أول شيء ارغب في أثارته هنا سياسة المحافظون الجدد في أمريكا , ان الصورة العامة لعقيدة الحرب التي رسمتها لنا الإدارة والمحافظون تشير الى ان المفهوم الواسع لما يسمى بالحرب الشاملة ضد الإرهاب هو ان العالم المتحضر يقاتل البربرية , هذا الموقف أشارت اليه مؤخرا (business week ) بأي طريقة او بأي طرق تعتقد ان هذا غير دقيق تاريخيا او سياسيا , وبخاصة ما يتعلق بنطاق وكثافة الجرائم المرتكبة من قبلنا نحن أنفسنا ضد البرابرة الذين افترضناهم , أسلامين وأطفال ومدنيين وغيرهم في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان , مستوى العنف الذي نرتكبه لا يمكن حتى مقارنته مع نطاق ما نتحدث عنه , اقصد ان مستوى التدمير والإرهاب والعنف الذي نفذته الدول القوية يتجاوز الى حد بعيد اي شيء يمكن ان نتصوره ان بمقدور المجموعات التي تسمى إرهابية او وطنية ان تقوم ب هاو تلحقه بنا , أريد ان أقول لنأخذ العراق كمثال أفضل للتقديرات الراهنة عن القتلى بعد الغزو هي بحدود 100000 وربما أكثر ربما اقل الإرهابيون سيحتاجون وقتا طويلا ليقتلوا 100000 شخص لنأخذ اكبر عمل إرهابي نسب الى الإرهابيين في سبتمبر حوالي 3000 شخص قتل وهو عمل وحشي وفظيع الى حد كبير لكن مع استمرار الأعمال الوحشية التي أعقبت ذلك لم يعد هذا الرقم يمثل شيئا كبيرا , خذ على سبيل المثال ما يطلق عليه الناس المقيمون في جنوب ريوكراند(rio grande ) نهر في جنوب البرازيل يشار إليه كحد فاصل بين شمال وجنوب أمريكا الجنوبية في 11 سبتمبر الأخر ان 11 سبتمبر 1973 الذي تورطت فيه الولايات المتحدة الى أذنيها ذلك هو قصف قصر الرئاسة في سانتياغو عاصمة تشيلي , والانقلاب العسكري وموت الرئيس سلفادور الليندي وتدمير الديمقراطية الرائدة وهي أقدم ديمقراطية في أمريكا اللاتينية العدد الرسمي لقتلى الحادي عشر من سبتمبر 1973 يتجاوز 3000 والرقم لا يضم سوى الجثث التي تمكنوا من إحصاءها فعلا , أعداد القتلى ربما تتجاوز ضعف هذا الرقم , اذا نظرنا الى الرقم من وجهة نظر مبنية على أساس المقارنة النسبية "population terms comparative " اقصد مقارنة عدد السكان فسيعادل الرقم مقتل حوالي 50 ألف الى 100000 شخص في الولايات المتحدة لم نكن نعرف حتى لوقت متأخر الأرقام التفصيلية لعدد الأشخاص الذين خضعوا الى التعذيب انها بحدود 30000 هذا يعني 700000 في الولايات المتحدة , الآلاف من حالات الاغتصاب والإساءات الأخرى فالكثير من الناس اختفوا هكذا بكل بساطة , لا احد يعرف ماذا حل بهم , تم أيضا تأسيس عمليات إرهابية دولية تحت ما أطلق عليه في حينه اسم عملية كوندور التي جمعت خلالها الولايات المتحدة أجهزة الأمن والمخابرات في الدول لمجاورة لشيلي مع بعضها لتشكيل منها منظمة إرهابية واحدة لقد شبهت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية مؤسسة دينا وهي المنظمة الإرهابية التشيلية التي تديرها الدولة بالمخابرات السوفيتية (كي ,جي , بي ) لم ترى الولايات المتحدة عيبا في هذه المؤسسة , ولم ترى انها ارتكبت فضاعات عندما كانت تخدم مصالحها وتقوم بمساندتها وبريطانيا ايضا ساندتها بحماس , وهكذا في الحقيقة ان نشاطاتها الإرهابية الدولية لم تتوقف الا بعدما ذهبت خطوة واحدة ابعد مما كان مقررا لها , لقد اغتالت دبلوماسيا معروفا في واشنطن العاصمة وهذا امر لم يكن مسموحا به وعليه فقد تم تنبيهها للتهدئة غير انها بقيت وحشية الى حد ما لكن ليس بدرجة سيئة جدا , حسنا هذا مجرد حدث واحد جرى في 11 سبتمبر 1973 , حدث هذا في عملية واحدة كانت الولايات المتحدة متورطة فيها بصورة مباشرة , اذا ما أخذنا العمليات التي نفذتها الولايات بنفسها فلن يكون