الفيدرالية هي نظام سياسي أداري اقتصادي متطور ذو اسس قانونية , يقوم فيه مستويان حكوميان بحكم نفس المنطقة الجغرافية ونفس السكان , واصل الكلمة قدم من الكلمة اللاتينية فيديرا وتعني الثقة وكلمة فدبوس تعني الاتحاد . مفهوم الفيدرالية مفهوم دستوري بحت بعيد عن السياسة تعني توحد أقاليم اتحادية تتوزع فيها الثروة الوطنية بصورة متساوية تضمن لكل اقليم حقه .
الدولة الفيدرالية دولة حقيقية واحدة تمتلك مقومات السيادة (هناك مبدأ قديم يقول بعدم تجزئة السيادة ) , جيش واحد بقيادة واحدة , سياسة خارجية واحدة , تمثيل دبلوماسي واحد , علم واحد , نشيد واحد , اقتصاد واحد .. الخ , كما لايوجد في الفدراليات ما يسمح بانفصال الفيدرالية وخروجها من الاتحاد .
والفدرالية نظام سياسي يقوم بتنظيم العلاقات بين اكثر من طرف واحد , ولقد مرت الفيدرالية بفترات تطور عديدة اعطتها شكلها الحالي , والتي تكونت عبر التاريخ عن طريق اقامة علاقات ومعاهدات واتفاقيات حسن الجوار والحفاظ على التجارة بين القبائل هي الدليل على معرفة الدولة الاسلامية بالفيدرالية سابقا.
وفي القرن العشرين ارتبطت ظاهرة الفيدرالية بمبادئ الدفاع عن حقوق الاقليات والاثنيات القومية والدينية الصغيرة بالتوجه نحو إضعاف مفهوم الدولة المركزية .
فتكثر الأنظمة الفيدرالية حيث يكثر التنوع القومي والاثني والديني . فهي مطبقة في كل من الولايات المتحدة والارجنتين والبرازيل والمكسيك وسويسرا ويوغسلافيا واستراليا والهند و اندنوسيا وغيرها من الدول . وقد اختلف مفهوم الفيدرالية وكيفية تطبيقها من دولة الى اخرى . وبما انها مفهوم سياسي يتعلق بالنظام السياسي والسلطة , وبما ان الديمقراطية , والتمثيل السياسي والتمثيل الاقتصادي والاجتماعي , هي من المقومات الأساسية للفيدرالية فانها بذلك دائما " عرضة لسوء الفهم والتطبيق , ومعيارها الوحيد هو الديمقراطية واحترام المصالح والسيادة للدولة والقوميات . ويكاد مفهوم الفيدرالية يترادف مع قول الفيلسوف (جفرسون) في القرن الثامن عشر ( الدولة التي تحكم جيداً هي التي تحكم اقل) فالتجاوب مع الحاجات القومية والاقليمية , هو معيار اخر للفيدرالية . ومن هنا فأن الدول الفيدرالية تكاد النقيض للامبراطورية التي تتميز بمركزية شديدة وبسيطرة المركز على الاطراف .
لعل من اخطر ما يواجه المجتمع العراقي اليوم , ويخل في توازنه الاجتماعي , الذي عاش في ظله العراق قرونا بعيدة في الزمن . حتى اصبح من البديهي القول , بان المجتمع العراقي يشكل نسيجاً متجانساً من اثني وديانات ومذاهب مختلفة توحدها مصالح مشتركة في العيش بسلام وامن في كنف الرافدين , وتشدها الى بعضها لحمة المصاهرة والقرابة وتاريخ المحن والمصائب الذي شملت الجميع . ذلك التوازن الذي لم تقوى على الاخلال به اعطى قوى الاستبداد والطغيان , بل على العكس , زادته اتساقا ومنحته ثباتاً وتلاحماً عبر القرون التي عاشها العراقيون وهم موحدون , كتلة متراصة في مواجهة عاديات الزمن ومخاطر التمزيق والتفرقة الطائفية والمذهبية ..
ان هذا الخطر الذي يداهم المجتمع المسالم ويهدد بالاخلال بتوازنه الاجتماعي , لم يأت فقط , وطبقا لما يروج له , من هجمة الارهاب المستفحل والذي تتعاظم مدياته مع الايام , رغم ما له من اثار مدمرة على المجتمع والبلاد , حيث وقفت ضده كافة مكونات المجتمع بصبر وصلابة , ولا زالت تقدم المزيد من التضحيات والدماء في هذه المعركة المصيرية وحسب , بل انه في الغالب الاعم خطر قادم من داخل البيت نفسه وبيد اصحابه من بعض اطراف العملية السياسية , من خلال سياسات وصراعات داخلية ومقترحات مشاريع قوانين , ان كتب لها النجاح فان نتائجها – لا سامح الله – ستكون وبالاً على وحدة التوازن الاجتماعي , ومالها الى تمزيق وحدة نسيج المجتمع العراقي ..
بل ثمة ما يؤكد ذلك , هي تلك المشاريع التي تطرح في الساحة السياسية اليوم , والتي يروح لها كثيراً باعتبارها الطريق الوحيد لانقاذ البلاد من شر الارهاب , تلك المشاريع التي تتعكز على الشرعية الدستورية في تشكيل الاقاليم , وتنسب لنفسها , بما تمتلكه من اكثرية برلمانية " مدعمة " , حق التقرير في امور مصيرية جرى تثبيتها في الدستور , من قبل انصار نفس هذه المشاريع , وفي ظل ظروف غير مؤتية على الصعيدين السيادي والامني , تلك المشاريع ورغم شرعية ما تستند اليه وهو الدستور , فانها على مستوى الواقع العملي من يقف وراء خطر الاخلال بالتوازن الاجتماعي المذكور , وتمزيقه ...
الظاهرة الفدرالية :-
انتشرت الفدرالية بشكل واسع في معظم الدول , وانتشارها لم يكن فحسب بل وعموديا ً بمعنى انها اصبحت تنطبق على مختلف التنظيمات الاجنبية سواء على صعيد الدول او على صعيد المنظمات الدولية او المحلية . ولكن تفكك الاتحاد السوفيتي سابقاً في بداية التسعينات اخذت تتراجع الفدرالية في العديد من الدول وبخاصة تلك التي كانت تدين بالعقيدة الشيوعية مثل يوغسلافيا السابقة وتشيكوسلوفاكية .
كما وان في الدول الفدرالية الراسمالية تظهر التفكك مثل كندا حيث ان ولاية كوبيك تطالب بالحاج بالانفصال . والسبب في ذلك هو برمز عنصر القوميات بشكل قوي في تلك الانظمة الفيدرالية . من الناحية التاريخية تنشأ الدولة الفدرالية بانضمام عدد من الدول الى بعضها الاخر لتشكل دولة فيدرالية مركزية , ويعرف هذا الاسلوب بالفيدرالية الاندماجية التجمعية او بانفصال دول موحدة الى عدة دول تعتمد باستمرار الروابط الاتحادية المركزية فيما بينها , كما كان الحال بالنسبة للاتحاد السوفاتي السابق , وكذلك بالنسبة للمكسيك والبرازيل والارجنتين .
انواع الفيدرالية :-
الفيدراليات ككل القوانين والعلاقات السياسية تتطور عبر المكان والزمان في بقاعات مختلفة في العالم , واهم الفيدراليات التي يمكن ذكرها .
1- فيدرالية تعاونية : يكتمن هذا التحالف بالتعاون بين المقاطعات الفيدرالية والحكومة المركزية وذلك لحل المشاكل المشتركة حسب القدرات والامكانيات المتواجدة على المستوى الحكومي والاقليمي . مثال على ذلك كندا , حيث تعتبر واحدة من البلدان التي تعمل بشكل جدي نحو هذا النوع من الفيدرالية , فيدرالية حقوقية ( متساوية في سن القوانين ) يسند الى الفيدرالية مسؤولية وصلاحية غير محدودة في سن محدودة على جميع المستويات ذات العلاقة بمصالح الفيدرالية . هذا النوع من الفيدرالية التي يمكن ايجادها في اغلب الدول ذات الطابع في الحكم بشكل خاص في ألمانيا والنمسا .
