• كلما اهتز الوطن ، رقصت القصائد الشعبية، وراحت تحفز النفوس التي لاتعرف سوى هذا اللون من التعبير الاعلامي الى الردح والاهتزاز والتلويح بالبنادق، والرقص على اكتاف الموت، كما كان يقال سابقا، وكلما مر الوطن في محنة او امتحان، لم يجد الاعلام العراقي المشاهد ، وبعد أن اصبح بهذا الكم ، وبهذا التشظي ، نفسه ،الا وهو يحاود العودة الى الماضي بكل ما فيه وبنسخ كرونية شوهاء احيانا ، وكأن هذا الاعلام، وهو فعلا كذلك لايستطيع أن يبتكر وسائل خطابية اعلامية جديدة، تستطيع ان تحدد ماهيات وجوده الفكرية والنفسية، ولهذا امتلأت الاعلاميات العراقية، وعلى كافة جبهاتها الرافضة لوجود داعش، والمطبلة لوجدوده، الى اعتماد ذات الاسس الاعلامية ، والتي لم تعد مرغوبة لدى المواطن العراقي، فثمة مسابقات يومية لإقامة مهرجانات شعرية تعتمد الخطاب التهديدي غير ألمستساغ وتدعو الى القتل والتدمير و الافناء، وثمة اهازيج تأخذ ذات الخطاب بعد ان تلبس المؤدي ملابس عسكرية وتحيطه بصور لا تبشر بغير الموت والتهديد والوعيد، وبرفقة هذه الاعلانات غير المجدية، ثمة من ركب موجة التحليل والتفسير، فراح يطل على المتلقي هنا ،وهناك، وهو كل ساعة في رأي، وله مع كل وسيلة اعلام رأي يختلف تماما مع الراي الاخر وقد يناهضة احيانا، ومثل هذا الاتجاه وضع الاعلام العراقي داخل محنة الخطاب المكرر الذي لايعرف الكيفيات التي يمكن من خلالها الخروج من ازمة التكرار وما يشبه تبني فكرة الحرب دون السلام، برغم ما في الازمة من مدخلات كان يجب استغلالها ، واقصاء فكرة التحفيز والدعوة الى القتل كليا، فثمة مداخل اعلامية تحتاج الى توضيح لمقاصد الحكومة التي وجدت نفسها في حيرة وارتباك لا تحسد عليه، حتى انها راحت تستنجد بأميركا التي تفاخرت يوما بأنها هي من اخرجتها ومنحت ضمانات لتواجد الجنود الامريكان، والتلويح بالوجود الايراني بحكم وجود معاهدة الامن المعقودة بين الطرفين، وهذه الاشارات التي اتضحت امام الجميع، انما تدل على شدة الازمة وعجز الحكومة، وقيادتها العسكرية على حسم الامر دون الاستعانة بجهات صديقة، برغم ما تثيره تلك الاستعانة من لغط داخل المجتمع العراقي، وقد لا تكون جزء من الحل بل جزء مهم من الازمة، داخل الصف الحكومي وكابينات الاحزاب المشاركة في هذه الحكومة، لهذا وقف الاعلام المشاهد هذا الموقف الذي يبدو حياديا مع الحكومة، وفاعلا داخل الاتجاه التعبوي وهو اتجاه لم يعد مؤثرا داخل المجتمع العراقي ، حتى ذلك الذي يوالي الحكومة ويناصرها، بل ويسهم في الدعوة الى طرد داعش بالقوة وابعاد فكرة التفاوضات السياسية، وعدم تبني فكرة الحوار السياسي اطلاقا مع من صمت ازاء الحالة، او ناصر بصمته داعش ودافع عنها ، والسؤال الذي يجب ان نبحث له عن اجابه، ماالذي يمكن ان يفعله الاعلام العراقي لان... وما هي المبتكرات التي يمكن ان يعتمدها.. ؟وهل يحق له ابعاد تلك الوجوه التي باتت لا ترضي المواطن بل تثير غضبه وعدم رضاه ، وخاصة تلك الوجوه البرلمانية التي تخلت عن العراق ابان وجودها ألدستوري ، وأهملت الحضور ورفضت التصويت على الموازنة واوقعته في خضم صراع اقتصادي لا يقل خطورة على ماهو فيه من مخاطر اخرى؟
ولكي نحدد اتجاهات الفعل الإعلامي علينا اولا ان ندعو الى التخلص من امرين مهمين يقودان الاعلام العراقي الان، وهما الطائفية التي تدعو الى الثأر الطائفي والحكومية التي ترى في كل ما تقوم به الحكومة صحيحا وخاليا من ألعيوب لهذا يجب ان يصدق ويحترم ومن ثم يعمل فيه؟
وقد خلت تلك الوسائل من وجود الشارع الفاعل، وظلت حبيسة الاراء السياسية الواحدة الاتجاه ، وراحت تلوك تلك المعلومات يوميا وضمن دائرة التحليل البسيط والخالي من الادلة العلمية والأسانيد الوثائقية التي يمكن ان تسهم في اقناع المتلقي وشدة الى الحال الذي يترقبه، وضمن هذه المرحلة يتوجب على القيادة العامة للقوات المسلحة ، أن تتخلى عن هذا النموذج من الخطاب الاعلامي الغير مجدي، والذي يظهر فيه الناطق الرسمي للقيادة العامة وكأنه يشرح لجنوده الكيفيات التي تحركت بها القطعات، والواجب ان ترافق تلك الشروحات اليوميه، صور فاعلة ، حقيقية تؤكد القول، وترسخه، فثمة تأثير اعلامي اكثر وقعا الصورة الحية منها الى الحديث البارد ، وغير المنسق خطابيا، وكذلك اعتماد البياتات الخاصة