أعلن رئيس الوزراء نوري المالكي نبا وفاة حكومته بالقول أن " الشعب غير حريص او محب للحكومة"، ما يسقط أخر أوراق التوت عن دستوريتها المكتسبة و يفتح الأبواب أمام ملاحقتها قضائيا على أعتبار أن الشعب هو صاحب المصلحة في بقاء أو رحيل مؤسسته التنفيذية، و طالما أنه لا يتعاون معها فأنه قد سحب تأييده أو قبوله لتتحول الحكومة الى مؤسسة رسمية بلا روح.
ان اعتراف المالكي يدفع الى الواجهة جملة فرضيات منها جس نبض الشارع في حل الحكومة و الاعلان حالة الطواريء بكل ما يترتب على ذلك من اجراءات، و الاحتمال الثاني وصول رسالة من الادارة الأمريكية " الراعي الرسمي" تعلن نهاية العقد و بالتالي استبق المالكي الأمور باختيار توقيتات مراسم التشييع بعد عودته من واشنطن، و الاحتمال الأخطر ان يعود رفقة قوات مارينز طبقا لاتفاقية الأطار الاستراتيجية للاشراف على أمن الجنازة.
و نحن هنا لا نتحدث بمزاج هزلي لأن الدم الذي يغطي أرض العراق بحاجة الى موقف شعبي شجاع و محاصرة الحكومة في عقر دارها الضيق جدا، لأنها أرتكبت الجرم و تصر على البراءة ، فما يجري من عمليات قتل شاملة جريمة بحق الانسانية و مخطط للقضاء على توازن دورة الحياة في العراق، خاصة عندما يواصل المالكي اللعبة بنفس الأمكانيات المنهكة أصلا، وبذات الاتهامات التي يحمل فيها الأخرين مسؤولية الفشل وكأنهم يصنعون قرارا أمنيا!!
صحيح ان اعتراف المالكي بعدم شرعية الحكومة يمثل انتكاسة للمراهنين على فاعلية هذه المؤسسة التنفيذية المثقلة بالهموم، لكن الصحيح ايضا أن المالكي لم يقدم حلولا عملية رغم تكرار الجريمة في نفس المكان أو قريب منه، رغم اجراءات أمنية تنهب نصف موازنة الدولة، و صحيح أيضا ان تبييض صفحة الفشل يعني المشاركة فيه بلا ملاحقات بالاستفادة من مجلس نواب معطل لاستكمال العمليات التجميلية و توزيع المنافع الاجتماعية و تبويس اللحى للفوز بمرحلة جديدة.
لقد اصبح الملف الأمني العراقي مسرحية ثقيلة الدم لأن الممثلين اقتحموا المهنة في ليلة غير مقمرة و بامكانيات معطلة بالولادة، وكان من المفترض أن يشخص رئيس الوزراء الخلل بشجاعة و يقرر السير في طريقين لا ثالث لهما، ان يتخلص من عقدة الماضي و الخلاف الشخصي مع مرحلة ليست مظلمة في جميع جوانبها و الاستفادة من الجانب المضيء لعبور المحنة، بعيدا عن ولادة قيصرية انجبت جيلا من المعوقين في الحس الأمني و الوطني أيضا، ما يحوول دون عودة الكفاءات الى مكانها الصحيح، وهي مسؤولية يقع على عاتق المالكي الأختيار السريع بين حلوها و مرها، خاصة وأن المحافظة على أمن و كرامة العراق تحتاج شجاعة فرسان.
أما الطريق الثاني فيتمثل في تكليف شركة أمنية للمحافظة على الاستقرار في العراق لا ستكمال صورة الاستناء فيه ، حيث كل شيء غريب و طاريء و الحلول هي ردات أفعال و القرارات تقبل القسمة على 10 وجهات نظر، ما يجعل العراق غريبا على نفسه و أهله، و يبقي مسؤولية في وهم الأعتقاد بقدرة التاثير دوليا رغم انهزامهم في الداخل.
لقد قطع المالكي نصف المسافة بزمن قياسي و أعلن افلاس الحكومة دون الالحاح في عدم تبييض صورتها، ما يستدعي منه اكمال مهمة الاشهار بتكليف لجان مختصة و حيادية لانهاء المتعلقات المالية والادارية وتقديم شهادة براءة ذمة، رغم أن هذه الأخيرة قد تكون الأصعب فالجميع متورط بدم العراقيين و نهب أمواله، لذلك حان وقت الحساب و الملاحقة، بعيدا عن " فهلوة" خلق تحالفات في أربيل 2 أو واشنطن 10 أو ايران 100، لأن العراقي كشف خيوط اللعبة و تعرف بما يكفي على اسلوب ادارة أو استنساخ مفاتيحها، لذلك لن يقبل بنصف الحلول و عليه أن يعجل بقرار اعلان افلاس الحكومة و النواب باحتجاجات سلمية فيها من المزاج العربي ما يقضي على لحن قول لم يتعود عليه، ولا هو من قاموسه في شيء!!
مقالات اخرى للكاتب