متميزة ومستقلة , وتقبل السلطات الفدرالية المشاركة بفاعلية في العمل المشترك .
السلطات الفيدرالية وسلطات الوحدات الفيدرالية في هذه الحالة لها علاقة في مسار عملية صنع القرار .
غالبا ما يقدم هذا التعاون كمضاد للانظمة ذات الاستقلالية الزائدة .
مثال : اثيوبيا , ألمانيا , جنوب افريقيا , فنزويلا , وبلجيكا .
صيغة التنظيم التعاوني التوافقي هي جزء هام من الفيدرالية التعاونية .
لدى الفيدرالية التوافقية تقسيمات داخلية رئيسية على طول الخطوط العرقية والدينية واللغوية , ولكنها تتمكن من البقاء مستقرة نتيجة التشاور بين النخب الممثلة لمجموعاتها الاجتماعية الرئيسية .
انها تستطيع البقاء في دولة موحدة الادارة او في دولة فيدرالية . ولكنها تحتاج الى البقاء في الدولة الفيدرالية من اجل المحافظة على درجة محددة من التماسك .
لتكون فاعلة , يجب ان تترجم باليات مؤسسية من التعاون مثل المؤسسات ذات الاغراض المحددة .
مثال : سويسرا , الهند , وبلجيكا .
يضمن المبدأ التوافقي عدم تخطي اي من المجتمعات بقرار بشأن سلوك الدول الفدرالية .
ولقد ترجم ذلك في بلجيكا في العديد من الاليات .
2- فيدرالية متباينة :-
حينما تكون المقاطعات الفيدرالية تختلف في مؤهلاتها ( محتوياتها السياسية والقومية والجغرافية ) عندئذ يتم الاتفاق بين الحكومة الفيدرالية المركزية والمقاطعات على شكل فيدرالي اداري معين معتمدا على الواقع المختلف في امكانيات ومتطلبات كل مقاطعة لادارة قضايا . اسبانيا تمثل هذا النوع من الحكم الفيدرالي بقدر كبير رغم عدم تعريف الدولة لنفسها رسميا .
3- الفدرالية المنطقية او الشخصية :
يمكن تأسيس الوحدات الفيدرالية على اساس مناطقي او شخصي :
تتشكل الفدرالية المنطقية بواسطة تقسيم المناطق الوطنية الى مناطق جغرافية مثل الاقاليم والمقاطعات والمناطق ... امثلة : ألمانيا , الولايات المتحدة , اسبانيا , المملكة المتحدة ...
ضمن حدود صلاحيات سلطات الوحدات الفيدرالية , ستحكم الاوضاع والسكان الذين يعيشون في هذه المناطق من قبل الوحدات الفدرالية بناء من مبدأ التجانس .
الفيدرالية الشخصية ( الفدرالية غير المنطقية ) تتالف بواسطة تعطاء الافراد قانونا يمكنهم من الاعتماد على القواعد التي تنقحها الوحدة الفيدرالية اينما كانوا في الاراضي الوطنية . امثلة : بلجيكا , هنغاريا , مصر ..
قد يكون هذا الشكل بناء بشكل خاص من حالات المجتمعات غير المتجانسة عرقيا ودينيا ولغويا .
هذه السلطات المستقلة وغير المترابطة منطقيا يمكن مقارنتها بالملة في الامبراطورية العثمانية :
حافظت المجموعات غير المسلمة على دياناتها , ومؤسساتها التعليمية واللغوية والثقافية .
قد يكون للخيارات الفدرالية نتائج كبيرة .
في حالة الفدرالية المنطقية , تتراجع حماية حقوق الانسان , على سبيل المثال , الى حدود المناطق المحددة في الدولة الفدرالية .
الفدرالية الشخصية , على العكس من ذلك قد تؤدي الى الترويج لانظمة اكثر احتراما لحقوق الانسان واكثر حماية لحقوق الاقليات . الا انها قد تجلب معها مسألة صعوبات التعايش المشترك بين المجتمعات المتميزة والمتخاصمة في منطقة واحدة .
ضرورة تأسيس سلطات فدرالية شخصية سيكون مبنيا على المسح الديمغرافي للاقاليم الجديدة .
اجراءات تجميع المحافظات يجب بالضرورة ان يحترم اصوات الاقليات . وبخلافه , عليها ان تؤسس اجراءات حنائية .
يمزج النظام البلجيكي الفدرالية المنطقية في الامور الاقليمية والفدرالية الشخصية في الامور المتعلقة بالمجتمعات .
انه حل معقد جدا . بما ان الوضع السياسي معقد فان الحلول المؤسسية لا يجب أن تكون حلولا بسيطة او مفرطة في التبسيط .
4- الفيدرالية غير التماثلية والفدرالية المتسقة :-
الفدرالية المتسقة تتميز بوحدات فدرالية تتمتع بذات المركز والبنى وذات الصلاحيات والموارد المالية .
امثلة : ألمانيا , الولايات المتحدة ...
تسمح الفدرالية غير التماثلية لكل وحدة فدرالية بان يكون لها مركزا مميزا . انها تاخذ الوضع الخاص للاقاليم بعين الاعتبار . انها فدرالية " بناء على الطلب " .
5- الفدرالية التنافسية :
تتمتع الحكومة الفيدرالية بدور مصغر في الوحدات الفدرالية .
لدى الحكومات الفدرالية دور متزايد في ادارة شؤونهم الخاصة .
مثال : باكستان , المملكة المتحدة , النمسا , البرازيل , مكرونيسيا , سويسرا وبلجيكا
الفدرالية الالزامية تستمر الحكومة المركزية " بادارة " السياسة الفدرالية وسياسة الوحدات الفيدرالية .
القانون الفيدرالي وقوانين الوحدات الفدرالية يمكن ان تقدم من قبل الحكومة الفدرالية , مثال : نيجيريا وايطاليا .
6- الفدرالية المتساهلة :
تستمد سلطات وصلاحيات الحكومة الفيدرالية فقط بموافقة الحكومة الفيدرالية .
تطور السلطات الفيدرالية سلطاتها من الحكومة الفدرالية .
انها قريبة جدا من نظام الادارة الموحدة .
مثال على ذلك : النمسا , الهند , ماليزيا , المكسيك, والاتحاد الروسي .
اسس الدولة الفيدرالية :-
1- اولوية الدولة على الوحدات الاقليمية المكونة لها :
نظام اللامركزية السياسية ليضع الدولة المركزية والولايات المكونة لها في مركز متساوي او متوازن وانما يتضمن اسبقية هذه الدولة واولوياتها لدرجة جعلت بعض الفقهاء يعتبرون ان الدولة في النظام السياسي اللامركزي يجتمع بيم كثير من مظاهر الدولة ذات النظام السياسي المركزي .
المجال الخارجي :
وله عدة مظاهر اولها ان الدولة المركزية وحدها حق الدخول في علاقات دولية مع دول او منظمات دولية وحتى القادر على انشاء القواعد الدولية اما الوحدات الداخلة في تكوين الدولة فليس لها الشخصية الدولية وثانيها ان الدولة ذات النظام السياسي اللامركزي ليس لها سواء جنسية واحدة يواجهها القانون الدولي الخاص ويتمتع بها جميع رعايا الولايات الى جانب احتفاظ الفرد بالرابطة التي تربطه بالولاية المنتمي اليها وهذا لايعني ازدواج جنسية الفرد في نظر القانون الدولي الذي يقر بتمتع الفرد بجنسية واحدة هي جنسية الفرد في نظر القانون الدولي بالولاية لا تعتبر جنسية كون الولاية ليست دولة ذات سيادة . وهكذا يظهر شعب الدولة ذات النظام السياسي اللامركزي في مواجهة العالم الخارجي باعتباره شعب واحد يتمتع افراده بجنسية واحدة لا شعوبا متعددة لها جنسيات متعددة .
اما ثالثها فالدولة ذات النظام السياسي المركزي في مواجهة العالم الخارجي اقليم واحد يشمل مجموعة اقاليم الولايات المكونة لها ولا يوجد لاقليم هذه الولايات كيان دولي والذي ينصرف الى اقاليم الدولة جميعه .
المجال الداخلي :-
الذي له مظاهر ايضا عدة ...
