في15 أكتوبرمن عام 1973 قام أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للنفط أوابك -OAPEC - بإعلان حظر نفطي لدفع أمريكا والدول الغربية لإجبار إسرائيل على الانسحاب من الأراضي العربية التي أحتلتها في حرب 1967, و بسبب هذا الحضر, أرتفع سعر البرميل في حينها الى 10 دولارات , و بسبب الحضر و أرتفاع الأسعار, تعرض الاقتصاد العالمي لكساد كبير كان هو الأكبر في التاريخ. ولكن ما الذي يجري الأن ؟ و لماذا هبطت أسعار النفط من سقف 115 دولار للبرميل الى دون 80 دولار ويتوقع البعض أستمرار الهبوط وقد يصل الى دون الــ 60 دولار ؟ فهل هناك كساد أقتصادي عالمي نحاول النهوض به ؟ أم أننا نعيش أجواء حرب والنفط هو السلاح في هذة الحرب ؟ وأذا كانت هي الحرب, فمَن هو المستهدف في هذة الحرب ؟ ومن يقودها ؟ وهل هناك رابح وخاسر فيها ؟
النفط هوالشريان الحيوي لأقتصاديات اي دولة من دول العالم, المنتجة منها أو المستهلكة له, وتُحدد إسعارالنفط عوامل كثيرة منها حركة النمو الأقتصادي, العرض والطلب, سعرصرف الدولار وأسواق الأسهم العالمية. فعند إرتفاع أسعارالنفط, يبطى النمو الأقتصادي للدول الصناعية لأنه يرفع من سعرالتكلفة وكلفة نقل البضائع, وبإنخفاض الأسعار تخسر الدول المنتجة للنفط الكثير من إراداتها , لذا فان الطرفين بحاجة الى توافق لتحاشي خسارة اي طرف. و لكننا ومنذ بداية الأزمة السورية وأحتلال روسيا لجزر القرم في أوكرانيا نعيش أجواء حرب باردة تقودها أمريكا وحلفاءها من جانب, و تقف روسيا وحلفائها في الجانب الأخر, وقد تم الأعلان عن هذة الحرب و بشكل صريح في قمة حلف شمال الأطلسي والتي عقدة قي مقاطعة ويلز البريطانية في أيلول الماضي . حيث أعلن الرئيس أوباما الحرب على روسيا بكلماته " ستدفع روسيا الثمن بسبب سياستها في أوكرانيا ". والثمن الذي كان أوباما يتحدث عنه هوخفض اسعار النفط بسبب موقف روسيا من الازمة السورية ومعارضتها للتدخل العسكري لإستخدامها الفيتو لثلاث مرات في مجلس الآمن , وتدخلها في أوكرانيا وأحتلالها لجزر القرم. في حين جاء رد بوتين على هذا التصريح في حديث لوكالة الأنباء الروسية - تاس- " إن النفط لا يزال يشكل مصدرا أساسيا للدخل في روسيا ". وأكد أن بلاده مستعدة لكافة السيناريوهات بما فيها سيناريو الهبوط الكارثي لأسعار النفط .
أن خفض الأسعار أصبح السلاح الأول والسلاح المفضل في خوض هذة الفصل من الحرب الباردة والتي تتصاعد وتيرتها بين أمريكا وروسيا. حيث أكتشفت السويد أثارغواصة في ميائها الأقليمية وتؤكد أنها تعود لروسيا, إسقاط طائرة مروحية أرمينية من قبل أذربيجان, و أرمينية حليف روسيا و أذربيجان حليفة أمريكا, دخول بوارج روسيا الى المياه الأقليمية الأسترالية, تصاعد الإحتجاجات في جورجيا ضد سياسة روسيا و تدخلها في أكرانيا, أرتفاع وتيرة الخطابات و التهديدات من قبل الطرفين, كلها دلائل على تصاعد رياح الحرب الباردة والتي قد تسخن في أي وقت من الأوقات. ان أستخدام هذا السلاح يتم بتنسيق وأتفاق بين أمريكا وهي أكبر مستهلك للنفط ولدى شركاتها النفطية تكنولوجية إستخراج النفط الصخري, والسعودية وهي أكبرمنتج للنفط وتسعى للبقاء الأولى عالميآ في أنتاج هذة المادة الحيوية . وأن هبوط الأسعاربهذة الوتيرة يعتبر كارثي بكل ما للكلمة من معاني, ودليل على أن الصراع يتجه الى درجة كسر العظم . ولكن كيف تستطيع أمريكا خفض أسعار النفط ؟ وما هي الطريقة؟ .
