يشهد الله أن قلوبنا معك ياوزير الداخلية ،لاننا نعرف ثقل التركة التي خلفها المالكي لك وحتى للذي يأتي من بعدك . فجهاز الشرطة الذي هو حجر الاساس في بناء الداخلية قد تعرض الى أعصار فساد خلال السنوات العشر الماضيات ، لم يتعرض لها هذا الجهاز العريق منذ تأسيس الدولة العراقية في مطلع عشرينيات القرن الماضي الى ماقبل عشر سنين ، بحيث صار وجود الشرطي أو عدم وجوده سيان .. ووصل الحال الى أن المواطن صار يحل مشاكله ومنازعاته خارج مراكز الشرطة و بعيداً عنها .
فيامعالي الوزير .. اليوم صار المواطن يفضل أن يقبل على جهنم من أن يراجع مركزاً للشرطة !! وقد تستغرب ذلك ، وقد تقول أن في الأمر مبالغة ، ولكنها الحقيقة المرة والتي لايمكن أنكارها .
المواطن يواجه الابتزاز من قبل الشرطة وقادتها اينما حل .. فأذا أراد أن يحصل على أجازة سوق مثلاً ،فان عليه أن يدفع والأ فانه سيظل يراجع ويراجع ويتحمل نفقات كثيرة ويضيع وقته ! وتتفنن شرطة المرور باستغلال هذا المواطن ، فالنظام المروري يطبق فقط على الذي يعصي ولايدفع الرشوة في كل معاملة ..ولا يفلت من عقوبة المخالفة المرورية الأ اذا أرضئ الشرطي بنصف مبلفها من دون وصل طبعاً ! وقد ابتكرت شرطة المرور مؤخراً مايسمى باجازة السواقه وليس الهدف من هذا الابتكار تأمين سلامة المواطن والسائق ، بل لابتزاز السائق الذي لا يحمل الاجازة فأما دفع 300 الف دينار غرامة أو يرضي الشرطي باقل من نصفها .. وشرطة المرور تعلم بأن الحصول على أجازة يستغرق سنوات من المراجعات فهل يمكنه الانتظار أذا كانت عيشته على عمله كسائق ؟! والجواب بالتأكيد تعرفونه عندما تتاكدوا بأن الحصول على الاجازة يحتاج الى الوقوف أمام دوائر المرور بطوابير طويلة كل يوم الى أجل غير معروف ! أما الشرطة المحلية فحدث عنها ولا حرج ! فقادتها يتفننون باستغلال المواطن أن أشتكى أمامها أو أشتكوا عليه أيضاً .. وعليه أن يدفع في الحالتين .. ثم أن هناك التهم الكيدية التي صار لها ثمنها ، فحين يريد أحد المواطنين الايقاع بأخر فانه يلجاً الى مأمور المركز ويتفاهم معه على تهمه لالصاقها بخصمه ، ولكل تهمه سعرها .. فتهمه الاغتصاب تحتاج الى طرف ثاني يؤمنه مأمور المركز وله حصة من المبلغ الكلي ويحسب حسابة عند الدفع . أما التهم الاخرى فاسعارها تنزل من دفتر الى ورقه حسب نوع التهمة ومقدار الاذى الذي تلحقه بالخصم !
أما مراكز الشرطة فتباع هي الاخرى مثلما تباع المناصب ،فالمركز الذي يوجد في حدود مسؤوليته الامنية عديد من باعة المخدرات فأن سعره يزيد على العشرة دفاتر تدفع لمسؤول المركز الذي يدفع نسبة منه للسيد المدير الاعلى رتبه ! والمركز الذي تقع ضمن قاطع مسؤوليته بيوت البغاء (السرية) يقل سعر شرائه عن عشرة دفاتر الى ثمانية أو سبعة ! واحياناً يصل الى أكثر من عشرة أذا ماوفر مركز الشرطة الحماية للمستفدين !
أما مفارز الشرطة التي تنتشر في الشوارع فانها لا تهمش ولا تنش – كما يقولون – والمسؤولين عنها أما هم من الفاسدين الذين يتقاضون مبالغ كبيرة عن كل سيارة أو عربة مفخخه ويسحوا لها بالمرور الى أهدافها .. أو هم – المسؤولين – مهملين غير مكترثين بحياة المواطنين ، وكل مايقومون به اثناء أداء الواجب هو الانشغال بهواتهم الشخصية باحاديث مع الحبايب !!
وكذلك – يامعالي الوزير – الحال أسوأ من ذلك حين يراجع المواطن دوائر الاحوال المدنية ، فانهم – الشرطة – يعصرونه عصراً أن فقد هوية الاحوال أو أراد أن يسجل طفله في سجل العائلة .. وصحيح هنا أن أكثر موظفي الاحوال من المدنيين ،لكن المسؤول الاول من الشرطة .. وكبيرهم قد يعلمهم كل مايمكن أن يؤدي الى الفساد !
بالتأكيد ، ماكان للفساد والابتزاز أن يتفشيا داخل جهاز الشرطة لو كان هناك ضباط وأمرين يتصفون بالنزاهة ! لكن هؤلاء النزيهين من الندرة بحيث صار البحث عنهم متعباً . وأعتقد أن العمل بمعاقبة المسيئ من منتسبين الشرطة سواء كانوا ضباطاً أو أفراداً وتغليط العقوبة بحقهم سيرجع هذا الجهاز المهم في تأمين الأمن والأمان الى جادة الصواب .. كما أن ابعاد القادة الحاليين ممن هم مخلفات الحاكم السابق عن مناصبهم واستبدالهم باخرين غير ملوثين سيؤدي الى انحسار الرشوة بالتأكيد .. وقد يقول قائل من أين يأتي الوزير بالنزيهين أذا كان هذا هو حال جميع المنتسبين ؟ و الاجابة هي اعطاء الفرصة لرجال الخط الثاني والعفو عما سلف ثم أبلاغهم بأن عقوباتهم ستكون مغلطة في حال عادوا لممارسة الفساد .. وعندها – أظن ذلك – سيحسبون ألف حساب لمستقبلهم وسمعتهم خصوصاً أذا ماعرض الفاسد منهم على وسائل الاعلام !
يامعالي الوزير .. العبء ثقيل ،والمهمة صعبة ، ولكنها ليست مستحيلة ،وكل ماتحتاجه هو أن تحيط نفسك بحاشية تصدقك القول .ثم نتوكل على الله ، فأن نجحت فتكون قد أرضيت الله وعباده .. وأن فشلت – لاسمح الله – فلا لوم عليك لانك عملت وأجهدت نفسك ، وسيظل الناس يذكرونك بالخير في الحالتين .
مقالات اخرى للكاتب