اولها : ان للدولة المركزية دستورها الذي ينطبق على اقليم الدولة ويتوجه بالخطاب الى افراد الولايات كافة دون وساطة .
وثانيها : الدولة هي المسؤولة عن تحديد اختصاصاتها دون الحاجة الى الحصول على موافقة الولايات الداخلة في تكوينها وهذا يعني توسع اختصاصات الدولة المركزية على حساب الولايات الاعضاء رغم معارضة بعضها دون ان يكون للولاية الحق في الانفصال عن الدولة .
وثالثا : ان الدولة المركزية سلطة تشريعية تسري تشريعاتها على جميع رعايا الولايات المكونة لها لذا سيكون لها مجلسين احدهما يمثل شعب الدولة المركزية بمجموعة ولا يراعي في انتخابه في تمثيل الولاية وانما ينتخب عن كل ولاية عدد من النواب يتناسب وعدد سكانها اما المجلس الثاني ويمثل الولايات يؤخذ في تكوينه بقاعدة التمثيل المتساوي للولايات لن يكون لكل ولاية عدد من الاعضاء مساوي للعدد المقرر لكل ولاية دون اعتبار لعدد سكان الولاية او مساحتها الجغرافية .
كما في الكونجرس الامريكي المكون من مجلسين هما مجلس النواب الذي يمثل الشعب ومجلس الشيوخ المكون من ممثلي الولايات بنسبة عضوين لكل ولاية . وكذلك الحال في البرلمان السويسري المكون من مجلس النواب احدهما مجلس الامة والاخر مجلس المقاطعات .
رابعا : وجود حكومة مركزية موحدة تشمل اختصاصاتها جميع انحاء الاقاليم وتتكون هذه الحكومة من رئيس الوزراء والاجهزة الادارية التي تتولى تنفيذ القوانين الصادرة عن البرلمان المركزي في اقليم الدولة وكذلك اصدار القرارات التي تهم الدولة المركزية وهذه القرارات تكون نافذة مباشرة على جميع اقاليم الولايات في مواجهة رعاياه .
2- الاعتراف للولايات بسلطة التقرير الذاتي :-
تتمتع الولايات بسلطة التقرير الذاتي لنفسها اي انها تستقل في القواعد التي تحكمها وفي تحديد نظامها القانوني وهذا يستند على اسس عدة :-
اولا : تتمتع الادارة بالاستقلال الدستوري اي ان لكل ولاية دستور او قانون اساسي يسمو على القانون العادي مع امكانية ان يتضمن نص الدستور على احكام تتعارض مع نص دستور الولايات الاخرى شرط ان لايتعرض ودستور الدولة المركزية .
ثانيا : تتمتع كل ولاية بتنظيم ذاتي وبسلطات حكم خاصة بها اي سلطة حكم وليس مجرد سلطة تنفيذ فهناك جهاز تشريعي ومحاكم خاصة نقض النزاعات وتطبق القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية الغير متعارضة مع الدستور المركزي بالاضافة الى تواجد سلطة تنفيذية خاصة .
ثالثا : لكل ولاية اختصاصات اصلية ومبدئية مستمدة من الدستور المركزي وتباشر دون التعقيب عليها من جانب الحكومة المركزية .
3- توزيع اختصاصات السيادة الداخلية بين الدولة المركزية والولايات :-
بما ان اختصاصات السيادة الخارجية تؤول الى الدولة المركزية دون مشاركة من الولايات اللامركزية السياسية تحسم توزيع الاختصاصات الداخلية للسيادة على الحكومة المركزية وحكومات الولايات . وبدون ذلك , لا تكون في مواجهة نظام مركزي سياسي , بل امام دولة ذات نظام سياسي مركزي , وذلك في حالة استئثارها باختصاصات السيادة الداخلية او امام اتحاد دولة كاملة السيادة وذلك في حالة استئثار الولايات بكامل اختصاصات السيادة في اقليمها . يتم توزيع هذا الاختصاصات بين الدولة المركزية والولايات التابعة لها بطرق ثلاث لن تخرج عن واحدة منها :-
الطريقة الاولى :-
وهي ان يحدد الدستور المركزي اختصاصاتها كل من السلطة المركزية وسلطات الولايات حصرا هذه الطريقة لها عيب يكمن في جهودها لان الدستور مهما تضمن من نصوص تفصيلية يمكن ان يتناول جميع المسائل فضلاً على خلوه من نصوص معالجة لم يستجد في المستقبل من مسائل لم يتم توقعها واصفوه فهل تكون هذه المسائل من اختصاصها السلطة العملية في الولايات .
الطريقة الثانية :-
وهو ان يقرر الدستور للسلطات المركزية اختصاصا عاما في جميع المسائل فيما عدا تلك التي تنص على انها من اختصاص الولايات التي لها اختصاص استثنائي . ومن الدساتير التي اخذت بهذه الطريقة الدستور الكندي والدستور الهندي كون هذه الدول كانت مستعمرات ترتبط بسلطة واحدة هي سلطة الدولة صاحبة السيادة او كانت دولا ذات نظام سياسي مركزي ثم تحولت الى دول تؤخذ بلا مركزية السياسية .
الطريقة الثالثة :-
وهي عكس الطريقة السابقة , اذ يحدد الدستور اختصاصات الحكومة المركزية تاركا ماعدا للسلطات المحلية في الولايات اي ان للدولة المركزية اختصاصا استثنائيا في حين ان للولايات اختصاصا عاما لان الولاية تتخصص بكل الموضوعات التي لم يتناولها الدستور صراحة . ويعد الاخذ لهذه الطريقة بان الدولة ذات النظام السياسي اللامركزي كانت في الاصل دولاً تعاهدية ترتبط فيما بينها برابطة الاتحاد الاستقلالي . رغبت بتقوية هذه الرابطة فانضمت الى بعضها في دولة ذات نظام سياسي المركزي لتصبح مجرد وحدات سياسية في هذه الدولة وان كانت تزال متمسكة باكبر قدر من الاستقلال الذاتي .
مبادئ الدولة الفدرالية :-
الدولة الفدرالية عبارة عن مجموعة دول اتفقت على خلق دولة فدرالية مركزية ذات نظام دستوري مستقل يسمو على النظم الدستورية للدول الأعضاء . فهي تقوم على المبادئ الثلاثة التالية :-
مبدأ الانفصال :- الدستور الفدرالي يوزع الصلاحيات التشريعية بين الدولة المركزية والدول الأعضاء . ويتم التوزيع وفق معيارين : التفريق بين المصالح القومية والمصالح المحلية .
مبدأ الاستقلال : مبدا الاستقلال اساسي في النظم الفدرالية حيث يضفي على الدول الاعضاء الطابع الدولي ويميزها عن الاقاليم والمناطق في الدولة الموحدة . متضمن الدولة الفدرالية مجموعة دول مستقلة , ذات انظمة تشريعية وادارية وقضائية متميزة . السلطات الخاصة بكل دولة عضو في الدولة الفدرالية هي السبب في المحافظة على كيانها الدولي رغم خضوعها لفكرة قانونية تقيم التضامن بينها حول السلطة التشريعية .
مبدأ المشاركة : يخول هذا المبدأ الدول الاعضاء في الاتحاد المساهمة في صنع القرارات الفدرالية ذات المنفعة المشتركة فبدونه ليمكن القول بتعاون الاعضاء وانما برضوخها . ( فالفدرالية لا توجد الا اذا ساهمت الجماعات الشريكة بواسطة ممثليها بتكوين الاعضاء الفدرالية وباعداد قراراتها ) .