منذعام 2008 أستطاعت أمريكا وعبر تكنلوجية جديدة من رفع معدل أنتاجها النفطي الخالي من الكبريت والمسمى – النفط الخفيف– بمقدار 29% وقد يصل أنتاجها اليومي من النفط الصخري الى أكثر من 10 مليون برميل نهاية هذا العام , وأن أستمرار أستخراج النفط الصخري سيؤدي الى تراجع واردات أمريكا لعام 2015 من النفط التقليدي بنسبة قد تصل الى 50% , علمآ أن متوسط إستهلاك أمريكا اليومي للنفط يقدر بــ 20 مليون برميل, أي ستبقى بحاجة الى إستيراد 10 مليون برميل يوميا. ولكن ماهو النفط الصخري ؟ النفط الصخري هو نفط يتم أستخراجه بطريقة غير تقليدي عبر تكنولوجية و تقنية حديثة تسمى Fracking أزدهرت خلال العامين 2011 و 2013 و أصبح هذا النوع من النفط منافس قوي للنفط التقليدي الذي ينتج في دول الأوبك و روسيا وغيرها من الدول. أن الكلفة الأجمالية لأنتاج
برميل النفط الصخري تتراوح من 40 الى 70 دولار, وأن 50 الى 60% من هذة التكلفة تذهب الى الأستكشاف وحفر الأبار وهي عمليات يجب القيام بها قبل الأنتاج , لذا يصبح أنتاج النفط الصخري غير مجزي أذا هبطت أسعار النفط التقليدي في الأسواق العالمية لدون الــ 80 دولار. في حين أن الكلفة الإجمالية لأنتاج برميل النفط التقليدي في المملكة السعودية اوأي من دول الشرق الأوسط يترواح ما بين 4 الى 10 دولارات للبرميل. لذا أتفقت أمريكا والسعودية ومن خلال العلاقة الأستراتيجية بين البلدين أستخدام النفط التقليدي والغيرتقليدي للتحكم بأسعار النفط, ولكن كيف يتم ذلك ؟
تقدر أحتياجات أمريكا كما ذكرنا الى 20 مليون برميل نفط يوميآ, ولا يهما أذا كان هذا النفط صخري أو تقليدي طالما يكون بأسعار منخفظة فهو ينعش أقتصادها , وكلما أنخفض سعر النفط أرتفع سعر الدولار. أما المملكة السعودية فهي تسعى للبقاء كأكبر دولة مصدرة للنفط في العالم , وهي على أستعداد لمواجهة الشركات العالمية التي تستخدم تكنولوجية النفط الصخري عبر خفض أسعار النفط التقليدي لمستوى الـ 60 او حتى 50 دولار للبرميل وهي مناورة يعدها البعض خطوة ذكية للحد من أنتاج النفط الصخري الذي سوف يصبح أنتاجه غير مجزي بسبب هبوط الأسعار, وعندها سوف تتوقف هذة الشركات عن الأنتاج وتبقى السعودية متربعة على عرش الدول المصدرة للنفط في العالم. وقد أعلن وزير النفط السعودي على عدم أكتراث المملكة من هبوط الأسعار بل أكد على المحافظة على سقف الأنتاج, و أعلن الوزير عدم أستعداد بلاده لخفض الأنتاج من أجل المحافظة على سعر 80 دولار وهو مطلب أيران و روسيا من أجل المحافظة على إيرادتهم من بيع النفط وهومسعى العراق و فنزويلا ايضآ, بل طالب الدول الأعضاء في منظمة الأوبك بتخفيض الأنتاج الكلي للمنظمة وليس حصة السعودية فقط .
أن أسباب أندلاع هذة الحرب متعددة وطبيعة السلاح المستخدم فيها قديم ولكنه بأسلوب جديد, ورغم كل هذا فنتائج أستخدام هذا السلاح سوف يهز أقتصاديات دول وينعش دول اخرى ولايستطيع أحد التنبوء بالمستقبل .سلاح خفظ الأسعار موجة الى روسيا أولآ المنتج الأكبر للنفط خارج منظمة الاوبك والذي يشكل 40% من إيرادات ميزانية الدولة, ومع العقوبات المفروضة على موسكو والإنخفاظ المستمر لأسعار النفط, سوف يعرض أقتصادها لأزمة كبرى شبيه بالتي تعرضت لها في 25 سبيتمر 1991 وأدات الى تفكك الأتحاد السوفيتي. أيران ثاني منتج للنفط في منظمة الأوبك, هي الاخرى معنية بشكل مباشر في هذة الحرب يضاف اليها العقوبات القاسية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي وتدخلها المباشر في ملفات أقليمية جعلها هدف مضاف من أهداف حرب خفظ أسعار النفط . أن تراجع أسعار النفط سوف لن يقتصر تأثيره بشكل مباشر على إقتصاديات هذين البلدين ولاعلى العلاقات الدولية والسلم العالمي, بل سوف نشهد تدهور أقتصاديات دول تعتبر نفسها بعيدة عن هذة الصراعات ونشهد إزدهار دول أخرى رغم أنها دول غير صناعية وغير منتجة للنفط. ولكن يبقى السؤال المهم ماهي النتائج المتوقعة من حرب خفض الاسعار؟
أن أستخدام سلاح خفظ أسعار النفط سوف يترك أثر كبير على الأقتصاد الروسي, حيث سوف تخسر روسيا مئات المليارات من أيرادات بيع النفط وهذا يؤثر بشكل مباشرعلى مشاريعها الأستثمارية و تطوير صناعتها العسكرية مما يترك أثر كبير على نموها الأقتصادي. الخاسر الثاني في هذة الحرب الجمهورية الأسلامية في أيران, فهي تحت حزمة قاسية من العقوبات الدولية و خفض الأسعار سوف يجعلها تعاني وبشدة من تراجع أيرادتها من بيع النفط مما قد يؤدي الى تحجيم برنامجها النووي و خفض مساعداتها الى الحكومات والجهات التي تسبح في فلك الجمورية الإسلامية وعلى راسها سوريا و لبنان واليمن وهذا هو المطلوب الذي تسعى اليه كل من أمريكا و السعودية لإضعاف أيران. ولكن تبقى هناك دول ليس لها ناقة أو جمل في الصراعات الدولية, وبعض هذة الدول منتجة للنفط و بعضها غير منتج للنفط , و بعضها دول صناعية وأخرى مستهلكة, فما هو تأثير أستخدام سلاح خفض أسعار النفط على هذة الدول ؟ للأجابة على هذا السوال لنقسم هذة الدول الى ثلاث مجاميع و نستعرض تأثير أنخفاض الأسعار على كل مجموعة من هذة المجاميع.
