الغالب في مجتمعاتنا اننا نتحدث كثيراً وطويلاً عن المساواة والحقوق المدنية ودولة المواطنة التي تعتبر سمة الحضارة الحالية , لكن حديثنا وخطاباتنا سرعان ما تذوب حين ترتطم بالواقع المليء بالتعصب تجاه الآخر المختلف في اللون او الطبقة او القومية او الطائفة او الدين .
ولعل اغتيال جلال ذياب الناشط المدني المدافع عن حقوق السود في العراق كان المؤشر الواضح على ما نقول فهو اقر حقيقة اجتماعية نعاني منها وننكرها بالكلام مثل النعامة التي تدفن رأسها بالتراب وهي تظن ان لا احد يرى عريها .
فقد قال الشهيد جلال ذياب ذات يوم " ان العراقيون السود يعانون من الاحتقار طالما سمعنا اوصافاً تنعتهم بالعبيد" .
والغجر وكل الفئات الاخرى المختلفة معنا دينياً او اجتماعياً تعاني من هذا المأزق الخطير ذي الابعاد التأريخية في مجتمعنا .
لذلك كانت المبادرة السباقة والخلاقة لحكومة الاقليم لأنصاف غجر كوردستان ومعاملتهم على قدر المساواة مع الاخرين اختراقاً اجتماعياً جميلاً وغاية في الاهمية والمغزى , وكان تحدياً لكل الاعراف والتقاليد البالية التي تنزع صفة المواطنة عن انسان بريء ومخلص ومثابر على العمل لمجرد انتمائه الى فئة اجتماعية ضئيلة العدد او لطائفة او دين آخر فيبقى منبوذاً ومحتقراً وينظر اليه نظرة دونية دون اي سبب منطقي وبعيداً عن لغة العصر وكل الشرائع السماوية والدساتير المدنية ولائحة حقوق الانسان ومعاهدة الحقوق المدنية والاجتماعية التي أقرت في المواثيق الدولية .
ان اعلان رئيس قبائل الغجر في كوردستان السيد يونس ظاهر بيرو "ان اكثر من احدعشر الف غجري على قائمة التصويت في انتخابات برلمان كوردستان" هو خبر عاجل ومهم وجميل وتأريخي يضع هذه الفئة المهمشة في دائرة الضوء ويجعلها فخورة بوطن تتمتع فيه بحقوقها كافة اسوةً بكل البشر .
ولاشك ان خدمات السكن والصحة والتربية والمشاريع الثقافية والاجتماعية التي اقرت للغجر في كوردستان سيكون لها ابعد الآثر في خلق توازن حضاري وتنموي بين شرائح المجتمع الكوردستاني , مثلما يجبر الآخرين قانونياً على احترام الغجر كمواطنين اصليين وعلى تغيير تراكمات اجتماعية لا اساس لها من الصحة في عقول تنظر بعين التعالي والتعنت الى الآخر المختلف .
ان الاقصاء والتهميش وحجب الحقوق امر اصبح جزءاً من الماضي في حضارة الغت كل الحدود والسدود والفواصل بين البشرية .
ان العراق المدني الديمقراطي الذي ننشده جميعاً هو عراق العربي والكوردي والتركماني والسرياني والمسلم والصابئي والمسيحي والايزيدي واليهودي العراقي .
ولايجوز ان يكون لأي واحد من الفئات العراقية المذكورة آنفاً افضلية على الاخرى الا بالعمل والمثابرة على بناء الوطن , فكل هذه الفئات شاركت في بناء هذا الوطن وتأسيس الدولة العراقية الحديثة , وأي حديث عن النسب او الحسب او العنصر الاقوى او الانقى او الافضل طرق على حديد بارد في عالم قائم على المساواة المطلقة بين كل البشر وبين الرجل والمرأة .
وفي النهاية نعيد الى الاذهان هذا المقطع الشعري البالغ المغزى والأثر :
كـن ابن من شئت واكتسب أدباً
يـــــغنيك محمـــوده عن النسب
ان الفتـــــــى من قـال هـا انا ذا
ليس الفتــــى من قال كان ابي .
مقالات اخرى للكاتب