_كلما تأزمت العلاقة بين إقليم كردستان والحكومة المركزية يلجأ بعض السياسيين الكرد وعلى رأسهم البرزاني الى اسطوانة الانفصال عن الدولة العراقية,وكلما تأزمت الأوضاع السياسية الداخلية بين الأحزاب الكردية بسبب المصالح الحزبية يلجأ الساسة الكرد الى هذه الاسطوانة للتغطية على خلافاتهم والتأثيرعلى عواطف أبناء شعبنا الكردي ويسوقون لذلك من خلال خطاب أو مقابلة مع إحدى القنوات الفضائية أو تصريح أو اجتماع للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني, وكلما تأزمت الأوضاع السياسية بين الأحزاب الكردية بسبب رئاسة الإقليم التي يرفض البرزاني التخلي عنها رغم انتهاء فترة رئاسته يلجأ أيضاُ الى نغمة الانفصال لاستقطاب المتشددين الأكراد وخصوصاٌ الشباب الذين لم يدركوا خطورة خطوة انفصال الإقليم عن المركز , وقد لاحظنا تصاعداً ملحوظاً في دعوات السياسيين الكرد الانفصالية بعد أحداث مجلس النواب والأزمة السياسية التي أعقبت تلك الأحداث وأيضاً خلال الذكرى المئوية لاتفاقية سايكس بيكو,والسؤال الذي يطرح هنا هل أن الأكراد جادون في مسألة الانفصال أم أنها ورقة ضغط على حكومة المركز للحصول على المزيد من المكاسب فإذا كان البرزاني وبعض السياسيين الكرد جادون في موضوع الانفصال فلماذا لا يقدمون على هذه الخطوة ؟ إن البرزاني ودعاة الانفصال يدركون قبل غيرهم خطورة عملية الانفصال في ظل الأوضاع السياسية والأمنية التي يشهدها العراق والمنطقة وهم يعرفون قبل غيرهم أن هناك أسباب جوهرية تمنع إقامة دولة كردية في شمال العراق في الظروف الحالية أهمها أن الدول المجاورة للعراق خصوصاٌ تركيا وإيران والتي يتواجد فيها الأكراد بأضعاف أعداد أكراد العراق لا تسمح بوجود دولة كردية مستقلة في شمال العراق تجاور مناطق الأكراد في دولهم لان هذه الخطوة ستحفز أكراد تلك الدول للمطالبة بحقوقهم بطرق أخرى غير التي اتبعوها طيلة العقود المنصرمة علماٌ أن أكراد هاتين الدولتين لم يحصلوا على أبسط حقوقهم التي يطالبون بها منذ سنين طويلة وهي الحكم الذاتي ضمن الدولة المركزية هذا أولاٌ وثانياٌ إن مقومات الدولة الكردية في شمال العراق لم تنضج بعد الى الحد الذي يمكنها من الاستمرار والتواجد في ظل الأوضاع السياسية والأمنية المحلية و الإقليمية المحيطة بها وثالثاٌ إن إقليم كردستان بوضعه الجغرافي المغلق (بدون منافذ بحرية ) تربطه بالعالم الخارجي ومنافذه البرية تمر عبر دول الجوار التي تعارض وجود كيان كردي مستقل على حدودها سيولد مشاكل سياسية وأمنية واقتصادية كبيرة لا يقوى الإقليم بوضعه الحالي على الصمود بوجهها أو تجوزها أو حتى الحد منها ,ورابعاٌ إن المجتمع الدولي وخصوصاٌ الدول العظمى منقسم بشأن الدولة الكردية والدول العظمى هي التي رفضت قيام دولة كردية بعد اتفاقيات سايكس بيكو لأنها لا تخدم مصالحها ومصالح الدول الحليفة لها ,وخامساٌ إن الأكراد أنفسهم منقسمين بشأن الانفصال عن الدولة المركزية وأكثرية الشعب الكردي الذي لم ينتمي للأحزاب الكردية المسيطرة على كل الأمور في الإقليم والمتنفذة في كل شؤونه والمستفيدة مادياٌ من الأوضاع الحالية يرفض مسألة الانفصال ويرغب البقاء مع الدولة المركزية , ولو عدنا قليلاٌ الى ستينيالت وسبعينيات القرن الماضي وتذكرنا تصريحات البرزاني الأب فأنه لم يذكر يوماٌ انه يريد الانفصال عن الدولة العراقية وتأسيس دولة كردية مستقلة وفي ظل كل الحكومات العراقية التي عاصرها بل كان يعلن صراحة انه يريد حكماٌ ذاتياٌ للأكراد