دول مستهلكة غير منتجة للنفط وغير صناعية: مثل لبنان, قبرص, الأردن ودول أفريقيا وأسيوية أخرى تستورد كميات محدودة لأستهلاكها المحلية قد تستفيد من أنخفاض الأسعارو لكن بشكل بسيط.
دول صناعية ولكنها غير منتجة للنفط :مثل اليابان , الهند , الصين , البرازيل وغيرها من الدول التي تحتاج النفط كوقود لأستمرار صناعتها وأنخفاض الأسعارسوف يؤثر على نموها الأقتصادي . حيث وكما ذكرنا أن خفض أسعار
النفط سوف يؤدي الى إرتفاع أسعار الدولار, وبما أن النفط يباع بالدولار, سوف تضطر هذة الدول الى تحويل عملتها المحلية لشراء الدولار المرتفع من أجل شراء النفط وهنا تكمن خسارة هذة الدول, يضاف لها أرتفاع كلفة منتجاتها مما يقلل منافسة منتجاتها في الأسواق العالمية .
دول منتجة للنفط وغير صناعية: مثل العراق, ليبيا, الجزائر, فنزولا وغيرها من الدول, بعض هذة الدول سوف يتعثر أقتصادها وقد يتعكر برنامجها التنموية. لكن يبقى العراق وليبا هما الخاسر الأكبر في هذة الحرب لأنهما يمران في صراع وحروب داخلية وهما بأمس الحاجة الى بقاء أسعار النفط بأعلى مستوى له . بل يذهب بعض المحللين أن العراق هو الخاسر الأكبر في هذة الحرب لحاجته الماسة لأكبر كم ممكن من الإيرادات لأعادة بناءه بسبب الدمار الذي لحق به و أثار الحروب و حجمه السكاني الذي يزيد على الـ 32 مليون نسمة. حيث أن الحصار الذي فرض على العراق آبان النظام السابق و لمدة 13 عامآ لا تزال أثاره واضحة و لم تستطع الحكومات المتعاقبة منذ 2003 ان تصلح ما أفسده ذلك الحصار يضاف اليها الوضع السياسية والإجتماعي المرتبك في البلاد. حيث أن أنخفاض أسعار النفط الى دون الــ 70 دولار سوف يضيف الى العراق محنة جديدة تضاف الى المحن التي يعاني منها وهي الصراعات السياسية , تفشي الفساد المالي و الأداري, أنعدام الخدمات, ترهل عملية الأعمار. وأذا ما أضيف اليها أنخفاض الدخل الوطني فأنها سوف تقتل برنامجه التنموية والأعماري وكل أمكانيات تؤفير فرص العمل لمئات الألف من الخرجين ويحجم قدراته العسكرية في حربه ضد الأرهاب الذي يعصف به منذ 2004 . ويعزوالمحللين الى خسارة العراق بالدرجة الأولى لعدم أمتلاكه أو تبني سياسة أقتصادية واضحة منذو 2003 يضاف لها أبعاد أهل الخبرة عن دائرة صنع القرار من قبل الساسة و الكتل السياسية, بل يذهبون الى أكثر من ذلك و يؤكدون أن أيرادات سعر بيع النفط دون الـ 70 دولار للبرميل سوف لا تكفي حتى لدفع رواتب موظفي الدولة. ويبقى السؤال هل سوف تنجح أمريكا و السعودية من تنفيذ أتفاقهم و ما هي ردود أفعال روسيا و حلفاءها لهذا الأتفاق, و تبقى الايام القادمة حبلى بالأحداث و لا تخلو من الفعل و ردة الفعل فأنها الحرب الباردة.
مقالات اخرى للكاتب