اختصاصات هذه المؤسسات الفدرالية تختلف بنسبة كثافة الروابط الفدرالية فالدولة الاتحادية هي اذن دولة تضم دولاً تتمتع بالاستقلال السياسي الداخلي وذات دساتير وقوانين ومجالس تشريعية وحكومات خاصة بها ترتبط فيما بينها بوثيقة دستورية . وتشمل هذه الرابطة الدولة الاتحادية المركزية التي تظهر على الصعيد الخارجي وكانها دولة واحدة ذات سيادة وشخصية واحدة . فتجمع الدولة الفدرالية بذلك صفتي الدولة الموحدة والمتحدة . وتظهر وحدة الدولة الفدرالية بوحدة أراضيه وشعبها , اي انه رغم ان كل دولة عضو تطبق قوانينها على ارض معينة وعلى افراد يقطنونها فان مختلف اراضي الدول تشكل اقليم الدولة الفدرالية , وشعوبها لا يحملون جنسيات مختلفة انما جنسية واحدة . كذلك ان وحدة الدولة تتجسد بوجود سلطات مركزية تمثل الارادة العامة للدول الاعضاء . اما الناحية الفدرالية للدولة المتحدة فتبرز في مشاركة الدول الاعضاء بتكوين الارادة العامة للدولة المركزية مع المحافظة على صلاحيات خاصة بالدول الاعضاء .
تبدو الدولة الفدرالية من الناحية الدستورية وكانها وحدة سياسة لانها تملك نظاما ً دستوريا ً خاصا ً بها , يقيم السيادة الكاملة للدولة المركزية , وينظم اختصاصات السلطات الفدرالية فيما يختص بالتشريع والادارة والقضاء التي تطبق على كافة مواطني الاتحاد .
اختصاصات الدولة الفدرالية :-
من اهم الاختصاصات التي يعود للدولة الفدرالية ممارستها :
1- العلاقات الخارجية :- تشكل العلاقات الدولية اولى اختصاصات الدولة الفدرالية التي تظهر في علاقاتها هذه وكانها دولة موحدة ذات شخصية قانونية واحدة . لها الحق ابرام المعاهدات والاتفاقات واقامة العلاقات الدبلوماسية مع الدول الاجنبية . اما الدول الاعضاء فتفقد شخصيتها الدولية و تفقد معها حق عقد المعاهدات مع الدول الاخرى الا في حالات استثنائية ينص عليها الدستور الفدرالي .
2- الدفاع :- محصور بالدولة الفدرالية التي تتولى الدفاع عن بقية الدول الاعضاء وذلك بتنظيم وادارة الفرق العسكرية التي تقدمها الدول القوية المستعدة لمواجهة اي خطر قد يهدد سلامتها في حال بقيت دولا منفصلة ومنفردة .
3- النظام المالي والجمركي :- ولكي تقوم الدولة الفدرالية بكافة الاختصاصات وتزيد من قوتها قوة من الواجب ان يكون لها نظام نقدي جدي موحد . لكن اختصاصات الدولة الفدرالية لا تتوقف عند هذا الحد بل تتسع لتشمل الاختصاصات العائدة للدول الاعضاء كالتشريع والقضاء حيث ان على المحكمة الفدرالية مراقبة دستورية القوانين الصادرة عن مجالس الدول الاعضاء وقضاة هذه يرضخون لقرارات المحكمة الفدرالية . كما ان سلطة الدولة الفيدرالية تتناول الشؤون الاقتصادية وفي اكثر الاحيان تقر الدول الاعضاء بتدخل الفدرالية في هذا المجال حيث تتقدم بمشاريع اقتصادية واجتماعية غايتها اوضاع المواطنين في الدول الفقيرة من الاتحاد . فالدولة الفدرالية تكون الهيئة العامة لتنظيم الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وبخاصة الحريات الاساسية التي تنص عليها الدستور , حيث تجد الدول الاعضاء نفسها ملزمة باحترام تلك الحريات .
تعرضت التشريعات التي تنتهك الحرية الفردية الى الالغاء من قبل الدول الفدرالية التي تتولى مراقبة القوانين .
ماذا تواجهة الفدرالية :-
السؤال المحوري هو ماذا يمكن ان تنجز الفدرالية !؟ الجواب هو انها تنجز ما يلي :
1- نقص في العصيانات المسلحة .
2- تمنح النخب الاقليمية حصة افضل في المؤسسات السياسية القائمة .
3- تخفض عدد تمردات الاقليات في الدولة .
4- تخفض التعصب السياسي والاحتقان الطائفي والعرقي والقومي .
5- تخفض مستويات التمييز الاقتصادي .
6- تخفض مستوى المظالم في الحقوق السياسية والاقتصادية والثقافية .
7- الحل البديل للانفصال في البلدان التي تشهد انقسامات طائفية وعرقية .
8- تؤدي الى وجود نظام اكثر استقرارا من النظام المركزي .
9- تجعل معدل دخل الفرد من الناتج القومي يزيد عن ما هو عليه في الدولة المركزية .
10- ضمانة من ضمانات وحدة البلاد لان الوحدة تاتي وحدة الشعب لاوحدة الارض .
11- ضمانة من ضمانات نجاح مبادرة المصالحة الوطنية لان الصلح ياتي من الاعتراف بالحقوق لاهضمها .
والسؤال الثاني هل ان الفدرالية تنجز تقسيم البلاد وتؤدي الى هجرة معاكسة ؟!
الجواب على ذلك اعتقد انه ثبت في قلب الدستور الدائم كما ان الفدرالية من ضمانات اقامة الديمقراطية من دون دفع البلاد باتجاه التقسيم والتفتت الى ذلك اضف ان الاقاليم التي ستشكل بموجبها ستكون بمثابة المغناطيس الجاذب للعراقيين من كل طيف ولون وستكون الوسيلة لاعادة الهيبة والقوة الى السلطة الاتحادية ونقل الاستقرار والامن الى المناطق الساخنة . هناك من يقول ان فدرالية الوسط والجنوب قد تؤدي الى بروز نظام ديني متطرف او طائفي لانها بالاصل فدرالية مبنية على اسس طائفية وانا اقو لان اقليم الوسط والجنوب يضم بين اطيافه السكانية اقليات متعددة ( العرب السنة والكورد والتركمان والمسيح والصابئة .. الخ ) . ولا ريب ان الوسيلة والاداة الانجح لتقويض وتمييع الفرية اعلاه هي دمج تلك الاقليات في الاحزاب السياسية الوطنية ليكون لها دور في الادارة والحكم ورقم بارز في الهيئات التشريعية والتنفيذية ونصيب وافر من الحقوق السياسية والاقتصادية داخل الاقليم .
وقد يشكل علينا البعض ان لا امكانية للدمج بسبب وجود احزاب ذات صفة طائفية وتوجهات يغلب عليها الطابع الديني خاصة الاسلامي وهنا يكمن الحل اذ ان هناك احزابا ليبرالية يمكن ان تستقطب تلك الاقليات بغض النظر عن الصفة واللون والتوجه والهوية بينما الاقليات ذات اللون والمذهب فبالامكان دمجها داخل الاحزاب الاسلامية .
اما في حال تمانعت تلك الاقليات حفاظا على خصوصيتها فان بامكانها ان تشكل جبهة وطنية او كتلة سياسية واحدة تخوض من خلالها انتخابات هيئات ومؤسسات الاقليم التشريعية والتنفيذية والقضائية .
بالطبع ان المتابع للمشد السياسي العراقي في ظل الاجواء التي خيمت على المسرح النيابي بعد طرح موضوعة فدرالية اقليم الوسط والجنوب من قبل كتلة الائتلاف الموحد سيأخذ بعين العناية والاهتمام ما دأبت عليه الماكنة الاعلامية بشقيها المحلي والعربي وحتى الخارجي وما تروج له حول رفض التيار الصدري وحزب الفضيلة الاسلامي على انه مؤشر انقسام وتمزق فيما بين التيارات والقوى السياسية الشيعية وانا انظر للموضوع من زاوية مختلفة ومعاكسة باعتبار ان خصوم الفدرالية وكتلة المصالحة الوطنية يلعبون على مثل تلك الدعايات المفبركة ابتغاء التحشيد والتعبئة السياسية والاعلامية وادخال المواطن الشيعي في متاهات السياسية وأحابيل الاعلام المنافق وبالتالي يمكن القول ان لاصحة لموضوعة الانقسام والتمزق لان الاصل في اعتراض الصدريين وحزب الفضيلة يكمن في التوقيت والظرف ولا شك ان رأيهم محط تقدير واحترام ويحتاج الى دراسة موضوعية ودخول في عملية حوار هادئة مع باقي اركان الائتلاف السياسي والاجتماعي ولكن ما ينبغي ان يفهم من قبل التيارات السياسية والكتل النيابية في العراق ان الرأي الاول والاخير والحكم الفصل في تقرير موضوعي الفدرالية والفدرلة هو بيد جماهير اهل الوسط والجنوب وانا اناشد المعترضين الدخول في عملية تحاور مع الداعين الى الفدرالية والاستناد الى رأي الجمهور واطلاعه على الحقائق والاسباب المنطقية قبل الشروع في اتخاذ اي تدبير او خطوة او قرار سياسي ربما يرتب اشكاليات ويثير تعقيدات وخلافات بينه قد تؤدي في حال تطورها وتغذيتها من اطراف وقوى خارجية الى انقسامات غير محمودة يكون المتضرر منها بالدرجة الاولى العنصر الشيعي اضف الى ذلك انها ستكون فاتحة لتسلل غربان الشر التي تريد ايقاع الوقيعة بين تيارات وقوى ومراجع الطائفة الدينيين والسياسيين .
