وهو حلّ يمت بصلة، من نوع ما، للمدينة الفاضلة، تلك التي يجد فيها الناس حياتهم وقد صارت مدنيّة بعيدة عن التنكيل. والفضيلة، عندي، هي النقاء، ولا أقصد بالطبع النقاء العرقي، فيما الإنسان الفاضل هو الإنسان الخيّر، البار، الذي يحبّ الخير ويفعله... فالحلّ الفاضل، إذن، هو ذلك الحلّ الذي يخرجنا من دوامة القتل اليومي، وماكنة الفساد المرعبة التي بسببها صار العراق في آخر السلم الدولي في كل شيء.
فما هو هذا الحلّ؟
يرى بعض المراقبين أن الحلّ يكمن في طريق من طريقين، فإما طريق إسقاط كل شيء في العراق، والبدء من جديد، أو طريق الانتخابات.
في الطريق الأول سنكون بأزاء ثورة، أو شيء يشبه الثورة. والثورة، في كل مكان، وعندنا بالذات، لا تقوم إلا بعد تصفية زمن بكامله، تسحقه سحقاً، فلا ينجو منها إلا من لم يحسب على الزمن الذي قامت الثورة ضدّه. الثورة قد تطيح بمؤسسات الدولة، تلك المؤسسات التي من المفترض أن تكون غير معنيّة بنظام الحكم، بأي حال. والإطاحة بالمؤسسات معناه العودة إلى الشرعة الأولى، حيث لا دولة ولا قانون، في حين كانت الثورة تريد الإطاحة بنظام حاكم لا بالدولة. وفي الثورة يموت أبرياء كثر. والثورة قد تجلب نظاماً أكثر قسوة من ذاك الذي خرجت عليه، وقد تفعل العكس. الثورة تتقصّد تهديم بنية حكم ومجتمع واقتصاد وثقافة، دون أن يعني ذلك أنها قادرة على الإتيان ببنية متقدمة أو متطورة. الثورات يصنعها، في العادة، الأشقياء والجياع والمغضوب عليهم، ثم يحصد نتائجها الأثرياء، وربما القتلة. "الثورة تأكل أبناءها"، وهي معضلة حقيقية في أزمنة ما بعد الثورات.
وفي الطريق الثاني، طريق الانتخابات، نحن أمام نخبة سياسية اعتدنا حضورها منذ عشرة أعوام، وهي نخبة غير جادة بفسح المجال لغيرها، حتى ولو كان شبيهاً لها في المنهج والتوجّه الفكري، فهي تؤمن أن فرصتها في السلطة واحدة، تغتنمها اليوم، اليوم وغداً، ولن تسمح لأي منافس بأن يغنمها دوناً عنها. نخبة كرّرت أساليب حكم متخلّفة، فيما هي تعتقد أنها قدّمت معجزات في الحكم الرشيد. نخبة لا ترى أبعد من المتر المربع الذي تقف، أو تجلس، عليه. يحترق العراق بالمفخخات، أو بالفساد، وتجد في الأمر اعتياداً، ذلك أنها جزء من هذه الفجيعة، بل أنها هي، وهي فقط المسؤولة عنه، والشريكة فيه. ثم أنك أمام جمهور فقد الثقة بهذه النخبة، وفقد الثقة بقدرة الانتخابات على الاتيان ببديل، فقاطع مواسم الانتخابات مرة تلو الآخرى، في إشارة، لا تحتمل تؤيلاً، على ضجر هذا الجمهور، بل وقرفه من الوجوه التي أمامه.
وها نحن، من جديد، بأزاء البحث عن الحلّ الفاضل. في مصر، على سبيل المثال، وجد كثيرون، وبضمنهم مراقبون عرب، أن الحلّ الفاضل، ايام حكم الرئيس محمد مرسي، مرشّح الأخوان المسلمين، والتيارات الإسلامية السلفيّة، يتمثّل في خطوة الجيش المدعومة من قبل: مؤسسة الأزهر، المؤسسة القبطية، والتيار المدني، تلك الخطوة التي أسقطت نظام مرسي وحافظت على الدولة ومؤسساتها في الوقت عينه. وبالطبع فقد أغضب هذا الحل قطّاعاً من المصريين، ومن يؤيدهم خارج مصر.
في العراق قرأت كثيراً عن حلّ فاضل مشابه، وهو حل السيسي، على ما عاد يعرف في الأوساط الصحافيّة والشعبيّة، ولكن المشكلة، وأعني مشكلتي الشخصية، في أنني لا أعتقد كثيراً بحلّ العسكر، ولا أعدّه حلاً فاضلاً، فما هو الحلّ الفاضل؟