عقب عمليات التهجير القسرية التي تعرضت لها شعوب بلاد شمال القفقاس وبضمنها الهجرة الكبرى التي امتدت من 1859 ولغاية 1864 الى تركيا ومن ثم الى البلاد الواسعة التي كانت تحت سيطرة العثمانيين , كانت حصة العراق كبيرة من اعداد الاسر الداغستانية والشركسية التي استوطنت بصورة رئيسية في مدن وريف كركوك وديالى وبغداد والموصل والانبار ( الفلوجة ) الى جانب العوائل التي قدمت طوعا من شمال وجنوب داغستان الى العراق عبر اذربيجان وايران قبل التهجير القسري وبعد فترة غير قصيرة واستقرت في دهوك واربيل والسليمانية , وكانت الغالبية العظمى من المهاجرين القادمين قسرا الى العراق تتكون من عوائل القادة العسكريين او المقاتلين الذين انضموا الى الجيش العثماني بدواعي دينية ومن ثم فضلوا البقاء في العراق ولم يغادروه حتى بعد سقوط الدولة العثمانية . وعلى امتداد سنوات القرن الماضي ونتيجة الافتقار الى مرجعية عشائرية مركزية تتولى رعاية شؤون الشركس والداغستان في العراق تعذر القائم بتنظيم العمليات الاحصائية الدقيقة الخاصة بتحديد ومسح الاعداد الفعلية لهم ومواقع سكناهم , الا ان رغبة نخبة من رجالها وايمانهم بضرورة ايجاد وسيلة تنظيمية تتولى لم الشمل ومعرفة التفاصيل الخاصة بها حياتيا وعلميا والعمل على النهوض بها دفعتهم عام 2004 نحو تاسيس ( جمعية التضامن الخيرية لعشائر الداغستان والشركس في العراق ) واختير مركزها العام في محافظة كركوك بالنظر للكثافة السكانية العالية لابناء هذه العشائر فيها لكونها تتوسط المدن والمناطق التي تسكنها الاكثرية المنحدرة عن شمال القفقاس . ورغم غياب تلك الجهة الراعية قبل تشكيل الجمعية الا انه من باب الامانة الاشارة الى الجهود الفردية التي بذلت من قبل رجال ورموز اجتماعية بارزة في تعزيز الصلات بين ابناء هذه العشائر وفي مقدمتهم مصطفى نجيب تيمور بك (1907- 1989 ) الذي جعل قريته ( جارشلو) في ناحية العباسي بقضاء الحويجة بكركوك نقطة استقطاب حقيقية لعدد كبير من العوائل والشخصيات المنحدرة من شمال القفقاس , وشمس الدين خالص (1906-1989) الذي كان ابواب ديوانيته في قرية الشيشان ( الحميدية ) بقضاء المقدادية في محافظة ديالى مفتوحة امام الزوار والضيوف القادمين اليها من داخل وخارج العراق . لذا يمكن القول بان هاتان القريتان هما الوحيدتان المعروفتان بانهما تضمان عوائل شركسية وداغستانية في العراق قبل اي مكان اخر , ثم اضيفت اليهما قرية (ينكجة بابلان) في قضاء طوزخورماتو التابعة الى محافظة صلاح الدين وقضاء الفلوجة في محافظة الانبار الذي كان لجمعية التضمان الفضل في التعريف بابناء القفقاش فيهما على نطاق واسع وضمهم الى عضويتها منذ تاسيسها .
يستفاد من المعلومات التاريخية المتاحة من ان منطقة فيشخابور كانت معبر للداغستان ( يشكلون 75% من القفقاس المهاجرين الى العراق مرورا بالموصل ثم نزولا الى وسط العراق , فسكن قسم منهم اول الامر في الكلك الواقعة على الضفة اليسرى من نهر دجلة مقابل مدينة تكريت ثم انتقلوا منها الى بقية المناطق , وكانت لبغداد حصة حيث تجمعوا في محلة اطلق عليها اسم محلة الججان . وقد افلح اغلب الشركس والداغستان في انشاء قرى خاصة بهم منذ بداية القرن الماضي في عدد من مناطق البلاد وكالاتي :
1- قرية زندان ( الحميدية ) في محافظة ديالى : قرية زندان ويطلق عليها ايضا الحميدية نسبة الى السلطان العثماني عبد الحميد , وقد شيدت من قبل الشيشان والشركس عام 1880 , وقد شيدت اول مدرسة ابتدائية فيها عام 1974 والمركز الصحي 1963 وكليهما على نفقة المرحوم شمس الدين خالص , وتنحدر العوائل القاطنة فيها من عشائر معروفة في شمال القفقاس كالارشتغوي والغلغاي والنشغوي , ولهذه العائلات صلات حميمة وقوية ودائمة مع اقربائهم من الشركس والداغستان في البلدان المجاورة وخاصة في الاردن وسوريا ومن ابرز شخياتها , مراد اغا ومحمد عارف اغا وغوبا وصالح بيبرت .
2- قرية جارشلو في محافظة كركوك : تاسست هذه القرية التابعة لناحية العباسي في قضاء الحويجة عام 1963 على يد المرحوم ابراهيم مصطفى نجيب بك في القرية مفتوحة على الدوام تستقبل الضيوف والاقارب وهي لا تزال في عهد خلفة الصالح الشيخ عبد العزيز مصطفى نجيب بك الجاجان , ومن ابرز الشخصيات التي ساهمت في انشاء القرية وعاشت فيها كل من الذوات حسين محمد علي ويونس محمد علي ومصطفى نجيب تيمور ومحمد عسكر , وهناك شخصيات من عوائل شيشانية قدمت من الاردن بهدف الاستقرار في القرية وهم من محمد اسندر وخليل ابراهيم وعثمان ابو بكر وخضر ارسلان .
