العراقيون يدركون ان جوهر المشكلة السياسية العراقية لا تتعلق بالسنة والاكراد وحسمهم في ايجاد ممثليهم لرئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية , بل المشكلة نشأت وتبلورت داخل القائمة الشيعية حتى جرت الانتخابات الاخيرة تحت معادلة يزاح ام لا يزاح المالكي . ومثلما هو معروف ايضا ان الاستجابة للمهل الدستورية واستكمال تثبيت السني سليم الجبوري لرئاسة البرلمان والكوردي فؤاد معصوم لرئاسة الجمهورية , وضع مسؤولية تنفيذ استحقاقات المدد الدستورية في سلة القائمة الشيعية بالكامل , رغم محاولات بعض الاطراف الشيعية وبالذات دولة القانون لإيجاد بعض العثرات لإعاقة انجاز الرئاستين السنية والكوردية طمعا منها للاستحواذ على وقت اطول , والوقت هو ما تراهن عليه دولة القانون لفرض مرشحها الوحيد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي وإعادة استحواذه على ( الولاية ) الثالثة .
المالكي وحزب الدعوة ودولة القانون وجدوا انفسهم ليس بالضد فقط من ارادة باقي المكونات , بل ومن اغلب الاحزاب السياسية الشيعية وبالذات التيار الصدري والمجلس الاسلامي الاعلى , اللذين يعارضان اعادة تنصيب المالكي في رئاسة الوزراء للمرة الثالثة على التوالي , نتيجة الفشل الذريع الذي رافقه طيلة الدورتين السابقتين في ادارة العراق وإيصاله الى هذا الحضيض الطائفي الذي منعه من انجاز اي شئ يصب في مصلحة العراقيين , حتى بات واضحا لأغلب العراقيين ان بقاء هذه المجموعة في ادارة العراق سيكون ثمنه الاكيد تمزيق وحدة العراق الوطنية .
خلال الايام الماضية تسربت الاخبار على ان المالكي ودولة القانون قد وافقوا على استبدال المالكي بشخصية اخرى يرشحه المالكي سواء من حزبه الدعوة او من دولة القانون . هذا ما نشره موقع " صوت العراق " يوم 22/ 7 / 2014 وتحت عنوان " المالكي بدأ يسمع لأول مرة دعوات استبداله والشيعة يمكن ان يطرحوا اكثر من مرشح " . وأكد الخبر " ان الاجتماع الاخير للتحالف الوطني الذي حضره نوري المالكي , شهد ولأول مرة مصارحة دولة القانون بضرورة تقديم بديل عن مرشحه , وان الاخير وافق على ذلك ( حفاظا على وحدة البلاد ) ". ولكن بعد يوميين اي البارحة اكدت دولة القانون بان ليس عندهم مرشح غير المالكي . القائمة الشيعية المحصورة ارادتها في الحفاظ على وحدتها الطائفية فقط نتيجة ما تتطلبه مصلحة النظام الايراني باعتباره الراعي ( الشرعي ) لوحدة الشيعة حسب نظرية الولي الفقيه من جهة , والنظام الايراني لا يهمه من يكون رئيس الوزراء , المهم يستجيب لمتطلبات سياسات ولي الفقيه ويبقى العراق ضعيف وسوق مفتوح وتابع للنظام الايراني ولا توجد افضل من استمرار الوضعية الحالية . ومن جهة اخرى ان المرجعية في النجف الاشرف يهمها ايضا بقاء وحدة القائمة الشيعية رغم تباين مواقف احزابها , ولكن بإبدال المالكي وكل الطاقم الذي فشل في ادارة العراق .
الاسبوعان القادمان اللذان يجب ان يحسم التحالف الشيعي خياره في مرشحه لرئاسة الوزراء -ان لم تجري مفاجئة من العيار الثقيل مثل استحواذ داعش على جزء من بغداد – امام احتمالين , الاول نجاح التحالف الشيعي في ازاحة المالكي وإيجاد بديل له سواء من حزب الدعوة ودولة القانون او من التحالف الوطني الشيعي , والثاني – اذا صدقت الاخبار من ان المالكي تمكن من استحصال قرار المحكمة الاتحادية القاضي بجعل دولة القانون الكتلة الاكبر في البرلمان وليس التحالف الوطني – وهو ما يعني اصرار حزب الدعوة ودولة القانون على المالكي كمرشح وحيد . واذا تمت الحالة الاولى ونجح المجهود بإزاحة المالكي فأن العراق سيبقى محكوما وأسيرا لحالة المحاصصة الطائفية التي اودت بالمشروع الوطني , اذ سيجري ترسيخ الطائفية وفق تبادل الوجوه . واذا كان الثاني , اي استمرار بقاء المالكي , فهو الذي سيفجر المشكلة داخل القائمة الشيعية رغم كل جبروت النظام الايراني في فرض ارادته على الاحزاب الشيعية العراقية . وما لم يتم الصراع بين الاحزاب الشيعية في تغيير النهج الطائفي للقائمة , واسترجاع وطنية القرار الشيعي وتخليصه من التبعية للنظام الايراني , وهذا بدوره سينتشل العملية السياسية برمتها من تخبطها في الوحل الطائفي , ومن دون هذا فلن يرجى خيرا من استعدال توجهات العملية السياسية الآن اوفي السنوات القادمة .
مقالات اخرى للكاتب