منذ انهيار الامبراطورية البريطانية التي لاتغيب عنها الشمس والسياسة الخارجية تعمل بجد من اجل استثمار الظروف الدولية المتناقضة ،كل ذلك من اجل تحقيق الهدف الاسمى وهو ابقاء بريطانيا عاملاً مؤثراً في النظام الدولي او بشكل آخر هو إعطاء بريطانيا دوراً يزيد عن حجمها الطبيعي من حيث ادوات السياسة الخارجية وادوات تنفيذ السياسة الخارجية من حيث الموقع الجغرافي والقدرات البشرية وتوزيعها السكاني والمعرفي والموارد الطبيعية والتأثير الصناعي والقوة العسكرية والابداع السياسي .ولكن بريطانيا ومنذ انهيارها الحقيقي في اعقاب الحرب العالمية الثانية لم تكن الدولة الصانعة للحدث ناهيك عن كونها مؤثرة فيه اصبحت تشكل سياستها الخارجية من اجل التقارب مع صانع الحدث والمؤثر فيه وربط ذلك بالسياسة البريطانية .ان افضل ما يمكن ان تشبه به السياسة البريطانية هو بخيوط العنكبوت من حيث نسجها في ارجاء متفرقة وانتظار الفريسة او اشبه بصائد السمك الناشر لأكثر من سنارة من أجل استثمار تناقضات الموج والبحر من اجل دفع نوع من الصيد تجاه هذه السناره او تلك .لا يمكن القول بأن السياسة الخارجية البريطانية كانت خالقة للمواقف السياسية والاحداث السياسية ثم العمل على استثمارها كما يحدث للولايات المتحدة الامريكية اليوم ،بل ان السياسة الخارجية البريطانية اليوم هو العمل على استخدام التناقضات الدولية واستثمارها دون ان تدفع الكثير في التحضير لها ،بمعنى آخر فأن السياسة الخارجية البريطانية تريد كسب أكبر قدر من النتائج في الوقت الذي فيه دفع اقل التكاليف ،وبذل اقل جهد .ومن هذا المنطلق فأنه يمكن تسليط الضوء على اجراء من ترتيبات السياسة الخارجية البريطانية والتي تبدو انها متناقضة في جوانب ومتكاملة في جوانب اخرى الاهذه السياسة تركز على استخدام التناقضات الدولية والازمات السياسية الدولية على النحو التالي :
اولاً: تنتهز بريطانيا كثيراً من سياستها الخارجية ومخزونها السياسي للتقارب مع الولايات المتحدة الامريكية ،وذلك من باب البعد التاريخي السياسي الذي تختار البحار المفتوحة ،ولكون كل البحار اصبحت اكبر من قدرات الدولة العجوز فإن ابواب بحار الاطلنطي ما زالت مفتوحة من اجل التقارب مع الولايات المتحدة الامريكية .وهنا فإن السياسة البريطانية تلعب على حساسية وطبيعة النظام السياسي الامريكي المفتوح والذي يتطلع اي رئيس من اي من الحزبين الجمهوري او الديمقراطي من اجل ايجاد حليف داعم ودائم من اجل تبرير سياساته الخارجية وان كل رئيس امريكي يجد في بريطانيا مبرراً جيداً يبرر به سياسته الخارجية امام الشعب الامريكي بالدعم والموقف البريطاني .وكان ذلك صحيحاً في مرحلة الادارة الديمقراطية في مرحلة الرئيس كلنتون وهو اليوم صحيح في مرحلة الرئيس جورج بوش .ومن هذا المنطلق فأن استخدام بريطانيا للقوة الضاربة الامريكية لا ينتهي عند هذا الجدل ،بل يذهب الى استثمارها اقتصادياً وسياسياً ،حيث يتجلى ذلك بالتواجد العسكري البريطاني في العراق وهي القوات التي تعد جزءاً من قوات احتلال العراق والسيطرة على النفط العراقي مع محاولة بريطانيا ان تعمل ذلك بأقل مستوى من الضجيج والتسليط الاعلامي ،لذلك تجد ان وسائل الاعلام البريطانية تغض الطرف قدر المستطاع عن اي تسليط اعلامي على القوات البريطانية في العراق الافي حالات الضرورة القصوى وعلى الجانب الاخر تجد ان التقارب البريطاني الامريكي في اوروبا مداه في تعطيل وعرقلة حركة الاتحاد الاوروبي والتأثير على اي توجه للوحدة الاوربية الحقيقية وحرمان كل من المانيا وفرنسا من اي وضع خاص يمكنهما من قيادة السفينة الاوروبية وتدخلان في ذلك مع بولندا الدولة الجديدة في الاتحاد الاوروبي ،وهذا يعيد الى الاذهان جزءاً من الصراع الاوروبي التاريخي وان كان بشكل مختلف .
ثانياً: في الوقت الذي تقوم السياسة الخارجية البريطانية بالارتباط الوثيق مع السياسة الخارجية الامريكية واعطائها الشرعية امام الجمهور الامريكي للرئيس الامريكي تجدها تدخل الوحدة الاوروبية دون اندفاع او رغبة حقيقية ،بل ان السلوك السياسي البريطاني في اوروبا يبعث على التناقضات والتساؤل والحيرة في اقل تقدير نجد السياسة الخارجية البريطانية التي تحاول تعطيل الوحدة الاوروبية او على الأقل دفعها بأتجاه تأخيرها او تحديدها وفقاً للمصالح الوطنية البريطانية تجدها بذات الوقت تدخل ذاتها ونفسها في جميع المؤسسات السياسية والاقتصادية والقانونية الاوروبية .وتبدو وكأنها اكثر الداعمين والمتحمسين للوحدة الاوروبية .اي ان السياسة الخارجية البريطانية تجاه اوروبا يشوبها عدم تحديد الهدف الااذا كانت الأهداف هي الهدف بذاته حيث يتصرف صانع السياسة الخارجية البريطانية وكأنها دولة عظمى تضع الهدف وتخطط له وتعمل على استثماره ،حيث تشاهد ذلك في سلوك السياسة البريطانية تجاه العديد من دول العالم وخصوصاً بدول الكومنولث التي سبق ان ارتبطت بالامبراطورية البريطانية او مع بعض دول العالم الثالث التي تملك بعض المقومات الاقتصادية والموارد لطبيعية ،ولذلك فإن السياسة الخارجية البريطانية تحاول ايهام الجميع انها تصنع اهدافها وتنفذها بذاتها . ان السياسة الخارجية البريطانية تحاول ايهام العالم انها تملك التحالف الامريكي والبعد الاوروبي والدولة العظمى في ذات الوقت التي هي جزء تابع في سياستها الخارجية اكثر من كونها صانعة او منفذة الهدف .ان السياسة الخارجية البريطانية هي سياسة انتهازية تنتهز التناقضات الدولية اكثر من كونها صانعة ومحققة الهدف ،ا
ن نسج العنكبوت في محيط الغرفة الواحدة يعطي انطباعاً بالقوة والسيطرة بالوقت نفسه انها تعتمد على الوقت واخطاء الاخرين واستثمار التناقضات من اجل الانقضاض على الفريسة ،ان خيوط العنكبوت تشبه الى حد كبير خيوط واهداف السياسة الخارجية البريطانية التي تعتمد على الصبر واقتناص اخطاء وتناقضات الاخرين .