تتجه أنظار ممن يملكون الضمير هذه الأيام نحو الموصل ثاني أكبر مدينة عراقية، إذ إن العملية التي أطلق عليها اسم "الفتح" بهدف تحرير نينوى من "داعش الإرهابي "، وقد تشكل لهذا الغرض تحالف قوى دولية متنوعة التركيب، مدعوم بقوى عسكرية تنفيذية عراقية وكردية والميليشيات الحشداوية، والجيش العراقي وبقية الاجهزة الامنية ، لكن ما تشهده الموصل هذه الأيام من قصف وحشي وعنيف ليس حربًا وإنّما إبادة جماعية، هو قرار بالقضاء على الموصل وبمحوها، فلم يسلم لا بشر بها ولا حجر، دماء، أطفال تحت الركام، نساء تحت الحجارة، وجثث في الشوارع والساحات، مدينة رمادية من دخان يحمل رائحة الموت، تختلط صور المقابر الجماعية بصور الرعب والخوف من النازحين الناجين،والسؤال الذي يدور في راس العقلاء ، لماذا كل هذا؟
قد تكون الإجابة في تقريرين امريكين :
1- نقل السناتور الأمريكي لينزي جراهام يوم (الأربعاء الفائت)، عن رئيس الوزراء حيدر العبادي أن إعادة إعمار محافظة (الأنبار ومدينة الموصل ) سوف تكلف نحو 50 مليار دولار، مشيرا إلى حديث دار بينهما .وقال جراهام في جلسة لمجلس الشيوخ حضرها وزير الدفاع جيم ماتيس والجنرال جوزيف دانفورد رئيس هيأة الأركان المشتركة امس “سمعت من رئيس وزراء العراق ، أن تكلفة إعادة إعمار محافظة الأنبار، والآن الموصل، هي حوالي 50 مليار دولار”.وكان رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي اشار خلال مباحثاته السياسية في واشنطن الى اهمية دعم العراق في (اعادة اعمار المناطق المحررة)!!!
2- اعلن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش، (السبت) (أي بعد أيام عن طلب العبادي لل50مليار)، أنه قصف يوم (الخميس ) موقعًا غرب الموصل، حسبما أفادت تقارير عن سقوط عشرات القتلى المدنيين فيه إثر ضربة جوية.
وأفاد بيان صادر عن التحالف، أنه "الاستعراض الأولي لبيانات الضربات، يشير إلى أن قوات التحالف قامت بضرب مقاتلين تابعين لتنظيم داعش ومعداتهم بناء على طلب من القوات العراقية في غرب الموصل في الموقع الذي شهد مجزرة المدنيين وان التحالف سيفتح تحقيقا بماحدث !!!
من التقريرين أعلاه يجب على كل لبيب ان يفهم العلاقة بين طلب العبادي ال50 مليار ومشروع ترامب النفط مقابل الاعمار وبين الإصرار على تدمير البشر والحجر في الموصل وجعلها صورة بائسة ومثال حي لشرعنه طلب العبادي وقرار ترامب !!
ان هذه المدينة المنكوبة في ظل غياب إعلامي وإنساني محلي ودولي لايرتقي لمستوى المجازر التي تحث فيها، ومجهود فردي للمنظمات الإنسانية سواء الدولية أو المحلية وضعف كبير من وزارة الهجرة والمهجرين ، اهالي الموصل وكل الناشطين في الواقع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لم يدخروا طريقة للمناشدة، ورغم بشاعة صور الأطفال وهم يبكون من الخوف وارعب ومأساوية مشاهد الموت التي يتم تسريبها من هناك، إلا أنها لم تُقابَل بأي تحرك حكومي أو حتى دولي يوقف هذه الكارثة، التي تهدد حياة مئات الالاف لم يعد بإمكانهم تحمل الجوع والرعب وبدأوا يتساقطون أمامه واحدًا تلو الآخر بيد قناصي داعش او بصواريخ التحالف اوبقذائف القوات الحكومية ومليشياتها. ولاسف حكومتنا حتى على الموت هناك من ينبري ليشكك في الموت، ويحمّل الضحية مسؤولية الموت ,فحكومتنا وأنصارها ردوا على الأمر بالبراغماتية المعهودة عنهم منذ سنوات، والتي لا تختلف كثيراً عن براغماتية تحميل المسؤولية للمقتول دائماً، حيث قالت البيانات الصادرة عنهم: إن المسؤول عن مايحدث هم عناصر داعش الذين يتخذون المدنيين دروعا
" وهنا لا نبري داعش فهم اشد اجراما مما يتوقعه الجميع . ولكن أعتقد أن مثل هذه الذرائع لا تنطلي على أحد ممن يحمل في رأسه ذرة منطق, فلو كان لديهم اي شعور بان من في الموصل كابنائهم وهم مسؤلون عن انقاذهم او ايصال المساعدة لهم لحين اكمال تحريرهم ,ولاستخدموا ادق الخطط لاكمال تحريرهم باقل الخسائر .
الموصل اليوم تحكي قصة موت الضمير الإنساني، فالعالم يقف بأجمعه متفرجًا على هذه المدينة التي تتجول فيها رائحة الموت والقصف والجوع والإبادة بكل حرية، ما وصل إليه الحال في الموصل يستدعي ويستحق أن تتظافر كل الجهود وتتعالى جميع الأصوات للضغط على الحكومة العراقية والمجتمع الدولي لوضع حدٍ لمعاناة المحاصرين فيها، قبل ان تحدث الكارثة جديدة وهي ابادة الاف أخرى من المدنين باقسى انواع اﻻباده وهو الجوع والرعب ودفنهم احياء و المبكي في الموصل هو ان حالها أصبحت العيون تأبى رؤيته والعقول ترفض إدراكه.
مقالات اخرى للكاتب