لا يكترث الامتداد الاقليمي للصراع الطائفي في العراق، الى الدماء الغزيرة التي ينزفها الشعب العراقي كل يوم. ولم يعد خافيا دور الدول الاقليمية في صناعة المليشيات المسلحة وتدريبها وتقديم الدعم المادي والمعنوي لها، وجعل اراضيها ساحات خلفية للعصابات الإرهابية والجماعات المسلحة التي تستخدم العنف ضد العراقيين. وأصبحت هذه الدول تتدخل على مدار الساعة في الشأن العراقي. ولم يعد تدخلها يقتصر على شراء ذمم بعض السياسيين المتنفذين لضمان الولاء لها، على حساب مصالح العراق وشعبه، بل اصبح هذا التدخل العلني المكشوف، غير مكترث بكل المواثيق والأعراف والمعاهدات الدولية، التي تحرم استخدام اراضي الدولة للاعتداء على دولة جارة لا تناصبها العداء، سيما والعراق مثخن بالجراح، ويئن تحت ضربات قوى الارهاب ودمويتها.
واذا كانت الدول الاقليمية فيما سبق قد اسهمت في تشكيل المليشيات الطائفية وساندتها دون ان تترك دليلا لاتهامها بذلك، فانها اليوم تجازوت كل ذلك وأصبح اشارات تدخلها بالشأن العراقي على مستوى العنف امراً ملفتا للنظر. وفي ضوء ذلك جاءت استضافة اسطنبول لـ (المؤتمر الدولي للعدالة وحقوق الإنسان فى العراق) الذي نُظّم بالتعاون بين الاتحاد الدولى للحقوقيين، وجامعة (القرن الجديد) التركية، وجمعية الباحثين فى الشرق الأوسط وأفريقيا، وجمعية الحقوقيين الأتراك، وبلدية (بشاك شهير) فى اسطنبول.
ما يثير الانتباه ان هذا المؤتمر اعتبر العنف الوسيلة الاساسية لتغيير نظام الحكم في العراق، مشكلا منطلقا خطيرا للتدخل المسلح السافر على امن وسلامة وسيادة العراق. واذا كان المرء لا يستغرب مشاركة شخصيات عراقية في هذا المؤتمر، مطلوبة للقضاء العراقي بتهم تتعلق بالارهاب بينهم: طارق الهاشمي وعبد الناصر الجنابي وعمر الكربولي واحمد الدايني، فان المثير هو اشتراك عدد من اعضاء مجلس النواب الحاليين في هذا المؤتمر، الذي كان شعاره (اسقاط النظام)! فهل تبقى للنائب الذي يعمل على اسقاط النظام وهو جزء من سلطته الاعلى، ان يحتفظ بشرعية البقاء في مجلس النواب وان يحتمي بالحصانة البرلمانية؟
بطبيعة الحال كان يمكن للمتنفذين في العراق ان لا يجعلوا بلدنا ضعيفا الى درجة ان تتحكم بمصيره دولة بحجم قطر. هذا اذا كان يعز على المتنفذين اسم العراق وكرامته. غير أن هؤلاء الذين شغلهم الصراع على السلطة وامتيازاتها وما تدره عليهم من اموال ونفوذ، واعمى بصرهم وبصيرتهم عن التفكير بمصائر البلد، الذي باتت عواصف الازمات تهدد حاضره من كل جانب وتدفع بمستقبله الى المجهول. هؤلاء الذين تحاصصوا العراق طائفيا وإثنيا مؤسسين لأزمة عميقة في بنية النظام، أصبحوا عائقا امام اعادة بنائه على وفق المواطنة.
إن اشتداد الازمة ووصولها الى ذروتها الخطيرة، أمر يستدعي ايجاد مخرجاً عاجلاً ودون إبطاء؛ مخرج يبدا بالتهدئة ووقف مسلسل العنف والقتل اليومي، وينتهي بمراجعة شاملة للعملية السياسية واعادة بنائها على وفق المواطنة بعيدا عن المحاصصة بأي شكل كانت. وهذا ما يتطلب العمل عليه فورا.
انها مهمة جميع الخيرين والحريصين على بناء عراق ديمقراطي يتسع للجميع.. اننا نراهن على الحكمة ومن المؤكد انها ستنتصر في نهاية المطاف، رغم السحب السوداء التي تلوح في الافق.
مقالات اخرى للكاتب