ان سياسة التعقل والحكمة والتريث والطبخ على نار هادئة وعدم التصعيد في المواقف وردود الافعال غير المنتجة من المسائل والوسائل الايجابية التي يمكن ان تدخل المتخالفين في الرأي الى بحوحة الحوار والتصارح والتكاتف على الطاولة الواحدة من اجل ترجمة موقف وسياسة جامعة واحدة يمكن ان تعود بالنفع والخدمة للجمهور لا للحزب او التيار او الكتلة التي ينحدر منها ومن يريد ان يلتمس ويعرف لماذا فعلت عملية ابداء الرأي من قبل الصدريين بقوة قبل وسائل الاعلام التحريضية عليه ان يقرأ ما تبثه تلك الوسائل والفضائيات في التايتلات الاخبارية والحلقات الحوارية والنقاشية التي تثني فيها على موقف الصدريين والفضيلة ازاء فدالية الوسط والجنوب وكيف تتعمد في تكرار الحدث وكل همها في ذلك الامر هو نقل الخلاف من المستوى السياسي الى المستوى الاجتماعي وهنا يكمن بيت القصيد وخطورة اساليب التحريض واثارة الفتن بين ابناء اللون والفكر الواحد التي يمكن ان تفعل فعلها وتقود الى اقناع المتلقي بالصدام والصراع مع نوعه .
ان على الجميع ان يدركوا ان الفدرالية والفدرلة لا تفرضان من فوق ( الحكام ) وانما من القاعدة ( الجماهير ) لذلك فان اهم نقطة يجب ان يركز عليها كل من الداعين والممانعين هي الاهتمام برفع درجة ومستوى تثقيف الجماهير بمفهومه الفدرالية والفدرلة وماهيتها وتبيان سلبياتها ليطلع الجمهور على تلك الحقائق وتكون لديه خلفية والمام كامل بالمفردات الموضوعة عند طرحها في الاستفتاء المرتقب وعندما يضع رايه الحر في الحقل المخصص (استمارة الاستفتاء والتصويت ) .
ان الالتزام الخلقي والادبي والعلمي والديني يفرض على المثقفين ان يفهموا الناس معنى الفدرالية لها لماذا ؟ لانني سئلت احد المواطنين هل انت مع الفدرالية فقال كلا قلت له ولماذا ؟ قال لانها تقسم العراق ولكونها وصفة امريكية قلت له بصراحة هل هذا رأيك الخاص والشخصي قال بصراحة كلا لقد سمعته من السياسي (س) والوسيلة الاعلامية اذن هنا تكمن المفارقة الخطيرة التي يتحتم على الدعاة التحوط والانتباه لها ؟!
ان الاشكالية والزوبغة السياسية والاعلامية التي يثيرها خصوم الفدرالية حول مشروع قانون الاقاليم المقدم من قبل كتلة الائتلاف الى مجلس النواب تنبع عن الخلط وسوء الفهم وعدم الاستيعاب الكامل لماهية الفدرالية كنظام وطريقة للحكم تعتمد الية قانونية للتنفيذ على شكل خطوات ومراحل متسلسلة ومتعاقبة بصورة عامودية لا افقية كما يتصورها البعض من اعضاء مجلس النواب العباقرة !!
ولا ريب ان ذلك الخلط وسوء الفهم ناتج من عدم التمييز مابين مصطلح الفدرالية كما المقصود بها ( منظومة مؤسسات تقوم بصنع السياسة ) والفدرالية المقصود بها ( اقامة تلك المؤسسات على ارض الواقع ) وعليه ان مشروع قانون الفدرالية كما الفدرالية يحتاج الى خطوات متأنية عند نقله من حيز التطبيق وعلى الشاكلة التالية :
ان الصيغة المطروحة والمقدمة من قبل الائتلاف الموحد هي مشروع لم يصل الى مستوى القانون ؟
المشروع المقدم هو لاجل البحث في كيفية اقامة الفدرالية في الوسط والجنوب وليس تطبيقها كما يتصور ويذهب البعض عن السذج الى ذلك .
يحتاج المشروع بدون شك الى سلسلة خطوات سياسية واجراءات قانونية داخل مجلس النواب ابتغاء تحويله الى قانون بموجب الدستور الدائم ( المستوى النظري ) وكذا الحال ( على مستوى التطبيق ) .
على مستوى التطبيق يحتاج القانون بعيد اقراره في مجلس النواب الى حزمة اجراءات وسياسات داخل مناطق الاقليم ومع جماهيره .
تحتاج عملية تشكيل وانشاء مؤسسات النظام الفدرالي التي تقوم بصنع السياسة الى خطوات ومراحل سياسية منها عقد الاستفتاء حول تشكيل الاقليم اجراء الانتخابات النيابية تشكيل الاقليم اجراء الانتخابات النيابية تشكيل واختيار حكومة الاقليم كتابة دستور الاقليم وبناء النظام القضائي .. الخ .
ثم ندخل هنا مرحلة الفدرلة بمعنى اقامة منظومة المؤسسات التي تقوم بصنع السياسة الخاصة بالاقليم وضمن اطار الدولة الاتحادية وليتأمل القارئ الكريم كم هي رائعة الفدرالية الديمقراطية وكم هي رائعة مؤسساتها وهيئاتها المختلفة وكم يحتاج الساسة من جهد وخطوات واجراءات وضمانات للشروع بالعمل وفق النظام الفدرالي ومتطلبات الفدرلة التي لا تعد ولا تحصى وليطلع قارئنا الكريم على خبث قرود السياسة والاعلام من خصوم الفدرالية الذين لا يريدون الخير لأبناء هذا الوطن الجريح والطائفة المذبوحة .
ان التفسير المنطقي والعلمي للأسباب والمبررات التي تسوقها بعض الكتل والشخصيات السياسية لفكرة فدرالية وفدرلة اقليم الوسط والجنوب كامنة في كونها محاولة لنسج منظومة افكار واجتهادات غائية تتناغم مع واقع المرحلة والظروف التي يمر بها العراق ولاجل استبعاد طيف وتيارات عراقية بعضها عن البعض الاخر وتلقينها أفكار واراء متأدلجة لا علاقة لها بالواقع والوطنية والاجتهاد والرؤية والتصور الخاص .
اذ يحاول البعض من الساسة الربط مابين موضوعة الفساد الاداري والمحسوبية والمنسوبية والواسطة الشائعة في مؤسسات الدولة العراقية منذ إنشاءها عام 1921 م وحتى يومنا هذا كأساس ومبرر لاسقاط دعوة القائلين بفدرالية الوسط والجنوب والغرب ان البعض يتذرع بعدم امتلاك اهل الاقليم التصورات والمعرفة السياسية والديمقراطية التي تمكنهم من استيعاب وهضم فكرة الفدرالية وتغافل هؤلاء ان ابناء هذا الاقليم هم من علموا الناس والبشرية الكتابة والزراعة والحضارة والفن والادب والدبلوماسية والقانون .