بالقيادة، وصياغتها داخل خطاب موجه للجميع والتخلي عن روح الانشاء او اعطاء المعلومة الناقصة والابتعاد عن الترويج الاعلامي الذي قد يضعف الجيش مثلما يضعف الشارع ويملأه بالإشاعات ويحوله الى اداة ترويجية مثلما يحدث الان، أذ انقسم الشارع الى اكثر من أتجاه، وصار لا يثق كثير بتلك الاخبار والمقابلات والتحليلات التي يحاول الاعلام العراقي اطلاقها يوميا، ثمة احصائية بسيطة اجريناها خلال الايام الثلاثة الماضية، لمعرفة المسار الذي يعتمده المشاهد العراقي ، ولماذا ياخذ هذا المسار دون غيره، في مدينة الصدر، كانت العينات التي اعتمدناها 1000 ، بين نساء ورجال ونساء، 250، قالوا انهم امتنعوا عن مشاهدة الاخبار نهائيا لانها توتر الاعصاب ولا تأتي بجديد ، 120 شاب قالوا انهم يتابعون الاخبار من خلال العربية والجزيرة والشرقية، لانها تقدم الخبر المباشر والعاجل، وأن كانت هذه المحطات تحمل بعض من الضغينة والترويج المضاد، لكن هذه العينة اصرت على انها قادرة على التحليل وفهم المقاصد، 540 ، قالوا انهم يتابعون الاخبار من خلال العراقية والفرات وافاق وانهم لاينصوت ابدا الى الندوات التي تقيمها هذه الاعلاميات ، لان ليس ثمة فائدة منها وهي لاتقدم جديدا، في حي الجامعة والمنصور، ومنطقة حي السلام، كانت العينة قد تجاوزت 2000 تراوحت اعمارهم بين 20ــ و70 عاما، ومن كلا الجنسين، جميعهم قالوا، أن الاخبار تزيد توتر الانسان ولاتمنحه معلومة مطمئنة واهذه الاخبار تحتاج الى توضيح اكثر وطرق توصيلية اكثر هدوءا ،ولكن بعض الفضائيات تنقل الاخبار وكأنها تقع في بلد اخرو تبث داخل تلك الاخبار شيء من التشفي والكراهية وتعميق روح الكراهيات والحقد ، وهذا ما جعل المواطن العراقي يبتعد كليا عن المتابعة، بل ثمة ما يقال عن الاكاذيب والإعلانات غير الواضحة المعنى والسلوك، وقد اسقطت وسائل الاعلام المنتمية الى الاحزاب ألدينية متابعاتها بشيء من الطائفية، وخاصة فيما يخص فتوى السيستاني، والتي دعت جميع العراقيين الى الجهاد دون ان تحدد طائفة او مذهبا او مجموعة ما، وهذا ما شجع البعض من الخلايا الحزبية النائمة الى الاستيقاظ وإعلان حضورها بعيدا عن الدولة وإشراف القوات المسلحة والانغمار في تصريحات على غاية من الخطورة والخوف، لهذا يتوجب على تلك الاعلاميات ان تتخلص كليا من خطابها الطائفي و اعلان خطاب اعلامي يتبنى الفتوى على انها عراقية لاتميز وليست موجهه مع احد ضد احد، لان داعش والارهاب لايمكن ان يفرق بين عراقي ، وعراقي، وان حاول البعض الباسه لباس التسنن والدفاع عنه على انه جزء من الوجود السني في العراق، ومثل هذا الخطاب مالبث ان تلاشى بين اوساط الناس اذ تشير بعض الدلالات التي حصلنا عليها، ان الموصل ، بدأت تشعر بالانكسار وغياب النظام الحقيقي و تعيش ازمات لاتستطيع القوى المسيطرة على الموصل ولاغيرها تحقيقها بصورة مستمرة، وهذا هو المدخل الفهمي لتحليل الازمة واعتبارها ازمة عراقية لادخل للشيعة او الكرد بها الا تحت طائلة عراقيتهم وحدها، ولابد للكرد ان يعترفوا بهذا لان دخول كركوك من قبل البيشمركه والقوات الامنية وزيارة مسعود البارزاني انما هي اشارة خاطئة جدا، ولابد من حسابات دقيقة تجعل الكرد في قلب عراقيتهم لافي موقف المتفرج او المستحوذ على الاراضي من خلال بعض الضعف الذي اصاب القوات المسلحة، واذا ما ابتعدت قوات الاقليم عن مساندة الجيش العراقي وهي جزء منه، فعليها ان تتحمل وزر ذلك فيما بعد، اذا ما تعرض الاقليم لهزات عسكرية يتوجب على المركز المشاركة في دفعها، وهذا ما سوف يحصل قريبا، وبهذا يجد الاقليم نفسه داخل حرائق لاقدرة له على اخمادها او ابعادها عن اراضيه، واذا كان السيد البارزاني يحترم الدستور العراقي بوصفه المرتكز القوي والاهم فعليه ان يبتعد عن الاثارة العرقية، واعلان الحرب الاعلامية التي لامبررلها الان ، بل تسهم في اضعاف الروح المعنوية لدى الكثير من ابناء الشعب وربما تولد ردود فعل غير طبيعية، وممكنة الحدوث، كل هذا يجب على الاعلام العراقي مناقشته وتوضيح معالمه بعيدا عن الخجل والمجاملة السياسية، ووضع المواطن امام هذه الحقائق دون لبس او تغيير لان ثمة جهات اخرى تكشف المستور وتسحب المتلقي اليها وتجعله دون ان يدري وسيطا مهما في نقل وتحليل اخبارها وهذا ما لايجب ان يكون!!.
مقالات اخرى للكاتب