آخر ما كنت أتوقعه أن يعود هذا الشعار الدموي، لتصدح به الأصوات. وأين؟ في مبنى المسرح الوطني. وقبلها: كنت أغضب بسبب مصطلحات مثل "مختار العصر"، و"ما ننطيها"، وما شابه من ألفاظ بدأت جوقة "دولة القانون" بالترويج لها منذ فترة طويلة، ذلك أن هؤلاء وصلوا للقناعة المطلقة، والنهائية، بأن لا رجل في العراق غير السيد نوري المالكي، ولا زعيم يصلح لقيادة بلادنا غير زعيمهم المفدى... ولكن... أن يستعير الأفاضل في "دولة القانون" شعاراً كانوا من بين أوّل من نادى بإسقاطه والخروج عليه، وهو شعار "بالروح.. بالدم.. نفديك يا..."، فهذا ما لا أفهمه، وإن أردت فهمه فما عليّ سوى وضعه في سياقه الصحيح، وهو سياق يذكر بالسياق الذي صعد فيه صدام حسين من الظل إلى الضوء، فصار شعار بالروح.. بالدم على ألسنة العراقيين من زاخو إلى الفاو.
ولكن، هل سيتمكن المعلّمون الذين تجمعوا في قاعة المسرح الوطني، ومعهم الذي وجّههم بترديد هذا الشعار الدموي، من أن يعمّموه على مختلف أنحاء العراق؟
دعوني أتساءل، بصدق: هل سيردّد أبناء المناطق السنية مثل هذا الشعار في يوم من الأيام؟
هل سيردّد أبناء المناطق الكردية مثل هذا الشعار في يوم من الأيام؟
هل سيردّد أبناء المناطق الشيعية مثل هذا الشعار في يوم من الأيام؟
أكبر مشاكل السيد المالكي، وبالطبع الطاقم المحيط به، أنهم لا يسمعون سوى أنفسهم. أكاد أخمّن أن السيد المالكي يجالس مجموعة من الشخصيات، الشيعية المقربة منه، والقريبة من حزب الدعوة تحديداً، فيبدأون بالتندر من ما يسمى: الشركاء، وخاصة الأكراد والسنة... وبعد فاصل التندر هذا، يبدأ فاصل آخر عماده تسفيه الفصائل والشخصيات الشيعية التي تغيب عن جلسة الأنس هذه. ويصل التسفيه حد التلفظ بألفاظ نابية على زعماء شيعة بارزين، كما ينقل لي صحفي يعمل في دائرة قريبة برئيس الوزراء.
مثل هذه المجالس لا تنتج دولة، بل أنها تنتج عقدة دولة. بمعنى، فإطلاق الشعارات المختارية، والبطاطية، والعصائبية... وكذلك شعارات بالروح بالدم، هي إرهاصات تريد الوصول إلى الحكم المطلق، الحكم الذي يشبه الحكم الآلهي (مع الفارق في التشبيه)، تصبح معها مجموعة الأنس، هي المستشار، والقادر، لوحده على تجميل ما قبح من أفعال، بل وتبريرها. ثم يصبح زعيم مجلس الأنس هذا، أقرب للمهرّج، فتارة يضع النياشين الكثيفة على صدره، وتارة يمتطي صهوة جواد، وثالثة يكون قائد قوات الفتح المبين، ورابعة يكون مبعوثاً من التاريخ الإسلامي لإنقاذ أحوال الأمة... ألخ.. انه يتدرج في التهريج، ليصل إلى لحظة الاكتمال والاندغام النهائي، عندما يسمع أصوات الهاتفين من وراءه، أن: بالروح.. بالدم، نفديك يا... ولا تعلق قطرة دم نافرة من الشعار بياقة قميصه الأبيض.
يبدأ الديكتاتور صبيّاً، مثل كل الطحالب الضارة. ثم سرعان ما يصبح أقرب إلى الأخطبوط، وهنا يصبح البحث عن سكين لتقطيع أوصاله أندر من ماسة عظيمة.