بمقدورنا إحصاء نطاق القتل والتدمير , أريد ان أقول خذ حالة واحدة أدينت فيها الولايات المتحدة الأمريكية فعلا لإعمال تتعلق بالإرهاب الدولي وأمرت ان تنهي الجريمة . اني أتحدث هنا بشكل خاص عن الهجوم على نيكاراغوا الذي ذهب موضوعه الى محكمة العدل الدولية , لقد توجب على المحكمة الدولية ان تبحث القضية في أطار ضيق جدا لان الولايات المتحدة قد استثنت نفسها من الالتزام بالمعاهدات الدولية , وعليه لم يكن ممكنا جلب الولايات المتحدة أمام المحكمة الدولية فعلى سبيل المثال الجرائم الدولية الكبرى , والغزو , وانتهاك ميثاق الأمم المتحدة او انتهاك المعاهدة الدولية ضد جرائم الإبادة . هذه الأمور الولايات المتحدة مستثناة منها , لأنها استثنت نفسها من ان تكون عرضة للمسائلة أمام محكمة العدل الدولية حول انتهاكات للمعاهدات الدولية , وعليه فقد توجب على محكمة العدل ان تتعامل مع قضية نيكاراغوا بأضيق نطاق ممكن فقط من زاوية المعاهدات الثنائية المبرمة بين نيكاراغوا والولايات المتحدة . وقانون الجمارك الدولي , وعلى الرغم من ذلك فقد أدانت المحكمة الولايات المتحدة لما أسمته بالاستخدام الغير القانوني للقوة , وقد أعطت حكما أوسع من ذلك بقليل جدا عندما ذهبت الى ابعد من مدى النطاق الفعلي للقضية بأصدراها أمرا للولايات المتحدة بأن تنهي الجرائم , وان تدفع تعويضات جوهرية لنيكاراغوا , بدورها تجاهلت الولايات المتحدة الحكم , واستخدمت حق النقض ( الفيتو ) مرتين ضد قرارين عرضا أمام مجلس الأمن الدولي يؤكدان قرار المحكمة الدولية , ثم مضت تواصل الحرب , كانت النتيجة النهائية للحرب على نيكاراغوا كما يلي : مرة أخرى اذا ما أخذنا بمبدأ المقارنة النسبية من حيث السكان والثروات فقد قتل ما يعادل 5.2 مليون شخص في الولايات المتحدة . وهو رقم يتجاوز بكثير عدد القتلى الأمريكان في كافة حروبها على مدى التاريخ الأمريكي بضمن ذلك الحرب الأهلية , لقد دمرت البلاد وهي اليوم ثاني أفقر بلد في نصف الكرة الأرضية , وبعد ان استحوذت الولايات المتحدة عليها ثانية في 1990 , انحدرت البلاد نحو الجحيم أكثر فأكثر , وألان تشير التقديرات الى ان أكثر من نصف الأطفال في نيكاراغوا دون سن الثانية يعانون من سوء التغذية حاد . يعني يحتمل أصابتهم بتلف في الدماغ. في بداية الثمانينات عندما بدأت الولايات المتحدة الحرب , تلقت نيكاراغوا تثمينا من المنظمات الدولية وحتى من البنك المركزي الدولي للتقدم الجوهري الذي حققته , لقد فازت بجوائز التطور الذي حققته واحدة من صندوق الأمم المتحدة للأمومة والطفولة ( يونسيف ) للتحسن الذي أنجزته في صحة الأطفال والتنمية عموما , ألان هي على النقيض تماما أريد ان اقو لان ما ذكرته يمثل حالة منفردة واحدة , هي مجرد نموذج صغير يفوق في وزنه تماما كافة النشاطات الإرهابية التي يمكنك ان تعزوها فئة من الناس , ما ذكرته غير قابل للنقاش والمجادلة , هذا مجرد مثال صغير , انا حتى لم أتحدث عن الحروب الرئيسية الى فيتنام , والمثال الفيتنامي يمثل عدوانا مباشرا , لا يمكننا ان نسميه إرهابا مع مقتل من يدري ؟ ربما ملايين الأشخاص او أكثر , والفيتناميون ما زالوا يموتون من تأثيرات الحرب الكيميائية الواسعة النطاق التي شرع باستخدامها منذ عهد جون كيندي هذه مجرد مثال للولايات المتحدة وحدها , الق نظرة على دول غربية أخرى ليست كقوة الولايات المتحدة الأمريكية , لكن العنف الذي استخدمته فاق التصور , مثلا فرنسا في أفريقيا , وبريطانيا في كينيا وأماكن أخرى , ان ما قاموا به يتجاوز بمسافة بعيدة جدا نطاق اي نشاط إرهابي أخر , وهذا ما نلاحظه اليوم ان الأمر يتجاوز أطار ( المدنية ) ضد ( البربرية ) .