لعل اهم ما يميز العمل الاعلامي في ظل وجود تيارات وايدلوجيات مختلفة هو مقدار المصداقية التي سيتحلى بها ذلك العمل ومقدار مقاربته للوقائع ونقلها كما هي حتى لو ادخلت في قوالب الايدلوجية التي تحكم ذلك العمل.
فتزييف الحقائق او قلبها او إخفائها لا يمكن له ان يصمد في ظل التطور الكبير الذي اصاب الثورة الاعلامية التي يشهدها العالم في كل امكنته ورقعه الجغرافية التي لم تبقي لاحد من سر او معلومة مخفية الا وظهرت كما تظهر الشمس في صبح كل يوم. هذه الحقيقة يجب ان لا تخفى على من يمارس العمل الاعلامي ويمتهنه ويكون هو رصيده ورأس ماله حتى يأمن تقلب الاحوال ويعزز من مكانته ويحفر لأسمه او لاسم مؤسسته مهما كان اتجاهها مكانا بين زحمة الاسماء التي تشاركه العمل نفسه.
وتزييف الحقائق وقلب الامور لا يأتي اعتباطا وليس رغبة شخصية من قبل الشخص نفسه وانما تفرضها امور اخرى تشترك فيها مصالح ضيقة وآنية وربما تكون وفق توجيهات وتوجهات ممنهجة ولكن رغم كل هذا وذاك يجب ان يحسب من يتصدى لنقل الامور حساب دقيق لظروفها قبل الخوض في امواجها لانها قد تتسبب في غرقه في او حال لن يذهب اثرها بسهولة.
ظهور الاعلامي المحسوب على ائتلاف دولة القانون عدنان السراج ممتطيا صهوة حصان خشبي ركبه غيره ولم يتقدم خطوة واحدة ، امر يأسفه اي اعلامي في ان تنحدر الامور الى هذا المستوى من محاولة قلب الحقائق وافتراء الاشياء وتسويق اخبار لا وجود لها على ارض المصداقية خاصة وان النظر بعين عوراء او حولاء الى الامور لا يغير من واقعها شيء فليس كل الناس يشابهونك في عور او حول .
يتهم السراج كل من السيدين الحكيم والصدر بأنهما نحرا سوية التحالف الوطني وشقا الصف الشيعي وانهما بذلك وجها ضربة قاصمة للكتلة الشيعية الاكبر والسبب في ذلك انهما تفاهما واشتركا سوية بعد ان عجزا عن التفاهم مع ائتلافه ، دون ان يمر على باقي الاطراف المكونة لهذا التحالف وهل كانت مثلا حملا وديعا تتلقى ضربات الحكيم والصدر مكتفية بالتظلم والتشكي؟ ام ان لها دور في هذا النحر وربما من وجهة نظر مخالفة لوجهة نظر السراج قد تكون هي من وجهت تلك الضربة القاصمة ، والادلة على ذلك لم تعد خافية على العوام والخواص .
الطرف الاخر الذي يريد السيد السراج تبرئته كان هو الطرف المتصلب طيلة اكثر من خمسين يوما من المفاوضات الشاقة والمريرة ، التي جعلت من الطرف الاول يبدو امام جماهيره وكأنه مستسلم راضخ لكل الشروط التي تفرض عليه، من اجل المسير والمضي قدما بأتجاه التعجيل في تشكيل الحكومات المحلية ، ولم يقطع معه سبل التفاوض حتى والحكومات جالسة تنتظر التصويت على المناصب وكانت مستعدة للقبول بأقل الامتيازات في سبيل أرضاء غرور وتمادي ذلك الطرف ، والسبب في ذلك الحفاظ على اللحمة والوحدة والمضي معا .
ان كان السرّاج على اطلاع بهذه المعلومات فكلامه كان يشبه المصيبة وان كان لا يعلم وانا استبعد ذلك فكان عليه ان لا يجازف ويترك العنان لسيف التزييف ان ينحر مصداقيته لأنه سيحتاجها يوما ما مثلما احتاج تأريخ اسرة ال الحكيم موضوعا لنيل شهادته العليا في ذلك اليوم الذي نالها فيه.
وبدلا من ان يأخذ السيد السراج دور تحليل المزاجات ليكتشف ان مزاج السيد الفلاني كان منزعجا من هذا التصرف او ذاك وان السيد كذا طلب من السيد الفلاني و( توسل اليه ) ان يرتب له لقاء مصالحة مع زعيمه ليظهر لنا نفسه كأنه مطلع على خفايا الامور ، كان عليه ان يراجع قليلا ما يقوم به من يحاول الاساءة اليه من امور تدعم الحكومة فبينما كان السراج يبث سمومه كان الحكيم يعقد في مكتبه اجتماعا ضم عشائر شتى من مختلف عموم العراق لتوقيع ميثاق شرف من اولى مبادئه دعم الحكومة الحالية وترسيخ الوحدة والشراكة التي تدعم ديمومة العمل السياسي في العراق فهل هذا فعل ناحر للوحدة وشاق للصفوف ياترى ؟.
من حق الاعلام الذي ينتمي لجهة او حزب او تكتل او اي توصيفة من هذا القبيل ان يروج لجهته وان يدعم مواقفها ولكن مع ذلك عليه ان لا ينسى امرا واحدا وان يجعله من البديهيات في ذلك العمل وهو ان يؤطر كل ذلك العمل بالمصداقية لان التزييف وقلب الامور لا تصمد طويلا امام الحقيقة التي يبحث عنها الجميع وان لم تكشفها الدقائق فستنجلي عنها غبرة التزييف لاحقا ولو بعد حين.
مقالات اخرى للكاتب