وفاتهم ايضا ان هؤلاء من اجلس اكثر من 130 نائبا في مجلس النواب الدائم على مقاعدهم سواء في المجلس او الحكومة الحالية . في الوقت الذي يرى فيها البعض من خصوم الفدرالية ان انشاء الاقليم وتمتعه بدستور وحكومة ومؤسسات خدمية وامنية بصلاحيات معينة ربما يؤدي في المستقبل الى بروز نزعة الانفصال وضعف الحكومة المركزية من خلال دور الحرس الاقليمي وفتح سفارات للاقليم وعلوية التشريع الاقليمي على التشريع الاتحادي في المسائل النزاعية ما دامت الرغبة في البقاء داخل السلطة الاتحادية مبنية على الاختيار الطوعي وهنا ومن هنا يمكنني الجواب العقلاني الذي يحاكي ارض الواقع طيب اذا كانت العملية في الانتماء الى السلطة الاتحادية اختيارية طوعية فلماذا اذن رضيت القوى السياسية الممثلة للطيف الشيعي بمبدأ الفدرالية واقليم الوسط والجنوب كبديل للانفصال وحق تقرير المصير الذي تكلفه الشرعة الدولية والقانون الدولي العام والحقائق على ارض الواقع . وللاستزادة واغناء موضوعة الدراسة ساطرح الحكاية التالية كمقاربة لمقصدنا الرئيسي بضرورة الاخذ بالفدرالية كنموذج ووسيلة لاستحصال الحقوق في العصر الراهن يقال ان احد ابناء الشيعة في حقبة التسعينات قصد مكتب المرجع الشهيد محمد صادق الصدر وحظى بشخصه موجود بين ثلة من السائلين والاصدقاء فاقترب منه وهمس في اذانه داعيا اياه الى الاذن باتخاذ اجراء معين ازاء مضايقات الصداميين لابناء الشيعة في احدى المدن العراقية فما كان من مرجعنا ان ينهره ويقول له بصوت عالي وبما معناه عندما تمتلك الشجاعة والجراة والقدرة على الكلام والمطالبة بحقوقك امام الملا فانني سامر بتنفيذ ما تريده وتشاء الاقدار ان يستشهد مرجعنا وصاحبنا باطلاقات من بنادق العفالقة . وانا اريد اليوم ان اترجم واستفاد من هذا الدرس القيم والارث الكبير الذي خلقه لنا ذلك الرجل الصالح واصارح ابناء الخط الصدري بمختلف تياراتهم واحزابهم لماذا لانؤسس للعنصر الشيعي حصنا منيعا يمكن من خلاله تلافي ما خسرناه في الماضي والحاضر وضمن بوتقة الوطن والدولة الواحدة ..لماذا لانمكن هذا العنصر من امتلاك زمام الريادة والادارة والحكم لمناطقه . ولماذا لا نهيئ الفرصة والمكان والزمان اللازمين لانتشاله من قمم الفاقة والجهل والبطالة لنضع بعد برهة من الزمن عقولا وطاقات يمكن ان نتعكز عليها في بناء القاعدة الضرورية اللازمة التي بها سينتصر المنقذ الموعود ... ان دراسة متأنية وفاحصة لواقع وطبيعة الانظمة السياسية التي نشأت في منطقة الشرق الاوسط سيما بعد افول نجم الدولة الاسلامية التي كانت تعتمد على نمط الفدرالية في ادارة وتصريف شؤون الولايات والمدن والاقاليم التابعة لها واستمر هذا الحال في العراق حتى في مرحلة ما بعد سقوط النظام البائد الذي اعتمد نظام القائممقاميات في مدن الوسط والجنوب واسلوب الحكم الذاتي في اقليم كردستان الحالي .
تلك الدراسة تكشف ان من عزز ورسخ دور النظام المركزي فيها هو المستعمر – المحتل – من اجل فرض سطوته على كل الدولة ومقدراتها عبر رأس السلطة والنظام الذي كان يحكم الشعب بالسوط والبندقية ولعل العراق كما اشرنا سلفا كان واحدا من تلك البلدان التي لعب المحتل دورا أساسيا في تسليط انظمة مركزية كانت السبب الرئيسي في معاناة وفقره واحتلاله وتمزيقه الى كانتونات مختلفة من حيث المضمون ومتفقة من حيث الظاهر وليسمح لي القارئ الكريم بهذا القول النابع من بطن الحقيقة لا جيدها الذي يغطيه الثياب . وعليه يمكن الخروج بمحصلة مفادها ان المركزية في العراق قد ولدت الاحتلال وصنعت الدكتاتورية وخلخلت الوشائج الاجتماعية من خلال عمليات الابادة الجماعية التي تعرض لها صنف معين من العراقيين كما انها أحدثت انقلابا جذريا في نفسية وسايكولوجية ونمطية تفكير الانسان العراقي الذي جبل بسببها على ممارسة الترميز والتمجيد ففقد على اثر ذلك البعض قيمته الإنسانية وبات مسيرا وغير قادرا على امتلاك ارادته الشخصية التي ذابت في خضم أرادات وأهواء السلاطين .
ولذلك نجد ان اولئك اليوم لا يملكون الرؤية الواضحة والادراك الكامل والتصور الموضوعي الذي يمكن عبره الفرز مابين الشئ والقرار والخطوة التي تنفعه وتلك التي تضره بالصميم ولا شك ان ذلك يرتبط بكل جزءياته بسياسة التجهيل التي اخذت تعتمدها وللاسف بعض القوى السياسية اليوم من اجل ابقاءه يدور في فلكها ويكون تابعا واسيرا لارادتها واهوائها وشهواتها الشريرة . ان من يتطلع في قسمات وجه الانسان العراقي سيما الجنوبي يستطيع ان يرى من خلالها مقدار الالم وحجم المعاناة والمأساة التي عاشها ويعيشها ذلك الانسان المعذب الذي لايعرف حتى الان ماحقوقه وكيف يحصل عليها في ظل النظام الديمقراطي الجديد والسبب لا لكونه لا يفهم معنى الحقوق والواجبات بل لان الموجود في السلطة والمثقفين عجزوا عن تبيان حقوقه والوسائل الشرعية التي تمكنه من نيلها في الزمن والنظام الجديد . ان ضعف الشعور بالمواطنة من قبل الانسان العراقي يعود في جزء كبير منه الى حالة الضياع التي عاشها في ظل الانظمة المركزية التي تعاقبت على حكم العراق في فترات مختلفة .
مقارنة بين الدولة الفدرالية والدولة الموحدة ذات النظام اللامركزي :-
ميزة الدول الاعضاء في الدولة الفدرالية هي انها وحدات سياسية قائمة بذاتها لها انظمتها وقوانينها الخاصة , بينما الاقاليم والمجموعات المحلية في الدولة الموحدة ذات النظام اللامركزي هي مجرد وحدات ادارية لا تتمتع بالاستقلال القانوني ,وانما تخضع لقانون موحد يطبق على اقليم الدولة . لكن لابد من الاشارة الى انه رغم القول بتعدد دساتير الدول الاعضاء في الدولة المتحدة فان دساتيرها تكون متشابهة ومطابقة للدستور الفدرالي مما يجيز القول بوحدتها .
تساهم الدول الاعضاء في الفدرالية بتكوين ارادة هذه الدولة وبأشتراكها باعداد القرارات الفيدرالية وبموافقتها على تلك القرارات , اما الاقاليم والهيئات المحلية في الدولة الموحدة لا تساهم بتكوين ارادة الدولة ولا تشترك فعلياً بالتشريع الذي يبقى من اختصاص السلطة المركزية .
تتمتع الدول الاعضاء في الدولة الفدرالية باستقلال كبير في ادارة شؤونها الداخلية بينما الهيئات المحلية في الدولة الموحدة تخضع في ممارسة اختصاصاتها لرقابة السلطة المركزية التي تتولى ايضاً توزيعها بموجب الدستور الفدرالي وبموافقة الدول الاعضاء .
الفروقات بين النظامين ترجع الى اعتبار الدول الاعضاء في الدولة الفدرالية وكيانات سياسية وادارية مستقلة تتمتع بسلطة اصدار القوانين وبفرض الجزاءات على من يخالفها بواسطة قضاء مستقل , بينما الهيئات المحلية في الدولة الموحدة ذات الطابع اللامركزية هي مجرد وحدات ادارية .
