عند قراءتنا للانتخابات الأمريكية الأخيرة وصعود رجل من أصول افريقية هو حدث بحد ذاته , يصب في مصلحة الأدبيات السياسية الأمريكية التي طالما سعت إلى تقديم النموذج الأمريكي في الديمقراطية وتكافؤ الفرص وتحقيق الأحلام . لاشك ايظا في أن الولايات المتحدة تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى ان تستعيد ما فقدته من مصداقية نتيجة ما شاب من سياسات وممارسات أدارة بوش من ازدواجية وانتقائية وانتهاكات للقانون الدولي والإنساني , وما ألت أليه من فشل وفوضى وأزمات , ولعل ما ورد في خطاب اوباما الذي ألقاه في العشرين من كانون لثاني /2008 لمناسبة تنصيبه رئيسا ما يؤكد اتجاهه إلى استعادة مصداقية أمريكا والقطيعة مع ارث سلفه بوش وسياسته على الصعيدين الداخلي والخارجي في هذا الخطاب جدد اوباما "تعهده الانتخابي " بالتغير والعمل على استعادة مركز أمريكا القيادي بالقيم والتحالفات ,وليس بالقوة العسكرية وشدد على ان القوة وحدها لا تستطيع حماية أمريكا ولا تخولها فعل ما يحلو لها . وأعلن عن فتح صفحة جديدة مع العالم كله , بما في ذلك العالم الإسلامي على أساس من المصالح المشتركة والاحترام المتبادل والبارز فيخاطب اوباما انه يدخلنا إلى صلب الموضوع بإقراره أن العالم تغير ويجب أن نتغير معه .
ولكن ما هو التغير الذي اقر به اوباما ؟ هل هو ذلك التغير الحتمي الذي لابد لأمريكا من ان تتهيأ للقبول به والتعامل معه بالتعاون مع شركاء في إحياء نظام دولي جديد متعدد مراكز القوى اخذ في التبلور آم هو ناتج من تداعيات سياسات بوش ولا يتجاوز بالتالي إطار معالجة الأزمات وتعويض الخسائر ؟ لقد اقر اوباما بالتغيير ,لكنها تمسك بالدور القيادي للولايات المتحدة . من هنا يبرز التساؤل المحوري الذي يعكس الإشكالية المطروحة في هذه الفترة : هل يمكن إحداث تغير فعلي في السياسة الخارجية الأمريكية في ضوء مبدأ الاستمرارية وتغلغل مبدأ التفوق في الفكرة الإستراتيجية الأمريكية ؟ وما هي حدود هذا التغير ؟ على الرغم من هناك الكثير من الكتاب والمفكرين بحسب المدارس والاتجاهات التي ينتمون أليها . ويدافعون عنها او ينظرون شرعية وجدوها قد اكدوا نهاية الايدولوجية في اللحظة التي اهتز بها البنيان الاقتصادي والسياسي والعسكري لاكبر كتلة اشتراكية عرفها التاريخ , منافسة للعالم العربي الرأسمالي في اقتصاده الرأسمالي في سياسته ,الا ان معطيات الواقع السياسي الوطني والدولي ,قد اثبتت عكس ذلك تماما ,لا بل ان الإحداث والسياسات الدولية التي أفرزتها حقبة ما بعد الحرب الباردة قد أكدت الايديولوجية ما زالت قائمة . وهي سمة بارزة في السياسات الدولية والاكثر تجلية في السياسة الامريكية حيث النظام الدولي الجديد الذي حاولت تشييده ادارة الرئيس جورج بوش الأب التي وضعت بالإدارة المحافظة الواقعية وليس هناك من تكيف ايديولوجي شهده عقدة التسعينات , مثلما شاخص في نهاية التاريخ , وأطروحة صراع الحضارات .لا بل في الوسط السياسي . والفطري الامريكي ذاته , حيث التنازع ما زال قائما حتى ما بين المحافظين الجدد حيث التحول البنيوي ,ليس فقط في السياسة . الخارجية لادارة جورج بوش ولكن ايظا في التي تعد قيما أسلوب التفكير في السياسة الخارجية بصورة عامة . يعتقد المحافظون بانه يجب على الولايات المتحدة ان تستخدم قوتها ,بما فيها القوة العسكرية لصالح الاتجاه العام نحو الديمقراطية وبحسب وجهة نظرهم فان هذا التوسع في الديمقراطية ينسجم في الوقت نفسه مع القيم الأمريكية التي تعد قيما عالمية .وفي ضوء ذلك , صيغت نهاية التاريخ ,حيث القيم الغربية التي انتصرت ,وان الصراع القادم ,هو صراع حضارات لا غير حيث ان المحافظين الجدد وجدوا نذير حربهم في جورج بوش الابن الذي شن حربا على أفغانستان والعراق وأعيد انتخابه للمرة الثانية ليس لشخصه وحزمه في السياسة الخارجية وإنما لان هناك حلقات من مشروع القرن الأمريكي لم يتم تشيدها بعد ,او غير مكتملة وهذا ما سنلاحظه في الأيام القادمة من خلال منهجية الدراسات التي رسمت وخططت لسير السياسة الخارجية الأمريكية وبناءا عليه سنتناول في المستقبل موضوع الايديولوجية السياسة الامريكية وسوف نركز على الإطار السياسي لصياغة الايديولوجية السياسة الامريكية وسوف نركز على الإطار السياسي لصياغة هذه الإيديولوجية والذي تجلى بصورته الواضحة في اطروحة نهاية التاريخ لفوكوياما وما أفضت اليه نظرية صراع الحضارات لصموئيل هانتنغون التي اثارت نقاشا حادا وما زالت . في الأوساط السياسية والفكرية وعدت المرجع الفكري للمحافظين الجدد في صياغتهم للرؤية الكونية الشاملة والدور الذي يجب ان تضطلع به الولايات المتحدة الامريكية , وكذلك ما طرحته جوديث ميلر ,وبرنارد لويس في التحدي الاسلامي , من دون ان نغفل التطرق الى ردود الأفعال العربية تجاه هذه النظريات او الأطروحات من قبل المفكرين العرب , وكذلك الرؤية العربية لهذا الصراع الذي اعيد طرحه ما بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001 وبقوة اكبر , فكريا وسياسيا , وعسكريا في افغانستان والعراق . وعندما نعود الى سياسة التغير لدى اوباما , ولانرغب في الشكوك في سياسة التغيير من خلال الفترة القصيرة لاستلامه زمام الامور , اريد ان اقول عسى ولعل رجل قوي من اصول افريقية ان يغير بهذه الستراتيجية المبنية بناءا محكما بمصالح رؤوس الاموال الكبيرة في العالم ويخطط . امبريالية , وسياسية القطب الواحد , فهذا رجل اكبر من ان نتصوره اذا صح القول .. ولكن نحن في الشرق الاوسط نرى ان الديمقراطية التي تخرج من البيت الابيض للحفاظ فقط على الامن القومي الامريكي .
مقالات اخرى للكاتب