توقفت عند مقطع فيديو لشاب عراقي يعيش في احد البلدان الاوربية، يسكب فيه الماء المثلج على رأسه متحديا ثلاثة زملاء له ان يقوموا بنفس هذا الفعل، وكان ذلك ضمن حملة "تحدي دلو الثلج" التي انطلقت قبل بضعة أسابيع في الانترنيت وشارك فيها ابرز نجوم الفن والثقافة والعلم والرياضة وحتى السياسيين، وتحولت الى موضوع عام، وقد نظمت كحملة توعية واسعة ضد مرض التصلب الجانبي الضموري، ولجمع التبرعات لدعم الأبحاث الطبية حول المرض، والتي لا تزال في بدايتها.
بادرت الى مراسلة الشاب مستفسرا عن جهدهم التضامني بخصوص ما يتعرض له الشعب العراقي من جرائم الارهاب والعنف، ويسبب له خسائر فادحة، تفوق الخسائر الذي يمكن ان يخلفها المرض المذكور، فعدد المصابين في العالم بهذا المراض يصل إلى حوالي 150 ألف شخص، بينما تجاوز عدد النازحين العراقيين جراء جرائم داعش المليون والنصف مليون مواطن!
لم يتأخر الشاب في اجابته، قال ان تضامنه لم يكن على حساب التضامن مع ضحايا الارهاب والعنف في العراق، وبيّن عدم قناعته بحاجة السياسيين العراقيين لمن يلفت انتباههم الى مخاطر الارهاب، والى اهمية توحيد مواقفهم وجهودهم وحشد امكانياتهم لمجابهة هذا العدو الغاشم، واكمل الشاب رسالته بمزحة مرة: مع من اتضامن وكيف، بعد ان وصلت المحاصصة الى التضامن؟.
للشاب بعض الحق في ما يقول، فحين تتضامن مع أية ضحية، يعيب عليك الطائفي من الجهة الاخرى ويتهمك بالانحياز في تضامنك! ويتضح ان المحاصصة التي رسختها القوى المتنفذة واستحوذت بموجبها على مقدرات العراق، وغدت هذه المحاصصة من العمق بحيث اصابت قطاعات واسعة من الشعب العراقي، بل وصلت حتى الى النخب المثقفة الواعية للأسف الشديد، منذرة بمخاطر جدية على منظومة القيم المجتمعية، يتضح انها انما هددت مفهوم المواطنة ذاته، ونسفت بذلك اللبنة الصالحة في اساس الاستقرار.
ان التضامن قيمة انسانية عالية، هي ابعد ما تكون عن الفكر والسلوك الطائفيين، انه المسؤولية المشتركة والمتبادلة تجاه كيفية سير المجتمع، وهو علاقة حضارية بين الأفراد، كما انه فعل خير ينجذب إليه الإنسان، على أساس المحبة والترابط والتلاحم، بعيدا عن التعصب والانغلاق وضيق الافق.
مقالات اخرى للكاتب