تستطيع السلطة المركزية في الدولة الموحدة تخفيض وزيادة سلطات المجموعات المحلية والاقليمية في حين ان اختصاصات الدول الاعضاء في الدولة الفدرالية لا يمكن تقليصها الا بموافقة اكثرية الدول وبعد تعديل الدستور الفدرالي .
الفدرالية في العراق :-
يتجه العراق اليوم , الى الدولة المركبة من اجزاء , لان هناك شبه اتفاق سياسي من حيث المبدأ على جعل نظام ادارة الدولة نظاما فدراليا تتقاسم فيه السلطة المركزية والسلطات المحلة قيادة الدولة الجديد.
والفدرالية العراقية اطروحة بدأها الاكراد وايدتها القوى السياسية المتحالفة معها خارج العراق ايام المعارضة المشتركة , لان الاكراد العراقيين لما ضمنوا صيغة الحكم الذاتي بالانفصال القسري عن السلطة المركزية في النظام السابق , وحققوا التقدم الملموس في ادارة المنطقة الشمالية ارادوا – وهم الطرف الاكثر قوة من حيث الارض والسلطة والمال – ان يضمنوا حقوقهم ضمانا دستوريا وعمليا في الحكومة الجديدة , فطرحوا نظام الادارة الفدرالية للعراق الجديد .
قوى سياسية اخرى غير الكردية متحالفة معها , ترى ايضا ان استقرار العراق سياسيا لايكون الا باعطاء المزيد من الصلاحيات للسكان المحليين ليتمكنوا من ادارة شؤونهم بحرية بعيدا عن الاشراف المباشر للسلطة المركزية , ويدعم تقسيم الجغرافي والاداري وجهة نظر مؤيدي نظام الحكم الفدرالي , لان غالبية سكان المناطق الشمالية ينتمون الى القومية الكردية , واكثرية المنطقة الجنوبية من المسلمين الشيعة , بينما المنطقة الغربية من السنة , وبغداد تجمع كل القوميات والطوائف الدينية .
ولكن ما يلفت انظار المراقبين السياسيين المعنيين بالشأن العراقي , في خصوص القضية الفدرالية شيئيان :
الاول : ان العراقيين غير السياسيين وهم الكثرة العددية الصامتة لم يتفهموا اطروحة الفدرالية وما ورائها وما بعدها كما يجب , لانها لم تطرح طرحا اعلاميا ولا حتى اكاديميا الا في حدود الندوات المغلقة مما يعطي انطباعا لدى الذهنية العامة عن مدى صدق الاطروحة ومدى ارادتها .
الثاني : ان السياسيين العراقيين هم ايضا لم يتفقوا بعد على معنى محدد للفدرالية العراقية , ربما الكيانات السياسية التي تتبنى المنهج الفدرالي قد وضعت اللبنات الاولى للفدرالية التي تزمع تأسيسها في العراق , فيكون العراق الدولة العربية والخليجية الثانية من بعد دولة الامارات العربية المتحدة تلتحق باكثر من عشرين دولة فدرالية في اوربا وامريكا وافريقيا وبعض الدول الاسيوية , الا ان الرؤية الواضحة والشفافة حول الفدرالية العراقية لم يكشف عنها حتى هذه اللحظه . المعروف ان نظم الدول المركبة ليس من نوع واحد , فبعدد الدول التي اخذت بالفدرالية يوجد نظام حكم فدرالي , فالفدرالية مصطلح غير عربي يعني في العربية اتحاد , والاتحاد لا بد ان يكون بين شيئين لا في شئ واحد , وجزء الشئ الواحد جزء لايتجزأ منه , لا متحدا مع غيره من الاجزاء , فلكي يحصل الاتحاد فنحن بحاجة الى شيئين متشابهين في بعض الخصال ومختلفين في خصال اخرى , هذا من حيث الفهم اللغوي والعلمي لكلمة الاتحاد .
ولكن المعنى الاصطلاحي والسياسي للفدرالية معنى مختلف عن الاول , لان الدولة المترامية الاطراف رغم انها دولة واحدة من حيث الشكل والاجراءات , ولكنها متعددة ومتنوعة في الموقع الجغرافي والسكان والطبيعة , فكل بقعة هي ولاية تمتاز عن غيرها من الولايات بالعادات والتقاليد والثروات والانتماءات , واللغات , وبالتالي لها ما يميزها عن غيرها من الولايات , ولكن هناك قواسم مشتركة وحاجات اساسية لكل ولاية لا تتحقق الا بالاعلان عن كيان موحد له سياسات موحدة , وله قيادة سياسية واحدة , تنوب عن الولايات في ادارة شؤونها ومصالحها فيحصل الاتحاد والفدرالية السياسية , كما في الولايات المتحدة الامريكية والامارات المتحدة العربية , والمملكة المتحدة " بريطانيا " والمانيا وسويسرا وغيرها من الدول المتمدنة .
اقام الكرد العراقيين مشروعهم الفدرالي على اساس " قومي " وطالبوا باقليمين عراقيين , احدهما عربي يشمل المنطقة الجنوبية والوسطى , والاخر كردي يشمل المحافظات الشمالية الثلاثة السليمانية ودهوك واربيل , مضافا الى كركوك بما تشمل عليه هذه المحافظات من حدود ادارية قديمة تصل الى قرى محافظة واسط , لان سكان هذه المحافظات كرد او كانوا كرد ورحلوا او هجروا من مناطق سكانهم الاصلية الى مناطق اخرى , جراء سياسات التمييز التي مارستها الانظمة السياسية في العراق , او لاستحالة الحياة في بعض هذه المناطق , ولكنها بنظر الكرد العراقيين ارض تابعة لاقليم كردستان , وهم احق بها من غيرهم . لان هناك مخاوف كردية من الدولة العراقية الجديدة , وهي مخاوف حقيقية , اوجدتها طبيعة التعامل السياسي للسلطة العراقية مع الشعب الكردي التي اتسمت في كثير من الاحيان بالطابع العنصري القومي العربي .
اما العرب العراقيون , اذا استثنينا انصار الدولة الواحدة نقيض الدولة المركبة , الذين يرون في الفدرالية مشروع تقسيم خارجي للعراق , فانهم لا يتفقون في اكثريتهم مع الاساس الفدرالي الذي ذهب اليه الاكراد , ولكنهم في الوقت ذاته لا يطرحون بديلا قويا لنوع مقبول من الفدرالية .
المؤمنون بالفدرالية كافضل نظام حكم ديمقراطي مستقر في العراق , يطرحون مجموعة اسس للفدرالية العراقية , الاساس الاول هو الاساس القومي بمعنى وجود اتحادين اثنين في العراق هو الاتحاد الكردي والاتحاد العربي , لان العراق مؤلف من قوميتين كلاهما يكونان الشعبين العربي والكردي .
ويرد على هذا الاساس انه يؤمن بالقومية كأداة من ادوات التقسيم للارض والوطن , وانه لا توجد قوميتين في العراق , بل هناك القومية التركمانية والاشورية وغيرهما , وماذا لو كانت بعض المحافظات عبارة عن تجمع عدة قوميات متاخية مثل كركوك ؟ وان الظلم الذي لحق بالاكراد لحق بالعرب الشيعة وبالقوميات الاخرى , حتى قيل ان صدام ما عدل بشئ كما عدل بتقسيم ظلمه .
والاساس الثاني هو الاساس الطائفي – القومي , وينطلق هذا الرأي من الظلم التاريخي الذي لحق بالشيعة والكرد , مضافا الى الثروة الطبيعية التي تختزنها الاراضي الجنوبية والشمالية . فانصار هذا التوجه يرون ان الشعب العراقي يتكون من قوميتين ومذهبين , فمن حيث القومية يقسم العراق الى اقليمين عربي وكردي , ثم تقسم المنطقة العربية بحسب المذهب الديني للسكان , فوسط وجنوب العراق يقنطها اكثرية شيعية , فيكون لهم اقليم شيعي , والمنطقة الغربية يقطنها اكثرية سنية , فيكون لهم اقليم سني .
