لا شك ان نظام الحصة التموينية الذي شرع العمل به بعد فرض الحصار على العراق بداية التسعينيات، قد أسهم بشكل فعال في تخفيف أعباء ذلك الحصار عن كاهل المواطن العراقي، ولا سيما الطبقات الفقيرة ومن ذوي الدخل المحدود أو ما يسمى بالطبقة الوسطى التي كانت تمثل غالبية الشعب العراقي من صغار الموظفين والعمال والكسبة وغيرهم، وعلى الرغم مما شاب ذلك النظام من تلكوء في بعض السنوات، ورداءة المواد الغذائية الموزعة بموجبه، الا انه قد نجح في انقاذ ملايين الناس من غائلة العوز والجوع، بعد ان ضمن لهم الحاجة البايولوجية الأولى التي يحتاجها الانسان للبقاء على قيد الحياة،وهي الحاجة الاساسية التي وضعها عالم النفس الشهير (ماسلو) في سلم الحاجات البشرية التي تبدأ بالغذاء والحاجات البايولوجية الاخرى،ثم الحاجة الى الأمن،ومن ثم الحاجة الى المجتمع وما يمثله من حب واحتضان وتضامن،صعودا الى حاجة تحقيق الذات التي تمكن الانسان من اداء دوره الانساني المبدع كفرد خلاق ومنتج في الحياة،وكائن يسمو على الكائنات الأخرى التي تكتفي بالأكل والشراب والتناسل! أقول ذلك، لكي لا أظلم نظام توزيع الحصص الغذائية، غير ان ذلك لا يمنع من الاشارة الى بعض الحقائق التي تفوح منها رائحة الفساد والتلاعب بتلك الحصص،مما يكلف خزينة الدولة أموالا طائلة تذهب الى جيوب الفاسدين من لصوص الصفقات الغذائية والتي تقتطع من ثروة الشعب من دون وجه حق،وتحت ذريعة توفير لقمة العيش للمواطن الكريم ! ومن ذلك ما أعلنته وزارة التجارة مؤخرا بأن أكثر من 34 مليون مواطن عراقي في الداخل يستلمون مفردات الحصة التموينية،والتي هي من أرقى المناشىء العالمية، كما كان يقول وزير التجارة السابق الهارب من وجه العدالة عبد الفلاح السوداني الذي اعتدنا في عهده على أكل الحمص المنخور والرز الذي يصلح علفا للحيوانات والسكر المتحجر الذي يشبه حجر (أبو صفية) في الانبار المشهور بشدة صلابته، حتى ان بعض العوائل كانت تضطر الى استخدام المطرقة الحديدية (الجاكوج) لغرض تفتيت هذا (السكر – الصخر) عالي الجودة! وبغض النظر عن جودة المواد الغذائية التي يتم توزيعها على المواطنين بنظام الحصة التموينية، فأن السؤال الأهم يتعلق بالرقم الذي أعلنته وزارة التجارة عن عدد المواطنين العراقيين الذين يستلمون مفرداتها الغذائية من الطحين والسكر والرز والزيت على وجه الخصوص،فهل أخذ الذين أعلنوا هذا الرقم الخرافي بنظر الاعتبار الشرائح التي تم حجب الحصة التموينية عنها من كبار الموظفين وأصحاب الدرجات الخاصة وأصحاب الشركات،والذين يبلغون مئات الالاف ان لم نبالغ ونقول انهم يقدرون بالملايين مع أفراد عوائلهم ؟ وهل أخذوا بالحسبان أكثر من 4 ملايين عراقي هاجروا وغادروا البلد وحصته وتركوا الجمل بما حمل؟ أم ان الوزارة ما زالت توزع عليهم الحصة التموينية عن طريق الملحقيات التجارية في سفاراتنا بالخارج ؟ أليس من حقنا أن نطرح مثل هذه التساؤلات عن الرقم الذي أعلنته وزارة التجارة؟ فهو رقم غير واقعي أقل ما يقال فيه،انه مثير للريبة والشك،ان لم نقل انه يؤشر لسرقات ضخمة تجري تحت غطاء توفير الحصة التموينية للمواطن العراقي الكريم!
مقالات اخرى للكاتب