ضمن الوطن الواحد وليرجع السياسيون الأكراد لتصريحات ومقابلات البرزاني الأب ليتأكدوا من ذلك , أما إذا كانت هذه الدعوات والتصريحات الانفصالية للحصول على المزيد من المكاسب فلينظر أكراد العراق الى إخوانهم في تركيا وإيران وسوريا هل حصلوا على 1%1000 من الحقوق والامتيازات التي حصل عليها أكراد العراق علماٌ إن أكراد هذه الدول لا يستطيعون حتى استخدام لغتهم الكردية في مناطقهم بينما يتنعم أكراد العراق بحقوق كاملة وامتيازات مضافة فهم يحصلون على 17 بالمائة من موازنة العراق ولهم لغتهم التي أصبحت لغة رسمية في العراق ولهم حكومة وبرلمان وهيئات مستقلة وقوى أمن داخلي وجيش يفوق في بعض مفاصله قوة الجيش المركزي وهم البيشمركة التي وصفها الدستور كحرس إقليم لكن الأحزاب الكردية المتنفذة جعلت منها جيشاٌ كاملاٌ تسليحاٌ وتجهيزاٌ وصنوفاٌ وأعداداٌ وفرقاٌ وألوية وقيادات ,وفرضت سلطات الإقليم عدم السماح بدخول أبناء محافظات الوسط والجنوب أو الإقامة في الإقليم إلا بموافقات خاصة وكأنهم أجانب في حين تسمح دول الاتحاد الأوربي وهي دول ذات سيادة لكل مواطني الاتحاد التنقل والإقامة في أية دولة دون أية تأشيرات أو موافقات ,كما سيطر الإقليم على ما سميت بالمناطق المتنازع عليها وجعلوا هذه المناطق تحت سيطرة الإقليم الذي عمل على (تكريدها )وهي التي يجب أن تبقى تحت سيطرة الدولة المركزية لحين البت في أمرها ,والإقليم هو الذي يصدر نفطه خارج منظومة التصدير المركزية ولا يُعرف أين تذهب عائداته المالية والإقليم هوالذي يتحكم بالمنافذ الحدودية مع دول الجوار لا الحكومة المركزية ويستفيد من عوائدها المالية وللإقليم ممثلين في كل سفارات العراق في الخارج وفي المنظمات الدولية والإقليمية , حدث كل هذا في ظل ضعف كبير في الدولة المركزية وفي ظل صفقات سياسية مشبوهة بين الأحزاب التي سيطرت على السلطة في العراق وبين السياسيين الكرد للاستئثار بالمناصب والمنافع والمال والنفوذ على حساب مصالح الوطن العليا ومصالح الشعب العراقي فاستغل الساسة الكرد ذلك أفضل استغلال للحصول على المزيد من الامتيازات والمكاسب .
فلماذا هذه المزايدات السياسية والإعلامية والعزف على اسطوانة الانفصال التي أصبحت مشروخة بين الحين والآخر وكلما تأزمت الأوضاع السياسية الداخلية للإقليم وتصاعدت عملية الصراع الداخلي على المناصب والمكاسب ؟ أو كلما تأزمت العلاقة بين الإقليم والمركز أيضاً بسبب المناصب والمكاسب والنفوذ , ولمصلحة من تثار مسألة الانفصال من قبل السياسيين الكرد بين الحين والآخر ؟ و ماذا يريد البرزاني هل يريد أكثر من الذي حصل عليه هو وابنه وابن شقيقه وعائلته من التفرد بالسلطة ومن النفوذ والمكاسب المالية والسياسية والمعنوية منذ عام 2003 ولحد الآن ؟ وماذا يريد السياسيين الكرد دعاة الانفصال أكثر من الذي حصلوا عليه هم وحصل عليه أكراد العراق من وضعهم الحالي الذي يشبه الدولة المستقلة في كل تفاصيله و قياساُ الى أكراد دول الجوار؟ لقد أصبح موضوع ودعوات انفصال إقليم كردستان عن الدولة العراقية ورقة ضغط وابتزاز يمارسها البرزاني والسياسيون الكرد للحصول على المزيد من المكاسب في ظل ضعف حكومات المركز المتعاقبة وإذا كانوا قادرين على إعلان الانفصال وتأسيس الدولة الكردية المستقلة في ظل الطروف السياسية الحالية وتأثير هذه الدولة على الدول المجاورة التي تظم أقلية كردبة أيظاً وفي ظل أوضاع أكراد هذه الدول فماذا ينتظرون ولماذا لم يعلنوا ذلك؟ .
مقالات اخرى للكاتب