ويؤخذ على رأي تقسيم العراق على اسس قومية وطائفية , ان هناك كرد في الجنوب والوسط والغرب فماذا نفعل معهم ؟ وان هناك سنة في الجنوب , وشيعة في الوسط والغرب , فما هو مصريهم ؟
والاساس الثالث للفدرالية العراقية يرى اننا لسنا بحاجة الى تقسيم العراق لا على اساس طائفي ولا على اساس قومي , لان العراق شعب واحد وبلد واحد , وسكانه منسجمون مع بعضهم البعض , لان دعاة التقسيم القومي والطائفي اما انهم يريدون تقسيم العراق بهذه العناونين , واما انهم يشعرون بالظلم والحيف الذي وقع عليهم , وبالتالي فان شعورهم بالظلم سوف يزول بضمان حقوق جميع العراقيين بمختلف قومياتهم وطوائفهم , دستوريا اولا من خلال النص على التساوي في الحقوق والواجبات , وعمليا ثانيا من خلال النظم اللامركزية التي بموجبها تمنح كل محافظة من محافظات البلد حرية كبيرة في ادارة شؤون الناس عن طريق قوانين مجالس المحافظات مع وجود حكومة مركزية واحدة عاصمتها بغداد , بلا عاصمة ثانية او ثالثة , تتسم بالطابع القومي والطائفي .
ووجهت نظرنا ان تكون الفدرالية ادارية لكل محافظة على انفرادها , لان الفدرالية القومية في هذه المرحلة الحساسة ربما تهدد وحدة العراق والتعايش السلمي بين العراقيين , بل قد تتضمن في طياتها مخاطر حرب داخلية – لا سمح الله – وان الفدرالية الادارية لكل محافظة بانفرادها تضمن للاقليات القومية والمذهبية حقوقهم كاملة , لانهم سيتولون ادارة شؤون المحافظات التي يشكلون اكثرية فيها عبر الانتخابات الحرة والنزيهة , فلا فرق من جهة تولي الاقليات شؤون محافظاتهم عبر الانتخابات بين فدرالية قومية واحدة او فدرالية ادارية لكل محافظة , سوى ان الفدرالية القومية ربما تتضمن اخطارا جسيمة لا سمح الله , ومن تلك الاخطار احتمال نشوب حرب داخلية بين نفس الاقليات , كما حدث ذلك مكرراً خلال العقد الماضي .
والاساس الرابع للفدرالية في العراق هو الفدرالية الجغرافية , اي يكون بامكان كل ثلاثة محافظات ان تقيم اقليم خاص بها , يكون له عاصمة , شريطة موافقة ثلثي سكان المحافظات الثلاثة , فمثلا تستطيع السليمانية ودهوك واربي لان تؤسس اقليم " دويلة " لها عاصمة مستقلة ووزراء وسياسات خاصة متفقة في خطوطها العريضة مع العاصمة الفدرالية بغداد , ولكن تحتفظ الاخيرة بالعلاقات الخارجية ووزراء الدفاع وبعض الوزارات بحسب الدستور والقانون . وهذا الامر ينطبق على كل ثلاثة محافظات في العراق , وليس حكرا على الشمالية فقط كما يتصوره البعض .
هذا الاساس اقره القانون ادارة الدولة المؤقت في المادة الرابعة بقوله : الـ " نظام في العراق جمهوري اتحادي (فيدرالي ) , ديمقراطي , تعددي , ويجري تقاسم السلطات فيه بين الحكومة الاتحادية والحكومات الاقليمية والمحافظات والبلديات والادارات المحلية . ويقوم النظام الاتحادي على اساس الحقائق الجغرافية والتاريخية , والفصل بين السلطات , وليس على اساس الاصل او العرق او الاثنية او القومية او المذهب .
في نظرنا ان اللامركزية الادارية في ادارة شؤون المحافظات تمثل الحل الواقعي للمشكلة العراقية بما يحفظ وحدة العراق اولاً , ويزيد من صلاحيات المحافظات ثانيا . لان كل انواع الفدرالية المطروحة – ماعدا الاساس الثالث – تشكل مصدر قلق دائم للعراقيين , اذا اخذنا بنظر الاعتبار الظروف الداخلية والاقليمية والدولية التي تعصف بالعراق بين الحين والاخر , فالشعب العراقي بحاجة الى مزيد من عوامل اللحمة الوطنية , لا الى مزيد من الاشباح المخيفة .
وبالتالي فان سريان منهج الحكم الفدرالي في العراق , لايكون من اختصاص قومية دون قومية ولا طائفة دون طائفة , ولا حزب بمعزل عن الكيانات السياسية , وانما هو شأن عراقي يخص كل فرد عراقي , لايجوز النيابة فيه باعتباره شان مهم من شؤون الحكم , فلكي نعتمد الفدرالية في العراق او نعزف عنها الى الابد يتعين القيام بما يلي :
1- نشر ثقافة نظام الحكم الفدرالي بحيث يستطيع المواطن العراقي غير السياسي , ان يتفهم طبيعة الفدرالية وفوائدها او اضرارها المحتملة .
2- تاكيد الاسس التي تقوم عليها الفدرالية العراقية , ليتمكن المواطنون من تحديد الاساس المضمون والنافع من بين الاسس المختلفة .
3- توضيح مبادئ تقسيم السلطة بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية , وشؤون المصادر والثروات وكيفية توزيعها .
4- اعلان استفتاء شعبي صريح حول قبول الفدرالية او رفضها .
التحديات او صعوبات التطبيق :-
هناك تحديات عديدة تواجه تطبيق الفدرالية في العراق وتجعل من تطبيقها بشروطها الراهنة وتوقيتها الحالي خطوة في اتجاه تقسيم وتفتيت العراق وليس الحفاظ على وحدته واستقراره . تتمثل في :
1- حداثة المفهوم في الثقافة العربية او العراقية بحيث انها تثير مخاوف التقسيم اكثر منها وسيلة لتنظيم شكل النظام السياسي وتحقيق التوازن بين الحكومة الفيدرالية والاقاليم .
2- ان العراق يمر بمرحلة انتقالية في ظل استمرار دوامة العنف وضعف الحكومة المركزية . وبالتالي يعيش ظروفا غير طبيعية واي صيغة سياسية تنشأ حاليا ستكون غير طبيعية ومشوهة سرعان ما تنهار فهناك ميول انفصالية لدى الاكراد برزت مؤخرا مع انزال العلم العراقي ورفع علم اقليم كردستان . كما ان الشيعة ذاتهم غير موحدين . فهناك تيار تابع لمقتدى الصدر واخر لاية الله علي السيستاني وثالث لزعيم المجلس الاعلى للثورة الاسلامية عبد العزيز الحكيم الذي طالب بتطبيق الفيدرالية في الجنوب على غرار الاكراد .
3- ضعف الحكومة المركزية وغياب كامل للمؤسسات الدولة مع وجود النزعات الانفصالية لدة الكتل العراقية ما يصعب تطبيق الفيدرالية بصورة تضمن تحقيق التوازن في الصلاحيات والسلطات بين الحكومة المركزية والاقاليم كما هو الحال في الولايات المتحدة , وما سيحدث هو تطبيق فيدرالية اقرب للعصور الوسطى وروابط هشه وتشكيلية بين الاقاليم وحكومة فيدرالية شكلية لا تمتلك مقومات الدولة خاصة الدفاع والخارجية والمالية والامن .
شروط نجاح الفيدرالية :-
ان اقامة الفدرالية في العراق يتطلب نجاحها :
1- النص دستوريا على تبني النظام الفدرالي على اساس جغرافي
2- تفعيل النص الدستوري من خلال ايجاد تنظيم قانوني لاسس النظام الفيدرالي ومن خلال الاتي :
استخدام الاسلوب المرحلي في اقامة دويلات الاتحاد .
اقامة النظام الفيدرالي على اساس جغرافي وبواقع اهلية كل محافظة لنتكون ولاية فدرالية , تجنبا لامرين هما : محاولة تجنب سيطرة بعض المحافظات على المحافظات الاخرى في حالى اعتماد صيغة الجمع بين عدة محافظات , فتتحول من سيطرة الحكومة المركزية الى سيطرة من نوع اخر . والامر الاخر هو حل مشكلة المحافظات التي يدور حولها الخلاف من خلال جعلها ولايات قائمة بذاتها .