3- قرية ينكجة بابلان في قضاء طوز خروماتو : يقول الباحث والمؤرخ صلاح الدين ناجي اوغلو 1945 بان الشركس والداغستان القانطين في مركز القضاء قد انفصلوا اصلا عن العوائل المستوطنة في منطقة قرة داغ في محافظة السليمانية وقد استقروا فيه حوالي العام 1890 , واول من وصل القضاء منهم الاخ الاكبر لهذه الاسرة وكان يدعى (ججان ) ثم اعقبه اخوته بيرام وحلو ومحمد وفتاح وكانوا قد قدموا عن طريق اذربيجان وايران ليكون القضاء اخر مطاف لهم .
4- الفلوجة : يعتبر قضاء الفلوجة اكبر اقضية محافظة الانبار , وتؤكد المعلومات التاريخية الدقيقة الى ا ناول من استوطن الفلوجة كان الشركسي مصطفى اسماعيل الذي قدم من تركيا فاقطعه السلطان العثماني اراضي زراعية له ولعائلته الشركسية ( الاوبيخ / اديغة ) في اراضي تسمى باراضي الخراب والبساتين المطلة على نهر الفرات , وكان ضابطا في الجندرمة وعالما متضلعا في شؤون الدين , وهو والد الوجبة الفلوجي الثري صاحب الاقطاعيات المعروفة باسمه حسن بك واخويه حسين وعلي , وقد خلف حسن بك كل من المهندس والمقاول الفلوجي الشركسي مؤيد ومصطفى , وبذلك فان هذه الاسرة الشركسية هي المؤسسة الفعلية لقضاء الفلوجة الذي اتسع فيما بعد وتكونت بيوتاته من سكان الصقلاوية التي كانت الفلوجة تابعة لها 1872 , واول ما بني فيها من الابنية جامع ( كاظم باشا) وهو الجامع الكبير حاليا والذي يطل على النهر ثم القلعة القريبة منه , وكاظم باشا هو صهر السلطان عبد الحميد الثاني .
5- السليمانية : يعود تاريخ التواجد القفقاسي في مناطق كردستان العراق الى زمن الحروب والويلات القفقاسية والقيصرية الروسية , حيث هاجر جميع العوائل عبر ايران واذربيجان واستقروا في البداية في قرية بيوكة الواقعة في منطقة برزنجة في محافظة السليمانية ثم انتشروا الى بقية القرى والمناطق بحثا عن الامن والاستقرار ..
وفيما يلي احصائية لحجم العوائل القفقاسية في محافظات العراق مؤكدين عدم ثبات هذه الارقام لحين انتهاء عملية المسح : بغداد (500) عائلة , ديالى (250) عائلة , اربيل (10) عوائل داغاستانية , السليمانية (630) عائلة , الموصل( 150 ) عائلة , النجف (50) عائلة داغستانية , الكوت (20) عائلة داغستانية , البصرة (20) , الناصرية (10 ) , العمارة (5) , دهوك (3) , الحلة (20) , الديوانية (12) , الانبار (20) ,,1890 عائلة اغلبية شركسية ( اوبيخ) , لقد اكد عدد من الرجال الشركس والداغستان القاطنين في قرية ( كاني ميران ) وتعني باللغة الكردية ينبوع الامراء الواقعة في منطقة قرة داغ الكردية في محافظة السليمانية وذلك خلال زيارة تمت اليها في صيف عام 2004 بان لهم لقرباء يتوزعون على خمس قرى شيشانية تضم اكثر من الف عائلة في منطقة في السليمانية . وبالرغم من ترعرع هذا العوائل في احضان المنطقة العربية الا ان كل تلك السنين الطويلة التي صهرت في بودقة البيئة واكسبهم السمات الحضارية والاجتماعية السادة لم تفلح في مسح والغاء روح الانتماء الى عشائرها الاصلية كالحرص على تطبيق مفردات ومبادئ ما يطلق عليه (قانون اديغا خابزة ) التي توجب بصرامة التحلي بقيم الاباء والاجداد وكانت التقاليد القفقاسية قد امتزجت مع جينات الانسان القفاقسي اينما وجد . ومن ابرز قادة هذه العوائل ( محمد فاضل باشا الداغستاني ) مستشار ومرافق عسكري للسلطان العثماني ولخبرته العسكرية تدرج في الرتب حتى اصبح فريق اول ركن , عين واليا على الموصل , ( غازي محمد الداغستاني ) تخرج من الكلية العسكرية في وولج ( المملكة المتحدة ) عان 1930 ثم دخل كلية الاركان عام 1938 الى ان اصبح قائدا للفرقة الثالثة , ( تيمور علي بك ) ولد في ارشت في الشيشان هاجر مع والده الى تركيا ثم سكن مع صديقه محمد فاضل باشا واستقر في تكريت حيث شارك في العمليات العسكرية ضد الاحتلال البريطاني للعراق ( صفاء شمس الدين خالص ) دخل الكلية العسكرية عام 1962 واوفد الى عدد من الدورات في بريطانيا وفرنسا والمانيا وتقلد عدد من المواقع القيادية ( آمر سرب , آمر تشكيل طيران , ثم تعين قائد لطيران الجيش العراقي عام 1933 , ترجم عددا من الروايات والقصص الروسية من الانكليزية الى العربية والتي تتناول الحياة القفقاسية والحروب الطاحنة التي دارت هناك .