن اي حزب من الاحزاب الشيعية المؤثرة الاستمرار بدون الخضوع لهذين العاملين . وفي نفس الوقت ليس الصراع بين هذه الاحزاب هو دائما على المكاسب والنفوذ والسلطة ويخلو من الدوافع الوطنية كما يحلو للبعض ترديده , ولعل في ابعاد النظام الايراني لدور المجلس الاسلامي الاعلى الذي نشأ في رعاية ايران , والتيار الصدري مؤخرا , وتفضيل التعامل مع المنظمتين اللتين انشقتا عنهما , وهما بدر عن المجلس الاعلى وعصائب الحق عن التيار الصدري ما يوضح التوجهات العراقية التي اخذت تعبر عنها سياسات المجلس والتيار وهو ما ازعج النظام الايراني .
السؤال هو : هل تستطيع قيادات هذه الاحزاب الاستمرار في تحمل الفشل المخزي الذي قاده المالكي وحزبه ودولة القانون , باعتباره الطرف الشيعي الاقوى الذي منح قيادة السلطة وإدارة العراق بسبب هذين العاملين ؟ ام ان هذه الاحزاب ستسعى لبلورة تطلعاتها الوطنية اكثر بعد ان استنفذت طرق اصلاح الوضع من خلال المحافظة على الكتلة الاكبر ؟ ولا شك ان هذا الخيار هو الذي سيضمن تعميق وجودها الوطني خاصة بعد مواقف المرجعية الدينية الاخيرة , سواء بعدم استقبالها للمسئولين الرسميين خلال السنتين الاخيرتين , او بالانتقادات اللاذعة التي يوجهها ممثل المرجعية في كربلاء اسبوعيا في صلاة الجمعة لجميع نشاطات الحكومة , ام لتأثير النظام الايراني الذي بات مشغولا بالكامل في الاسابيع الاخيرة لحل اشكالاته مع الامريكان والنظام الغربي حول مشروعه النووي والتخلص من العقوبات التي ضيقت الخناق عليه .
ولو قيض للمفاوضات الحالية بين النظام الايراني والغرب ان تنجح , ويستجيب النظام الايراني في التخلي عن طموحاته النووية , فستكون للتسوية اشكال اخرى , وستمنح ايران فرصة اكبر للنفوذ في المنطقة على حساب دولها وشعوبها , وهو ما يقلق دول الخليج والسعودية اكثر مما يقلق اسرائيل التي صعّدت لهجتها الاعلامية ضد الاتفاق . وهي تعرف جيدا ان التخلي عن النووي مشروع سياسي وليس تقني , ويتبعه اجراءات خلق موازين قوة جديدة في المنطقة , ومن بينها انهاء حزب الله بعد تجريده من السلاح , وهو الخائف حاليا كما يؤكد البعض من اتمام الاتفاق – لم يصدر عنه اي تصريح لحد الآن بشأن المفاوضات – , لتأمين الوضع الامني لاسرائل بدل اطلاق يد ايران في المنطقة العربية وإنهاء المتاجرة بالشأن الفلسطيني من قبل النظام الايراني , وهو ما يؤكده الكثير من المراقبين الغربيين . ولو قيض لإيران ان تتم لها هذه الصفقة وتعوض فشلها في اتمام مشروعها النووي الذي دفعت فيه الشعوب الايرانية للعيش في هذا الحصار الخانق , فستشعل المنطقة بصراعات طائفية لا تقل ضراوة عما يحصل في سوريا لإيجاد انتصارات وهمية تشاغل فيها شعوبها عن الفشل النووي , وهو ما يستجيب للإرادة الامريكية التي بشرت بالفوضى الخلاقة كأساس لتطوير المنطقة حضاريا , وانتشالها من سيطرت وهم الفتوحات والغزوات الاسلامية .
مقالات اخرى للكاتب